قناديل الروح خافتة حين يعمّها الآخرين

الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

غادا فؤاد السمّان في صحيفة أوان الكويتية

بيروت - لوريس الرشعيني
«أتوق للبوح...ككل البكم في هذا العالم
أتوق للحرية... ككل الزواحف المحكومة بالعتمة
أتوق للكتابة... ككل الخارجين تواً،
من دورة مكثفة لمحو الأمية»..
بهذه الكلمات المرهفة الساحقة العمق والمعنى استهلت الشاعرة السورية غادا فؤاد السمان مجموعتها الشعرية الرابعة «كل الأعالي ظلي»، ووقعتها أول من أمس ضمن كوكتيل في فندق الكومودور في منطقة الحمرا البيروتية الضاجة أدباً وفناً ونشاطات ثقافية متفرقة. وحضره لفيف من أهل الثقافة والشعر الفن والمجتمع.

{ بماذا تخبرينا عن مولودتك الشعرية الجديدة؟
- أولاً باغتني بمسألة التأنيث للمولود، هو مولود وليس مولودة، وأعتز بأن يكون مؤنثاً أو مذكراً لأنه يحمل الوجهين، في الروح وفي الذات، وفي التجربة، يحمل خلاصة الأنا. «كل الأعالي ظلي» هو عبارة عن خريطة طريق قادتني بشكل أو بآخر إلى قمة الروح التي أسعى إليها باستمرار، وقمة التجربة التي أحاول الارتقاء معها ما بوسعي، فحياتنا كلها مربوطة بأغلال تقودنا دائماً إلى الأعماق أو ربما إلى «الوحل»، ولكننا نسعى جاهدين إلى أن نخلق لأنفسنا بعضاً من الأجنحة، حتى ننتصر على الوحل الذي يعتري حياتنا باستمرار.
سباحة في الخيال
{ إلى أين تسبحين في خيالك، وإلى أي درجة تسمحين لبصماته أن تغذي شعرك؟
ـ طبعاً السباحة في الخيال مرهونة أو مقترنة بالسباحة في الواقع، لا أتعدى الواقع ولا أتخطاه، أعيش اللحظة الراهنة بحذافيرها وأفلسفها حتى أتقبل صعوبتها، وفي النهاية تأثير الواقع هو الأقوى لأنه هو الحقيقة الدامغة في حياتنا جميعاً، ولا أحاول أن ألوذ من واقعي إلى خيالي، فهذا ملاذ غير آمن لأنه موقوت، ولأنه واهم ومبهم، لذلك أعيش التجربة والواقع بحذافيرهما وبكل التفاصيل، ولا أحاول التنصل من أي شيء يعتريني سواء كان سلباً أم إيجاباً، أثق بالقدر وبالملائكة، قد تداهمني بعض الشياطين أحياناً وتحاول أن تراودني عن يقيني، كل هؤلاء يزفونني إلى الأعالي باستمرار ويقودونني إلى الطريق الصحيح والسهل نحو الأعالي.
{ بين مجموعة وأخرى كيف تنسجين بيتك الشعري، وبماذا تختلفين شخصياً؟
ـ المجموعات الشعرية الأربع هي استكمال لأنفاسي الشعرية، أي أنها أنفاس متواصلة، ولكل منا بصمته في النفس، فلا أعتقد أن هناك خللاً ما بين مجموعة وأخرى، لا أقول إن هناك تطابقا، ولكن ما من هوة أو شرخ، ما من انفصال أو فصل، كل التجربة متشابهة لناحية صدقها وصدق المحاولة، فالتجربة في المحصلة هي مجرد محاولة، وأنا أعتز بمحاولاتي في استمرار لأنني أترجمها بصدقية عالية مع نفسي، وأحاول أن أرهن كل خبرتي في الحياة إلى الشعر.
عابرون في الزمن
{ من هي غادا بين مجموعتها الشعرية الأولى، ومجموعتها الشعرية الرابعة؟
- لا نستطيع أن نسأل الشمس، من أنت؟ ولا الرياح، من أنت؟ ولا الغيوم أو السحاب. أنا خليط هذه العناصر مجتمعة، عندما أقول الشمس: لأنني امرأة واضحة، عندما أقول الرياح: لأنني أمرأة غاضبة ومتمردة في استمرار، عندما أقول الغيم: لأنني امرأة حزينة، عندما أقول السحاب: لأنني امرأة معطاءة. أنا الباحثة عن أناها، عن مكانها ومعناها وجدواها، الباحثة عن دورها وعن بصمتها كي تؤكدها في هذا الوجود، فكلنا عابرون وفرصتنا في هذا الزمن ضئيلة جداً وقليلة المسافة، ولكننا نحاول جاهدين كي نؤكد وجودنا بشيء أو بآخر.
{ ماذا عن أسلحتك الخاصة؟
- لا يخلو الأمر من مزيد من الثقافة، وقد تكون الثقافة أحياناً عبئاً على الموهبة الأساسية، فكثرة الثقافة تصبح عبئاً على الإبداع وعلى التلقائية والعفوية التي عرفتها الشاعرة في الأساس، وانطلاقاً من ذلك أحاول أن أبحث في أعماق الذات، أعماق النفس والروح، أعماق غادا، أنا غوّاص أغوص في استمرار في أعماقها وأحاول أن أكتشف إن وجدت بعض اللآلئ، وإن لم توجد فأحاول أن أستنير بالحرف، بالحبر، وبالكلمة.
{ ما البصمة التي ميزت مجموعتك الشعرية هذه عن سابقاتها؟
- ربما ما يميز هذه المجموعة أني أصبحت أكثر قرباً من غادا وأكثر تطابقاً مع مراياها، أكثر تصيداً للآلئها الداخلية، ليس بمعنى الانغلاق ربما أكثر عزلة، فمواضيعي الشخصية لم تأتِ من فراغ، إنها مقترنة بالواقع وبالمجتمع، مقترنة بالآخر، بما يعتري حياتنا في استمرار من تفاصيل يومية ومعتركات مؤلمة وموجعة، لقد قلَّ الفرح في حياتنا، فأنا باحثة عن الفرح من خلال كوّة صغيرة جداً، أحاول أن أفتحها بيني وبين المجتمع كنافذة أطل بها على الفرح والضوء في استمرار، هرباً من عتمة الآخر، من عتمة الزمن، وعتمة النفاق الذي يسود المجتمع. كل هذا حاولت أن أركزه وأكرسه في «كل الأعالي ظلي».
رسم حدود المرأة
{ ما دور المرأة في شعر غادا؟
- المرأة دائماً ملامة، والرجل دائماً معاتب. المرأة ملامة عندما لا تحتفظ بكرامتها وبكبريائها، بأناها وبرقيّها وعلوها الذاتي، كل هذا إن لم أجده عند المرأة فهي ملامة، حتى غادا فأنا لا أقبل لها بالتخاذل، لا أقبل لها المساومة، لا أقبل لها الضعف أمام الآخر، ربما اعتدت أن أعلمها أن الإيمان هو الطريق إلى العلى وإلى الأعالي، وبأن اليقين يجب أن يقترن بالفعل وبالتجربة وبالمحاولة.
{ أنت لا تصورين المرأة بصورة المنكسرة التي يحضونها دائماً على الثورة على واقعها، أنت تلومينها!؟
- أنا أختلف كلياً مع هؤلاء الذين رسموا للمرأة حدوداً وحاولوا أسرها ضمنها حتى تكون بمتناول غرائزهم، غادا دائماً تحاول أن ترتقي حتى على ذاتها.
{ هنالك ثورة في شعر غادا على مختلف المستويات والأصعدة؟
- دائماً من يحاول الثورة، فهو دائم البحث عما هو أفضل، فمن قادوا الحروب ومن قادوا الثورات على مرّ التاريخ هم من أسسوا لمجتمعات أفضل، تبدأ ثورتي دائماً على ذاتي، ومن خلال هذه الثورة أحاول في استمرار أن أوجد غادا أفضل، أن أوجد آخر أفضل ومجتمعا أفضل، فأنا دائمة البحث عن الأفضل.
{ هنالك معارضون كثر لشعر النثر، بماذا تجيبينهم؟
- الشعر شعر يتجلى في كل شيء، يتجلى في نسمة عابرة، في ورقة شجر، في وردة تحاول أن تبوح بشيء ما، من يستطيع أن يستشف ما معنى الشعر، يستشف ما معنى النثر، وما هو معبأ من شعر داخل النثر، ليس المهم القالب، فالأهم هو الفحوى.
من نصوص السمان
...لا أهاب القيامة،
لكن هدوء الروح مقلق كالجحيم.
في كل اتجاه عتمة مؤكدة،
ومعظم الوجوه التي عرفتها،
سقطت ملامحها في غمرة،
النفاق...
{ { {
من أغلق باب الطيش؟
من فض براءة ذاكرتي،
من قص مخيلتي.. من؟
ويحل الصوت، الصمت، السكين،
يقطع دابر أسئلتي...
{ { {
«لم أكن ليلى أنا،
وليس لي في العشق،
قيس أو جميل».
هكذا أولمتني الهزائم،
لمواسم الوله الخرافية،
وأنا الغجرية.. الغجرية
لم تحتضنني حتى الآن،
ريح..
ولم أجن بعد،
من فصول العناق،
قُبلاً كنت،
أشتهيها.
{ { {
تذكر ما بوسعك أن تتذكر،
حين كان السؤال،
جل ما لدي،
كيف ظل الرماد ملح ناظريك،
يراوغني عن بياضي الأقصى،
إلى التباسك الفاحش كالعادة،
وقبل أن تنصرف إلى مكرك الدفين،
سأسلبك دموعي،
وأواريها بعيداً عن خبثك الماجن،..
العنوان؟
«إن غادا السمان أديبة منتجة جداً، سريعة الخاطر والبديهة، لغتها متينة وهي محدثة لبقة وحاضرة دائماً في كل الأمكنة، يرتاح لحضورها المستمع والمتلقي والجليس، وهي أديبة محلقة إلى الأعالي».
الشاعر عبد الحافظ شمص
العنوان؟
«إن أدب غادا يشبهها، حلو وشفاف، يعكس رقتها وشفافيتها، أنا أتابعها واستمعت لها مرات عدة على المنبر إلى جانب إصداراتها الأدبية، هنالك ضوء وجمالية خاصة في أدبها، وإجادة وبلاغة للغة العربية، ونحن نفتقر في أيامنا هذه لهكذا أدب وأدباء، ويقال:
كل إناء ينضح بما فيه.. فأدبها ينضح جمالاً وأدباً»
الشاعر جورج شكور
تاريخ النشر : 2009-12-22
http://www.awan.com/pages/culture/266821

الاثنين، 23 نوفمبر 2009

غادا فؤاد السمان في بعض الحوارات واللقاءات

قالوا في تجربة غادا فؤاد السمّان

غادا فؤاد السمان:
كشـّافات و شهادات 1

http://web.archive.org/web/20071018044316/www.geocities.com/ghada_samman/kashshafat.html

"أنزلوني لا أريد النفي
فوق الرفوف
بتهمة أنّي شاعرة!"

غادا فؤاد السمان





غادة فؤاد السمان تمثّل في الأدب النسائي العربي هذا اللون من الشاعرية المرتبط بالبحث عن الحقيقة، وهي الحقيقة التي تجعل من الحب في حياتنا التجربة التي تسمح لنا بأن نفهم من الحب أنّه المظهر الوحيد لتؤكد الـ "نحن" التي تنتج عن الهوية المتجانسة لكل من الـ "أنا" و "أنت" على النحو الذي تجسّده قصائد الحب عند الشعراء على مرّ العصور .

د. عبد العزيز شرف
"الأهرام" المصرية





إنّ غادة فؤاد السمان تريد الاستيلاء على العالم بشعرها لإيمانها أن الأقانيم الثلاثة: الحق الخير الجمال هي المؤهلة وحدها لترتيب العالم، إنها تهاجم مرابض المدفعية غير آبهة بشيء. إنها مدّت لسانها لأن الآخرين ابتلعوا ألسنتهم فلا يطلعون علينا إلا برايات القبر الذي لن ينهض منه اليعازر، فبلاطته ثقيلة وترابه طين لزج يمسك بالجثمان إلى الأبد، غادة امرأ ة بكلمة مقاتلة . تنضم إ لى كوكبة الفرسان الذين يهاجمون أعتى القلاع. لقد تلوّث اسمها بالشجاعة وانتقل إلى سجل المشبوهين بممارسة الحرية والموسومين بتعاطي الشعر النظيف، وانتهى الأمر فلا أ مل لها في التقهقر ولو رغبت وأعلنت التوبة، وما أ كثر التهم التي ستوجّه إليها إذا اصطادها رماة المرابض!

حنّا عبود
"الشرق الأوسط" اللندنيّة



وكنت على وشك قراءة كتب غادة فؤاد السمّان بصفاء تمهيدا لتقييمها من وجهة نظري بود محايد (وعفى الله عما مضى) لكن مقالة أ حدهم أ عادتني إلى الهوامش، إذ من الواجب ألا يخلط القارئ بيننا ولا الناقد ولا المترجم المستشرق.

غادة السمّان
"الحوادث" اللبنانية





الوقوف بين غادتين، كالوقوف بين غابتين، أيّة نار تشتعل هنا، تنطفئ هناك، بين غادتين شيء ما كما تنقسم التفاحة بسكين، بين غابتين بحيرات شاسعة فاصلة كالمرايا. بدأ ت أغصان الغابة الكبيرة تتكسّر. هرمت. كان في هذا الوقت شجرة صغيرة، تنمو كما لو أنّها تطلع من شقّ صخرة، ضعيفة ومشاكسة، تقف في وجه الغابة، نظرت الغابة إلى ابنتها وأخذت تبكي إنّها تشبهها ولا تشبهها. نظرت البنت الشوكية إلى أمها، وبدأت تضحك. وقت طويل يمرّ بين غادتين. وقت طويل بين غابتين. والوقوف بينهما، أ مر قد يحدث أحيانا، لرجل غريب مثلي.

د. محمد علي شمس الدين
"الديار" اللبنانيّة





أمّا الشعر عند غادة فؤاد السمان فهو بالنوع الذي تترتب فيه الأشياء ترتيبا مغايرا، إن الحداثة فيه هي في المعطى ذاته الذي كان لدى المؤسسين، إلا أ نه في هذه المرّة يتكئ إلى جمالية خاصة. قوامها الغرابة والاعتياد في آن واحد ، ومن تماس الحالتين تنتج الحالة الجديدة التي تحتاج إلى تأويل، وهكذا يصبح الشعر عند غادة مكانا للتأويل والسماع والتصوّر وما إلى ذلك من عواطف وأحاسيس وتخيلات، أما اللون في شعر غادة فيحتضن كل شيء الجريمة والضوء واللغة والموت والحب والحياة والغياب والحضور الكامل. فجأة يطلع من اللغة الجديدة التي تسكن فيها غادة فؤاد السمان والشعرية كذلك.

د. مروان فارس
"الحياة" اللندنيّة





في قلب كل ثائر صادق طفل يجهش بالبكاء كلّما سمع أجراس الحنين، كلّما هدأ البحر، كلّما قرأ في الكتاب القديم، كلّما اكتشف الوجه الآخر من المسألة، كلّما شعر أ نّه لا معنى لثورته إلا إذا نشدت الأمان الداخلي وتوجهت للاستراحة على الشاطئ الآخر للذات حيث الطيب والرقيق والرفيق، وهذا التوجّه الهادئ العميق يعزز شاعرية النفس كلّما جاشت، وشاعرية الكلمة وإن ثارت. بمثل هذه الواحات الاستثنائية، أو هذه الجزر في البحر الخضمّ، تطالعنا غادة فؤاد السمان وقد انتدبت نفسها لمحاربة الغدر، التسلّط، الظلم، النفاق، العبودية، الحماقة، الفظاظة، الطغيان، التهريج، الطوطميات. هي وجها لوجه مع جيش من الشياطين لكنها لن تنتصر عليها بالأدوات القتالية التي تستعملها، .. ستهزمها بجيش الملائكة الكامن في الجانب الآخر من كلماتها، وفي الشاطئ الآمن من ذاتها. ولابدّ ستكون لهذه الثائرة الصادقة، بعد هدوء المعركة واكتشاف المزيد من مواطن الصفاء في القلب وفي الريشة مواعيد طيبة مع الحياة، ومع القصيدة .

د. غالب غانم
"الأنوار" اللبنانية



قصيدة غادة فؤاد السمّان كثيفة حتى الإشباع، تدخل اقتحاميّة عالم المشهد الخارجي الذي ينزف قيما.. ولهذا فهي تصوّر بقلمها بمقدار ما تكشف، تعرّي، تنتقد بمرارة ثم تستخلص الومض وتتوهّج شاعريتها.

وضاح يوسف الحلو
"النهار" اللبنانية





غادة فؤاد السمّان لكلماتها وقع الصدمة في العقل، تصنع شرخا يتسع ولا يضيق. أحيانا لا يتطلّب من اللغم أ ن يفجّر جسم الإنسان، أحيانا يكفي لهذا الإنسان أ ن يستيقظ من تخلّفه، لا من نومه فقط ، وإذا لم يكن لقصيدة غادة غير هذا الفعل فهو كاف جدا.

د. اسكندر لوقا
"الثورة" السورية



تعمد غادة فؤاد السمان إلى أدب الإبيغرام الذي وصفه طه حسين بأنه قطعة شعرية صغيرة تنتهي بقول لاذع وفيه شيطنة، أو هو كلمة ترسل من خلال الحديث أو النص وتعبّر عن نقد "حرّف" أو "سخرية عضاضة" هو أدب صعب، مكثّف، ينفض من الجملة كل زوائدها ، ويختصر - كالحكمة والمثل - صورة فضفاضة في ضربة قلم واحدة. ولقطات غادة يجب أن توزّع كل واحدة على كلمات مستقلّة، مرصوفة بأناقة على صفحات لامحدودة، لا لملء الورق بلا امتلاء، ولكن لنقف عند كل كلمة من كلماتها.

نجاة قصّاب حسن
"الثورة" السورية





وما لم يمعن المتلقّي عقله ومخيلته جيدا فإنه لن يقرأ سوى السطح أمّا الأعماق فتحتاج إلى مغامرة وتعب حقيقي، وبثقة يمكن القول أ ن شعر غادة فؤاد السمان أ شبه بطلقة تمرّ مسرعة فلا تراها العين ، إ نّما الأمر الممكن رؤيته أداة الإطلاق بعد الفعل، وما خلّف الفعل من مرارة، ثم البحث عن الهدف الذي أرادته الطلقة، هذه الكثافة الشعرية تحتاج إلى كثافة مماثلة عند القارئ.. ومن يبدأ السؤال فيما إذا كان القارئ مستعدا لبذل جهد يماثل أو يقارب جهد الشاعر في لحظات الإبداع؟

وليد معماري
"تشرين" السورية





كم أخذتني الدهشة، حين عرفت أن غادة فؤاد السمان لا تنتحل اسمها ولا شهرتها، وأنّها بالتأكيد لا تنتحل الإبداع المميّز، وأخذتني الدهشة أيضا إلى أبعد من ذلك حين وجدت أنّ ما بين الغادتين هو أكثر من التوقيع المشترك
والترّدد والنزق والشغف بالحريّة وبعض الجنون اللازم لكل مبدع وكل إبداع، لكن أيغني هذا المدخل أنّ الغادتين تتشابهان وكفى الله المؤمنين شرّ القتال؟ طبعا لا… فلدى غادتنا، غادا فؤاد السمان، الكثير من العلامات الفارقة، وأبرز تلك العلامات نبرة تمنحها صوتا خاصّا في غمرة الأصوات الشعرية، وأسلوبا أخّاذا فيه من الشراسة "الماغوطيّة" والرقة الأنثوية الشيء الكثير. إذن شعرية نصّ غادا السمان، ولا أنسى فؤادا بين الاسم والشهرة، تفصح عن نفسها جهرا، إنها تأخذ قارئها على مهل ورويدا رويدا إلى ضربة معلّم تترك في القارئ دهشة وغواية. ومن علاماتها الفارقة أيضا، ثراء نصّها بالصور الشعرية غير المتكلّفة وغير المبتذلة، ولعل سرد العلامات الفارقة عندها لا ينتهي لكن يكفي القول أنّ الكتابة الشعرية لديها تنطوي على موقف لا يوارب، ولا يساير، وهي صادقة بكل عفويتها ونزقها وتلقائيتها، وليس يعتري هذا التدفّق التلقائي أو السليقي من شوائب، وأنّ لا ترف ولا ترفيه في نصوص غادا، بل الكتابة بالأظافر والأضلع المسنونة. إنّها بحق وبجدارة واحدة من الكتّاب غير الأليفين، الذين يصعب على الحياة أن تروّضهم، وأن تدجنهم. إنّها كاتبة وحشيّة، بريّة، لم تدخل السيرك بعد، وعساها لن تدخله أبدا.

زاهي وهبي
"مجلس الفكر" اللبناني





غادة فؤاد السمّان تواصل خطّها الشعري الحاد الجريء وتكشف عن محاورة عنيدة لا تملّ البحث في ثنايا اللغة عن معنى جديد. كأنّ هدف قصائدها إعادة رسم الشهد المأساوي لعصرنا، والسفر في متاهات الأسئلة الصادمة عن الحب والموت والشهوة، وقبل أي شيء عن سرّ تصدع العلاقة بين الرجل والمرأة. هكذا تطمح الشاعرة التي بداخلها إلى صياغة جديدة لمشاهد الحياة، وتنشد بأعلى صوتها أن يكون الإنسان سويا وسعيدا، وإذا كانت غادا شغوفة بالإمساك بعالمها الداخلي، إلا أنّ قصائدها تتجاوز هذه الذات إلى الإنساني، قصائد غادا مرتبة في تشوشها، ملتزمة بالنبل والنزق معا. ومثل هذه الكتابة لا تعدنا بالهدايا بل بالتضحيات هكذا يقدم شعرها نفسه دون مساومة ومع شيء من البسالة واليأس، غادا تكتب بأسلوب مقتضب وريشة طليقة، ويتشابك في عباراتها غليان غزير من الصور والانفعالات والمشاعر والأفكار المتوثبة للنور والحرية.

حسين نصر الله
"الكفاح العربي" اللبنانية





الشعر عند غادة فؤاد السمان هو المرآة التي تعكس ولا تعكس، تومئ ولا تومئ، لكنّها بلا شك، تحرّك شيئا ما في داخلنا بدفعنا إلى قراءة داخلية للذات، تجيب عن بعض أسئلتنا وتطرح أمامنا أيضا، فيضا من الأسئلة. غادة سعي دائم للوقوف في ذلك المنزلق الخطر، والقلق، والمقلق، الذي يسمونه، "الشعر" وكأنّ هذا السعي لا يرتوي ولا يرعوي ولا يهدأ، بل يكتنز بمغامراته التي تتخطّى الحدود، لتحلق في ذلك الفضاء الرحب بعيدا عن رتابة أغنياتنا، تغنّي في شعرها الخيبة والمرارة، والحزن والانتصار، كأنّ ما تقوله لذلك الألم الكبير الذي ينمو ويكبر في داخلها، ويكتمل طفلا عاصيا متمرّدا، كأنّه الومض الذي يقول التفاصيل دون أن يقولها.

لامع الحر
"الشراع" اللبنانيّة





مذهلة غادة وأقصدها هي غادة فؤاد السمان، كيف استطاعت أن تسجّل حضورها ساطعا في المشهد الثقافي بدون استئذان، كيف استطاعت أن تشغفني بطلاّتها الواثقة هي طيّبة جدّا، وحذرة جدّا، هي شاعرة تكتب بشوك الوردة لا بتويجاتها، كأنّما تغسل خطايا الآخرين بنزيفهم، مولعة هي بالحرائق، لتهندس عوالمها بالرماد. قبلها أسرتني غادة أحمد السمان… صادقتني رغم أنفي… واليوم تأسرني غادة فؤاد السمان بتمردها، برغبتها الواثقة في تمزيق الآخرين لا شهوة في إيلامهم، بل لإدراكها أن الخراب في بعض مناخاته يوصل إلى عمارة أكثر بهاء ومتانة.

مريم شقير أبو جودة
"مجلتي" اللبنانية





للشعرية عند غادة فؤاد السمان عنف مأساويّ، وغليل مكبوت يفضح شهوانية الوجود، كل همسة لديها مخلب، تنشبه في صميم الذي يهملها عامدا أم دون دراية، وكل قصيدة تاريخ من النزف الذي يروي النقمة ليجهز عليها، أيتها الغادة كم أفهمك، والمرأة منا كم تآلفت مع الغدر والخيانة، لكنّك استثنائيّة لا تعرف النسيان ولا المغفرة، غريبة هي أنوثتك، نزقك، طفولتك، غضبتك الملائكيّة التمويهيّة، ولن يفلح سكونك في التعتيم عن هديرك الدائم فينا، الذي ظلّ هاجسا حتى شهد ولادتك.

د. كلوديا شمعون أبي نادر
"مؤسسـة حنينا أبي نادر"





ربما أتيح لي أن أدخل إلى ما راء سطورها، لأكون اللصيق المنحّى، والصديق المستحيل والزوج المكبّل باشتعالات لا تنتهي، لهذا تأتي كتابتي عن غادا فؤاد السمان خارج الكتابة، وشهادتي داخل الشهادة، لا أحد تعرّض للنص في لحظات مخاضه وتشكّله وتمظهره في قصيدة، وأنا باستطاعتي أن أفعل. غادا تتآكلها الحروف، تمزّق خلاياها، ترافق خطاها، تدميها، وتدمي كل من حولها لتصير لحظة الولادة وردة على ورق، وتصرّ هي على تسميتها "الجريمة في مستند"، لهذا تجرح قصيدة غادا.. غادا نفسها لتلتئم بعد تجسّدها في المتلقّي. لم تسطّر غادا فؤاد السمان كلمة هباء، تفصّل القصيدة على قدّها، كل كلمة موقف، إن لم تعشه حتى أقاصيه لا تنطقه. قالوا عن شعرها إنّه لاذع وحرّيف، يحمل الصدمة ويفتح الشروخ التي لا تضيق؟ لا أدري من منهما صدى الآخر، هي أم القصيدة كلاهما لاذع، صادم، يشرخ المألوف، كلاهما يكره عمليات التجميل وبهرجة الادّعاء، وهل يصلح المبضع لولا حدّه القاطع؟! في قصائد كل الشاعرات، إمرأة لا تخرج من مخدع الرجل إلاّ إليه، في قصائد غادا تخرج الرجل حتى من جلده لأنها وفي لحظة كشف أدركت طقس تغيير الجلود، وأنّ الأفاعي ليست وحدها التي تفعل ذلك! كأنّما المرء عند غادة ملعون حتى القيامة ، قيامته هو ، كأنّه مسحول على عقبيه لأنه لا يحسن الاستقامة أمام ريح التجربة، وكم أتمنّى وأنا الذي أقبع داخل حياة غادا أن أكون خارج قصيدتها ليس لأنني أعف عن المجد، بل لأني لا أحتمل السحل وربّما لا أستحقّه. يؤلمني قصوري عن الإمساك بها، عن القبض على ماهيتها وأنا أراها دائما عالقة خارج الجغرافيا تبحث في كريات المجرّة عن أرض بلا قيعان.

مردوك الشامي
"البعث" السورية



كشـّافات و شهادات 2



معـــارج الـــروح:
فاتحة للبوح | مرآة شخصيـّة | حوارات ولقاءات | إسرائيليات بأقلام عربية | قصائد ونصوص | كشـّافات وشهادات | أغلفة الرّوح | مقامات وأحوال | خربشات على جدار الوقت | ركن النميمة | طي الوجدان | تواصل | روافد | بريد إلكتروني





غادا فؤاد السمان:
كشافات و شهادات 2



تدرك غادا فؤاد السمان منذ البدء أن ما يبقى حقا بعد غياب الأشياء هو القليل والظل وبعض التفاصيل، وكم يهمّ غادة أن تفضح وتكشف وترفع الحجب ويشفع لها انتقالها بسهولة ويسر من موضوع الحب إلى الحقيقة إلى افتضاح الزيف الخاص والعام، الذاتي والموضوعي. ولعلها تجيء من الصدمة بواقع صعب، بأمل يذوي ويذوب، لذلك يظل اتصالها شديدا بالمعنى، لأنها تريد أن يستمر الفيض حتى يكشف عن دواخله بصدق وعفوية وتلقائية، فتشيل غادة من حرارة اللحظة وتسكب في القصيدة. تحمل غادة لهفة قوّية للكتابة والتعبير . ورغم حدّة التناقضات التي تغوص في الجناح والقضبان، الفضاء والصليب، القرار والفزع، المد والجزر، وانعكاسات هذه الثنائيات المتناقضة بين الواقع والحلم، تظل غادة فؤاد السمان، تغرف أحيانا من مشهد طفولي لتصله بحالة الحب الحاضرة لتقول "أحبّك" كما من زمن بعيد، لكنّه يخترق الحجب ويصل نقيّا شهيّا إلى الحاضر.

سليمان بختي
"النهار" اللبنانية





شعر غادة فؤاد السمان ليس نغما رقراقا، ولا همسا وشواشا، إنّه الهدير، صهيل الكلمات يدوّي في سديم المدى، المنبرية عندها إيقاع داخليّ، يتعتع خاطر القارئ، تتكلّم غادة بفرادة القائد، كأنّها تقود قصائدها جيشا ضدّ قلاع التخلّف والسلفية والتعفّن، أو ترسلها فرقا انتحارية، ضدّ رموز التقليد والترجيع، والتكرار والاجترار. غادة شاعرة رافضة، لاشيء يرضيها، لا نمطيّة تعجبها، لا متعة تتملّكها، حتى الحب تزدري نواهيه، وتعصى أوامره. إن أحبّت، أحبّت بكبرياء. وإن عشقت، عشقت بشمم. وترفض الأنوثة هنعا وخضوعا وتبعيّة. قلم غادة إزميل يجسدّ الصور، يحرر النواتىء، يصقل المرايا، يزين الجدران، يتماتن من تداخل المعاني وتمازجها، ليخلّف آثارا من فسائح البياض، ماحيا التراسب والتراكم حيث تتدلّى كاشفات ضوئيّة تفجّر نوافير النقاء والتوهّج، يلعب الغموض في شعر غادة أحيانا لعبة التآلف والتكامل، رغم الموانع والروادع والأفخاخ، والقطعان البشرية تتابع غادة مسيرة الحياة الكريمة خلف رفض علني، يتبعها على أثره رافضون مستترون، والباقي تفاصيل يدونّها الزمن القادم.

محمد ماضي
"الأنوار" اللبنانية



الشاعرة غادة فؤاد السمان، وبسبب وعيها العميق لواقع المرأة العربية، في هذا المجتمع الذكوري السلطوي، وبسبب حدثها الثاقب لما سيؤول إليه هذا الواقع، جاءت نصوصها الشعرية لتشكل صدمة عنيفة في ضمير هذا المجتمع، ولتفجّر الوعي الراقد في ظلمات الجهل ، بغية إيقاظ الإنسان من رقدته التاريخية المغلفة بالجهل والاتكالية، ولهذا تأتي قصائدها بصوت متمرد، ينشد الرجل المتحرر، الذي يحترم إنسانيته أولا وإنسانيتها كمعادلة محققة، وهو القادر على إضرام نار المعرفة والتوهّج في وعيها وكيانها، وبهذا لا يعنيها منه الرغبة بل الحب الكامل روحا وجسدا. لغة غادة الشعرية تقتحم الحصون، بلغة شاعرية وروح شاعرة، تقف متمايزة أمام ببغاوات تدّعي أنها تحسن الكتابة والنطق، والحقيقة بين هذه الببغاوات والشعر مسافات ومتاهات لا قرار لها، وغادة سنبلة مليئة في حقل من الأشواك والعوسج.

وفيق غريزي
"اللواء" اللبنانية



إن كتابة غادة فؤاد السمان تنم عن موهبة حقيقية، عن حسّ مرهف، وقدرة عالية على التعامل مع الكلمة، على جلادة مدعومة بالصبر، وضبط الأعصاب، واعية أن معظم من سبقها بالشهرة عانى ما قد تعانيه وأكثر، ومن الواضح أن غادة فؤاد السمان ستبرز كما برزت سميتها، ولم لا تفوقها؟! مادامت قادرة دائما أن تقنعنا أنّها تخطو خطوتها الجديرة بالاهتمام؟!

عبد النبي حجازي
"الأسبوع الأدبي" السورية





رأي

وتسـألني متى تنهي احتفال الزار
تسبيحا بآلائي؟!!
متى أسمع منّك القول
كالكيّ على المفصل ؟
ألا إنّ الكلام الصدق
مثل الكيّ (بالصوفانْ)
له طيبٌ كضوع المسك
مسكوب مع الألم ويشفي موضع الألم
أريدك أيّها النقّاد أن تقرأ أشعاري
وأن تنسى انفعالاتي و حدّية أظفاري
وأن تنسى انفعالك بي
فسلت أريد إرضائي ولا أطلب إغضابي
أريدك قارئا للنصّ يكشف كنه آياتي
ويدرك نبضة الإحساس
في قلبي
ويصطاد رؤى أحلاميَ السكرى
وراء الأفق المجلوِ
في خيط شعاع الفجر
مغزولا بإلهامـــــــــي
أريدك قارئا يمتاح أسباب نزول النصّ
من إدراك أسبابي
وتعلن أنني أخطأت - إن أخطأت – في التعبير عن ذاتي
فنصّي ليس قرآنا ولا أرغب أن تعكف
صوفيا بمحرابي
سألـتِ:
وحار بي قلمي فلا يعلم ما يكتب
قرأتُ:
فمن رأى الكلمات سيفا قدّ من ذهب
له غمد حريريّ إذا يغمد
وإن يشهر فصعقة لمسـه التيّارْ
لا مهـــــــــــــــرب
تظنّ وأنت في المطلع كأنّ الدرب خط الأفق
ممدودا إلى الأبعد
وتفجؤك الخطا الأولى كأنّك صرت محمولا
على ظهر بساط الريح في عاصف أرياح جنونيّة
ويهبط فيك أو يصعد
فتشهق خشية حينا وتشهق متعة حينا
وأنت تمرّ بين الغيم يبرق فيك أو يرعدْ
فأنت بكل شريان ، بكل وريد
مشدود لما تقرأ
ولا تدري أتكتبُ أنتَ أم أنّ الذي يُكتبْ
يعبّر عنك
حتّى لا ترى فيه سوى أنتَ
سوى ما فيك مفتوحاً وكنت تظنّه مغلق

محمد حيدر ( أبو إياد )
الأعمال الشعرية الكاملة



غادا فؤاد السـّمـّان
صوت جريء
نحتاج إليه جميعـًا..
نحتاج إليه دائمـًا

مصطفى بكري
صحيفة "الأسبوع المصريـّة"، 7/ 2002



على الرغم من أن اسمها يرتبط ارتباطا مطابقا لقصاصة سورية معروفة، إلاّ أن غادة فؤاد السمّان قد استطاعت أن تثبت نفسها كشاعرة من الجيل الجديد الذي يحترف الشعر ليس رصفا للكلمات، إنما باعتباره تقانة الابداع والخوض في ملكوت المغاير

د. عماد فوزي الشعيبي



غادا
شاعرة، شاعرة أنت وأديبة بملء ما تعني هذه الكلمة، لاتشبهين أحدا وإن تشابهت الأسماء، ولا يشبهك أحد وإن كنّا جميعا نستخدم أبجدية واحدة

الشاعرة لميعة عبّاس عمارة
صالون نادية منصور الأدبي
بيروت، 23 / 5 / 2001

الأحد، 6 سبتمبر 2009

الثورة السورية

غادا فؤاد السمان وأسئلة النار



ثقافة
الأحد 6-9-2009م
ديب علي حسن

أتوق للبوح ككل البكم في هذا العالم أتوق للحرية.. ككل الزواحف المحكومة بالعتمة أتوق للكتابة ككل الخارجين تواً من دورة مكثفة لمحو الأمية.

هكذا تبدأ الشاعرة غادا فؤاد السمان مجموعتها الجديدة والصادرة عن دار فضاءات تحت عنوان شاعري له رمزيته ودلالته (كل الأعالي ظلي)‏

لماذا تتوق إلى البوح وهي الشاعرة.. وهل من أحد يلجم الشعراء حين يريدون البوح..أتراه البكم الذي تشكوه هو تلاشي الصرخة في مهب الصدى فلابد من صرخة وصرخات وربما كان البوح أسلس وأنغم وأبقى أثراً، فالندى يترك في الصيغة على الورد أثراً يعطيها نسغاً لحياة وارفة..‏

أما الحرية .. فهل ثمة حرية في هذا الكون .. كلنا أحرار بمقدار وكلنا مقيدون بمقاديره وعبقرية أياً كان أو لنقل عبقرية هذا المبدع أو ذاك تكمن في أن يبحر ويسبح ويعارك وهو يلج عوامل بحار مجهولة لم أر إبداعاً كتب في ظل السهولة بقي خالداً بل استساغه الناس حيناً وذهب مع دخان سيجارة.‏

غادة السمان ، تتألم وتحزن وتكابر في مجموعتها الجديدة وهي تبتكر أحزاناً جديدة هي أحزاننا وآلامنا، لاتراوغ فيما تريد أن تقوله تذهب إليه معطرة بعبق الأحزان .. تذهب نزقة وما أجمل النزق حين يبدع، تقول السمان:‏

دمشقية وحسبي أنني لست المدينة لست أطلالها لكنني بالتأكيد غيمة عادة تختزل سر المعنى والتباهي وهي تمطر نزقاً لايثمر في كياناتكم المتصحرة أبداً ، المجموعة مشغولة بنزق يزداد ألقاً ورونقاً حين يدخل مساحته الشعور فهي تارة تصب النص الشعري دفقة طويلة لا تتجزأ كما في النصوص الأولى وتارة أخرى تهطل علينا بقصيدة الومضة كما في النصوص الأخيرة ولعل فوران البحر أعطى هذه الومضات بعدها وعمقها:‏

حبيبي..على عجل أخط لك اشتياقي بعد قليل سأكون في لجة البحر بعد قليل سأكون في لجة البحر ربما ابتلعه ربما يبتلعني المهم أن تظل موجه الثائر..‏

وكم نتمنى أن يكون موتها جديداً غير مألوف: ماذا لو أموت قليلاً بعيداً عن هذا الموت المتراكم صلباً فوق جناحين أو رعباً محكماً بعاشق طائش وثلاث قصائد مدوية..؟‏

ولغادا السمان أكثر من سبعة أعمال مطبوعة هي:‏

وهكذا أتكلم أنا.. الترياق.. بعض التفاصيل إسرائيليات بأقلام عربية /كل الأعالي ظلي/ وثمة مجموعة جديدة تحت الطبع هي: آثام مابعد الظهر‏

ومن نص أسئلة النار في المجموعة نقتطف قولها: من أغلق باب الطيش من فض براءة ذاكرتي من قص مخيلتي ..قهر..؟ ويحل الصوت، الصمت، السكين يقطع دابر أسئلتي أرحل لا.. أرحل بل أترنح مثل الطير دمي المسفوح يضم سواقي الجرح وأغني كخريف ضل فصول النار ياقاذف هذا الثلج ياساخط هذا القلب المسكين ..لماذا.. لماذا النبض..؟‏

http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=20886227320090905222836

لقاء صحيفة بلدنا السورية

«غادا فؤاد السمّان».. عتبة الحرية الأخيرة
المصدر : يزن أتاسي
19/08/2009
«لا أحد يمنحك الحريّة، بل إنّك أنت من تمنح نفسك الحريّة»...
قالتها غادا فؤاد السمّان، تعرّف عن نفسها و مكنوناتها، رافضةً أن تكون أسيرة أيّ شيء، حتى نفسها.
هي هكذا، حرّة، صريحة، واقعية، ومرنة إلى حدّ الذهول فتتقبل الوقائع والحقائق مهما كانت بشعة، وتحتويها، حتى لتحسبها تضمّ هذا العالم بين ذراعيها

مستغربةً هزالته وضآلته وضآلة ما فيه.
سخيّة كالشجرة المثمرة هي.
و ككلّ الأشجار المثمرة، غالباً ما تُرمى بالحجارة.

كم من الوقت احتاجت غادا فؤاد السمّان لتغدو من هي عليه اليوم؟
هذا ما ستتساءل عنه عندما تلقاها حتماً، فقد يخيّل إليك أنّ إنسانة على هذا الكمّ المعرفيّ والخبرة الحياتيّة قد عاشت منذ آلاف السنين.
«أنا أكثر عراقةً من أيّ نسبٍ أو صلة قربى، فأنا أنحدر من سلالة آدم وحواء» تقول بكبرياء عظيم.
حريتها منعتها من الاستمرار في دراسة الأدب الفرنسيّ، فرغم محبتها لهذه اللغة و تقديرها لها، إلا أنها بعد أن زارت فرنسا كعاشقةٍ ستلتقي محبوبها بعد فراق طويل، فوجئت أن الفرنسيين رغم تطورهم و حضارتهم و حريّتهم مازالوا يحملون نزعة المحتلّ في داخلهم، وكدمشقيّة أصيلة سمعت الكثير من القصص من الأهل عن معاناة دمشق وأهل دمشق في فترة الاحتلال الفرنسيّ، وكما تشرّبت هي هذه الحقائق، كان الجيل الجديد في فرنسا قد تشرّب عقلية أجداده المحتلّين يعيشونها بكبرياء وغرور أعمى، فكان قرارها فورياً بوقف دراستها للأدب الفرنسي، فور عودتها إلى سورية.
ومن هنا انتقلت لدراسة العلوم السياسيّة في لبنان، لتستمرّ مجدداً مدّة سنتين وتتوقف عند هذا الحدّ رغم تفوقها، لانشغالها ببيتها وزوجها وعملها في جريدة الديار، والذي استمرّ مدّة أربع سنوات، تحت إدارة «شارل أيوب» في ذلك الحين، تكنّ له كلّ المحبة والاحترام حتى اليوم «فكانت جريدة الديار بمثابة ديار فعليّ بالنسبة لي» تقول السمّان.
وانطلقت غادا فؤاد السمّان من هنا لتدخل عالم الصحافة بشكلٍ فعليّ، تعيش في العاصمة اللبنانية بيروت، منكبّة على ما تكتبه؛ شعراً، نقداً أدبياً وأبحاثاً حتى اليوم...
«غادا» بالألف!

حربٌ شعواء واجهتها «غادا فؤاد السمّان» قبل أن تضيف اسم أبيها إلى اسمها وتُطلق التاء المربوطة في اسمها لتصير ألفاً «تمتد للأعلى بقامة عالية» كما تقول.
هاجمتها العديد من الأقلام تتّهمها باستغلال اسم الأديبة «غادة السمّان» علّها تصيب شيئاً من الشهرة، دون أن ينظر أحدهم نظرة حقيقيّة لما تقدّمه!
إلا أنها وبكلّ بساطة لا تعير اهتماماً لكلّ ذلك، فهي واثقة من نفسها، ولم تكن ولن تكون يوماً بحاجةٍ إلى استعارة أسماءٍ لأشخاص آخرين لتحقق ذاتها، «مسيرتي لا تزال مستمرّة منذ ربع قرنٍ من الزمن، وقد حققت ما حققته بجهدي وتعبي وموهبتي الخاصة» تقول «غادا» مؤكدةً أنّ الأسماء لا تتعدى كونها أسماءً، و تضيف: «لمن راق لهم وجودي أقول شكراً، ولمن لا يتمكنون من استيعاب هذه الحقيقة، أقول إن الفضاء واسع، ولن يتمكن أحدٌ يوماً من مناقشة مواضع النجوم والكواكب والعمل على تغيير أماكنها»... «قد يبدو القمر الذي نعرفه الأبهى والأكثر سطوعاً بين الأقمار في الكون، لكن هذا يعود فقط لحقيقةٍ واحدة بأنّه الأقرب إلى الأرض، بينما يسبح في الفلك البعيد ما هو أكثر سطوعاً وبهاءً، يسمو بعيداً عن الأرض».
«نحن نعيش في أزمنة متهالكة» تقول في سياق حديثها عن كيفية تقبّلها لما تعرّضت له من هجوم، مستغربة كيف تتبجّح بعض النساء بحريتهنّ الإباحية والمنفّرة بينما تعيش أخرياتٌ «متمسكاتٍ بالجمر، وأنا منهنّ، ربما لإيماني بالزمن، إيماني بالكلمة والمعنى، ولإيماني بصدق الإنسان والإنسان نفسه ككلّ».
و ببساطة شديدة تضيف «هذه أنا، كلّ مجدي بأنني ما زلت كما كنت... أحاول، وسأحاول ما تبقى لي من عمر».

«غادا» وحقيقة الموت

«هذا العمر زائل»، و «نحن كلّنا أموات، ولكن تتأخر علينا مراسم الدفن»، حقيقتان لا تغيبان عن غادا فؤاد السمّان، تعيشهما كلّ يوم، تستمدهما من الخبرة والمعرفة والتجربة، فكلّ ما حولها باب للاطلاع و للتعلّم، للسموّ، فتؤمن دون تزمّت بالنصّ القرآنيّ دستوراً إنسانيّاً إلهياً يحفزها ككشافٍ للعتم الذي يحيط بزمننا الذي نعيشه «الضوء الروحيّ هو الأساس»، الحديث الشريف كان باباً آخر للمعرفة، حكمة الآباء والأجداد، الأمثال الشعبيّة، وبالتأكيد التجارب التي تخوضها بكلّ اندفاع، حتى لو كانت ترى خسارتها بأمّ عينها إلا أنها تكمل في التجربة حتى النهاية لترى إلامَ ستفضي، وما ستكون الحصيلة.
«مسافتي العمريّة، مهما طال العمر أو قصر، جدّاً قصيرة».

اختلاف مع «غادا»

قدّمت برنامج «اختلاف مع غادا فؤاد السمّان» والذي بثّته إذاعة صوت بيروت ولبنان الواحد منذ عام 2004 ليسجّل أهم الوقفات والمحطّات مع أهمّ الشخصيات العربيّة.
و رغم النجاح توقف البرنامج مع بداية عام 2009.
« لعبت الإيديولوجية والمؤدلجون في الإذاعة دوراً كبيراً في توقف البرنامج، فرغم الحيل الكثيرة التي لعبتها لأصل بالبرنامج إلى أقصى حدّ من الموضوعيّة والأهميّة، توقف البرنامج في النهاية، تحت ذريعة ضرورة الحصول على مموّل، كون الإذاعة لم تعد قادرة على تحمّل تكاليفه» تفسّر السمّان، وتستدرك «وتمّ إلقاء مهمّة البحث عن تمويل على كاهلي، الأمر الذي رفضته؛ فأنا لست مستعدّة للمساومة بسويّة البرنامج ومحتواه ليلائم ممولاً ما».
وعن فكرة برنامج تلفزيونيّ كان قد تردد أنّ غادا في صدّد التحضير له تقول «إنّ فكرة البرنامج لا تزال قائمة، ولكن، وبكلّ أسف، لم تعد شاشات المحطّات التلفزيونيّة مهتمّة غالباً بتقديم إلا ما يحقّق لها المكاسب، بغضّ النظر عن المحتوى، و إن لم تظهر جهة مؤمنة بفكرة البرنامج كمحتوى وسويّة فلن يكون للبرنامج فرصة للظهور».

«غادا» والنّقد الأدبي

إن التكريس لبعض الشخصيّات الثقافيّة في عالمنا العربي على حساب شخصيّات أخرى لا يثير الاستغراب لدى «غادا»، فالموضوع من وجهة نظرها لعبة مؤسساتية بحتة، عمليّة تسويق مجرّدة، فبينما تعيش العديد من كبار الشخصيّات الثقافيّة في الظلّ دون أن يُسلط الضوء عليها وعلى نتاجاتها الفكريّة، تبقى شخصيّات أخرى محطّ اهتمام الجميع يلقى كلّ ما تقدّمه مديح الجميع و رضاهم دون أن يخضع لدراسات نقديّة حقيقيّة، فيصير إبداعهم واحدة من المسلمات التي لا تقبل أيّ جدلٍ أو نقاش، فتقول «السمّان»: «عقول شعبنا كبيرة و لكنّها تتأثر بالتسويق والشائعة بسهولة».
و ربما تنبع من هنا أهميّة الدراسة التي قدمتها «غادا فؤاد السمّان» في كتاب يحمل عنوان «إسرائيليات بأقلام عربية / الدّس الصهيونيّ»، والذي يناقش العديد من نصوص أدباء الأرض المحتلّة كمحمود درويش و فدوى طوقان، وأعمال لأدباء عرب كأحلام مستغانمي، فتتناولها من وجهة نظرٍ أخرى، وبدراسة و تحليل دقيقين.
و رغم الهجوم عليها من قبل النّقاد الذين اعتبروها تهاجم رموزاً قوميّة، إلا أن السمّان تصرّ على موقفها، فتقول: «لم أغالط محمود درويش كما روّج البعض، بل كان ما كتبته ونشرته سجالاً معه، أنا عاشقة لمحمود درويش، عاشقة مستَفَزة و مستَفِزة»،

«غادا» والشعر

تمتلك لغتها الخاصة ورؤيتها الخاصة للأمور، فلا أفكار أو صور جاهزة، بل تستمتع بتقليب ما يحيط بها، تصنع منه صوراً جميلة في سعيها لفهم الحياة بطريقتها فتجعل من المحيط مكاناً أجمل للفهم، وتصير الحياة أكثر إغراءً بأن تعاش، شعرها هو لعبتها وأسلوب حياتها.
«إذا لم أشعر فجأة بأنّه نبت لي جناحان، لا أعتقد بأنّي سأكون قادرة على الكتابة، فالأجنحة خُلقت للتحليق» تقول «غادا فؤاد السمّان» في الشعور الذي يعتريها عندما تندفع لتمسك بقلمها و تشرع في كتابة الشعر، وتضيف: «إذا لم تتمكن من الارتفاع لتصير أعلى من نفسك، وتصير أعلى من واقعك، أعلى من يومك ومن ما هو حولك ومن زمنك وبيئتك، وأكثر ارتفاعاً وعلوّاً من مجتمعك، فلن تتمكن يوماً من الكتابة.. يجب أن تحلّق».
العفوية، براءة الطفولة، ولحظة الحقيقة هي ما تخلق اللحظة الإبداعية، لحظة الخلق التطهيريّة في رأي «غادا»، لا مكان للمجاملة والخوف والتفكير، ففي اللحظة التي يتدخل فيها العقل بما يلائم الواقع، تمتلئ الصفحات، ولا تمتلئ المشاعر.

الإنسانة «غادا»

ليست شاعرة، أو ناقدة... ليست باحثة ولا صحافيّة ولا إعلاميّة.
رغم كلّ مواهبها، تفضّل أن تُعرف على أنّها إنسانة، فكلّ خبراتها، وكلّ موهبتها كانت بالنسبة لها مسخرةً في خدمة هذه النقطة بالذات، تبحث عن الإنسان في داخلها، وتحرص على أن ينمو ويكبر دون النظر إلى ما قد يكون في محيطها من مغريات أو مكاسب أو انكسارات.
« لا تهمني صفّة الشاعرة، ولا الباحثة ولا الأديبة ولا الفنانة، ما يهمني هو الإنسانة، فكلّ ما سبق يمكن أن يتصف بالكذب والمراوغة، يمكن أن يتّسم بالتواطؤ والخداع، إلا صفة الإنسانيّة. و تضيف: «أكثر ما يهمني أن أكون صادقة مع نفسي أولاً، ومنه ينبع بشكلٍ تلقائيّ صدقي مع الآخرين، فكلّ ما تنجلي عنه صفة الصدق والحقيقة يسقط وتنتهي صلاحيته».

«غادا»

«غادا فؤاد السمّان» إن كان الاسم ثلاثياً، بالتاء المربوطة أو بالألف الممدودة، أو حتى لو تبدّل الاسم ليصير اسماً آخر، فلا فرق، طالما أن من وراء الاسم والفعل والإبداع الإنسانة نفسها، بصدقها وإنسانيتها وثقتها وإحساسها المرهف، بحريّتها التي لا يحدّها إلا السماء.

http://www.baladnaonline.net/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=33281&Itemid=64

صحيفة اللواء اللبنانية

الشاعرة غادا فؤاد السمان في مجموعتها <كل الأعالي ظلّي> بين القصيدة والبرقيات والرؤى العنيفة

غلاف المجموعةالشاعرة غادا فؤاد السمان في مجموعتها الرابعة تعود الى صخبها ومشاكساتها اللغوية التعبيرية والمعنوية في خطابها الشعري الذاتي والموضوعي وهي في عنف الخطاب لأن الأنا تتجلى خلال القصائد حتى وهي تكتب عن امها او تكتب عن ابنها وهي تتماهى مع مدينتين في وعي شقي بها يعرف متكأه او مستنده، سواء في دمشق ومعها بردى، او في بيروت المدينة الموقوفة المعلقة، وخصوصياتها، وخصوماتها، حيث ما ينظم قصائد الشاعرة الوحدة والوحشة وشيء من الكوابيس والاحلام، وبرنامج حب ناقص، ومحكوم بالقسوة، لأن لا صوت في قصائدها، يعلو صوتها وهي تستعرض كما شهرزاد، احوالاً ومقامات ومقابسات تكهرب فيها القصيدة التي ربما تتماهى معها، لأنها انثى مثلها، كذلك تتماهى بعض الشيء مع شعر الهايكو لكن ليس في الطبيعة بل في طبيعة النفس والحب والحنين وكأن خطابها الشعري دعوة للحوار مع الآخر وللتواصل لكن ليس للعلاقة والعشق، فهي من المؤكد لا تحب ولادة بنت المستكفي التي تقول أنا والله اصلح للمعالي، وأمشي مشيتي وأتيه تيها، أمكن عاشقي من لثم خدي، وأعطي قبلتي من يشتهيها، ربما هي في البيت الاول، لكنها ليست في الثاني، فهي كتومة في الحب او انها لا تصلح له لا ادري، ربما تجربتها الاجتماعية القاسية، تحيلها الى الوحدة والوحشة الى الصمت والغياب، رغم انها من جانب التقدّم والحداثة وحتى التفكير المتنوّر، لكن حساباتها عسيرة ولا يمكن ان ينجو احد من قلمها خاصة في كتابها الشهير <اسرائيليات بأقلام عربية>·
لكنها في مجموعتها هذه منذ العنوان <كل الاعالي ظلي> الذي نضطر للتعليق عليه، حسب المثل المكتوب يعرف من عنوانه، ثم الاهداء ذكرى هند اميرتان في مملتكي المهجورة، فهي تعترف ان لها مملكة لكنها مهجورة اذن هي ملكة اللا احد، غير ان هذا يتغيّر حين تحاول التخفيف من وقع العنوان والاهداء في نوع من التقديم الشعري، في بداية وتوقها للبوح ثم في همسة التي لها وللشعراء حيث ليست هي المدينة ولا اطلالها لكنها تمطر نزفاً بعد أن تكون قد حددت مكانها وشيئاً مهماً من هويتها، دمشقية، والمشكلة عند الشاعرة هي عدم التكيّف كي لا اقول التمرّد لأنها في قلقها ووجعها الاقوى والاعظم واحزانها المستدامة كما في التنمية المستدامة انها متبلرة متجوهرة، متلألئة، مذهبة ومؤلمة في بعض قصائدها وبرقياتها، وفي بعضها الآخر تتناثر، وتتكاثر وتتكاسر ايضاً كالزجاج بسبب الزلزلة والبركنة اللتين تغليان في داخلها، انها تحاول كهربة ومغنطة القصيدة ببعض سوريالية نادرة ومدهشة، وهي تقع في مزالق قصيدة النثر اي تقع في السرد والجملة العادية التي تشبه الفعل والفاعل والمفعول، رغم انها تعتمد ايقاع الكلام·· ووقعه الضاري، بسبب غضبها الساطع لا ادري على نفسها ومصيرها، واقدارها، وتحوّلاتها وانزياحاتها، او مع احلامها المكسورة، وتراكم كوابيسها واوجاعها كامرأة، يحاصرها العالم في حريتها وانسانيتها فيحرم رغباتها وحبها، بل يحظر حياتها الطبيعية وهكذا في مكان ما من قصائدها تتراكم خسارتها وتصدر عن هذه الخسارات بعنف شعري تسوقه للآخر غير عابئة برأيه، او اوضاعه او استجابته او عدمها··!
قلت ان خطابها الشعري عنفي حتى في الابتهال وخطاب ربها اي الله الذي تحاول الاستعانة به على كوارثها وحروبها السرية، واشتجاراتها مع الآخر، والعالم الذي لا يفهمها والحق يقال، لا احد يفهم احداً بالقوة والعنف لأن الحرب تحدث عن انعدام الحوار السياسي وكذلك في الحب، لا احد يرغم احداً ولا احد ينطر احداً، ان العلاقة الانسانية تقوم على الثقة والتفاهم لا على القسر والعنف، وانا اقرأ بعض قصائد وبرقيات الشعر عند الشاعرة قراءة تأويلية، ربما لمعرفتي التاريخية بها، وعملي معها في جريدة الديار، وأعرف تشاوفاتها وترفعها حتى في الكتابة الصحافية·
وهي التي تصيغ خطاباً شعرياً في دمشق وغموضاتها، وبردى واليأس والانهزام، والجراح النازفة، كذلك تصيغ خطاباً في بيروت، كذلك في مدينة منكوبة وهي تتماهى مع المدينتين في الخصوبة والعقم، وفي الرؤيا الكارثية الجحيمية، وفي بعض مشبهات الرؤى الفردوسية، حيث تترجّح بينهما، حتى لو كانت تنشد الحياة!
لا اريد شرح شعر غادا ولا الاستغراق في تفاصيله، حاولت الوقوع على دلالات فيه وقرائن وأبعاد في الاسلوب والذات الشعرية المتوتبة الجياشة التي تعتكس العالم من البورتريهات لأمها وابنها نام الصغير، ولمدينتها والاهم البورتريه الكبير في مرايا قصائدها جميعاً لنفسها بينما لا نستطيع معرفة بورتريه الرجل - الحبيب؟ المقابل ولا حتى الشاعر، إذ لديها سوء فهم في ذلك وسوء حب· كما قال الشاعر سوء الفهم هو السفاك، والبحر له سورات، سمك يتعشى سمكاً فبماذا يتعشى السماك·
لغادا في قصائدها رائحة الياسمين الدمشقي، وزهور عطر الليل والليلك رغم انها ذكرت الياسمين بنجومه البيضاء وروائحه الا انها انقصت او تفاقرت بالتعبير عنه في تغافره وغزارة نجومه وروائحه وعطوره· وأنا تلهّفت ان تكثر من ذلك لأن اسم امي ياسمين على اية حال اسامحها على ذلك، فهي في قصائدها تنضح وتتناضح عطور الياسمين والكثير من العطور، وهي تتماوج هفهافة شفافة عبر القصائد كرايات ذاهبة للحرب ولا حرب في اي مكان رغم حديثها عنها إنها حرب اللا احد الذي لا تجده وتجعله احداً وثنائياً وثلاثياً وجماعة كي تتخفف من غلواء النرجس الجميل في الواقع، وكي تقع وقعة شعرية سوداء في الحب كي يتفتح اكثر فأكثر، نرجسها ونرجسيتها في الشعر وغيره··!
زهير غانم
< كل الاعالي ظلي - شعر 2009 < غادا فؤاد السمان < منشورات فضاءات - عمان - الأردن <>
اللواء الثقافي - 19 / 8 / 2009

الكفاح العربي

غادا فؤاد السمان: أبحث عن أجنحة
للشاعرة غادا فؤاد السمان وجهة شعرية تواقة الى الغرف من بواطن الحياة، لكل ما هو مخبوء عن الأعين المجردة، او مهجور في عين المكان والزمان. وهي في هذه الوجهة تحاول اصطياد كل ما قد يعطيها ذلك الأثر البالغ في رحلة البحث بالشعر عن القيم السامية. انطلاقاً من هذه القاعدة، كان لديوانها الجديد الرابع، الصادر عن دار «فضاءات» في عمان، تحت عنوان «كل الاعالي ظلي»، هذا التوكيد الشعري الخاص بها. «الكفاح العربي» حاورتها.

الثلاثاء، 3 مارس 2009

مصر العربية.. حاضن وحاضر



غادا فؤاد السمّان ، الثلاثاء 3 آذار 2009


احفظ
اطبع
تعددت الألسن وعلت نبرة الخُطب السياسية وكثرت الافتراءات وتمادى التأجيج، وظلّت مصر العربية صاحبة الدور الأساس الذي احتوى أزمة الصراع بين حماس وإسرائيل التي لم تسفر الحرب بينهما أكثر مما كان يُمكن أن تتيحه الطُرق "الدبلوماسية" التي اقترحتها مصر وما تزال بين حماس وإسرائيل كوسيلة ناجعة لتحصيل حقوق الفلسطينيين وخاصة في "غزة" الخاضعة لسلطة وإرادة حماس بالكامل، فلا أحد يفهم مجّانيّة تلك الحرب التي قامت قيامتها رغم عدم التكافؤ، ولا لمَ ذهب الضحايا بالآلاف، والجرحى بالقوافل التي لم تجد بديلا عن مصر الملجأ والعلاج، ولا لهذا الدمار الشامل الذي ترك آلاف الأسر الفلسطينية بنسائها وشيوخها وأطفالها عرضة لعربدة الشتاء تحت الخيام جنبا إلى جنب مع الأنقاض والخراب والأحزان والضغائن، لتكون المساومات في النهاية للصالح الإسرائيلي، الذي فوّت على فلسطينيي الداخل المزيد من الفرص والحقوق والامتيازات، ومع ذلك لم تتخلّ مصر عن دورها الريادي حيث تبنّت فعاليات "المؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد الفلسطيني لإعادة إعمار غزّة" في شرم الشيخ، وقد حضره رؤساء دول ووزراء خارجية وكبار الشخصيات التي اتّفقت جميعها على مبلغ الـ 5 مليارات دولار لإعادة الإعمار تفرّدت المملكة العربية السعودية وحدها بمليار دولار كاملا لدعم إعادة إعمار غزة، فهل حماس قادرة حقا أن تفرض أيّا من شروطها في قبول هذا الدعم المادي من الدول المانحة وتحديد مصادر هذا المال إن كان نظيفا أو نزيها أو حصيفا، أم لا...؟.
وهنا الطامّة الكبرى عندما تصبح "لعبة" الحرب معادلة بمنتهى الهزلية، حيث تبدأ بتكبير الرأس وتنتهي بتكسيره، ويأتي المال فيما بعد ليمحو آثار الحرب الظاهرة ويكرّس شهامة الدول المانحة بصرف النظر عن تأييدها للخصم أو تحيّزها المُعلن، لتبقى النفوس العربية في انكسار مستمر محكومة أبدًا بطمأنينة مفقودة وريبة سافرة ممنوعة من التداول مع أصحاب القرار العبثيين بلا مُنازع.. لقد آن الأوان لحركات المقاومة أن تتقن فنّ المقاومة الذي يرتكز، أول ما يرتكز، على الاعتراف بقدرات العدو، وقتها فقط ستجيد معنى المواجهة بتقديرٍ كاملٍ وتدبيرٍ عقلاني مُسبق لحيثيات المواجهة وأساليبها وتفاصيلها ونتائجها التي ينبغي أن تضع في الاعتبار الأول والأخير احترام المدنيين والمنشآت المدنية، وتؤسس في جملة ما تؤسس له ساحة حقيقية للمواجهة وجبهة فعلية للنزال، وإلا ستظل الحرب مع إسرائيل محسومة النتائج سلفا، نتائج لا مكان لتدوينها على صفحات الذاكرة أو التاريخ المشرّف للنضال العربي.


الخميس، 26 فبراير 2009

لبنان الآن



الخميس 26 شباط 2009 12:37 بيروت
RSS Feed
زاوية

بين الشاشة والتشويش
غادا فؤاد السمّان

السبت 21 شباط 2009


احفظ
اطبع
ما لم تأتِ على ذكره وسائل الإعلام اللبنانية عقب كلّ تظاهرة أو ظاهرة محلية أو عربيّة أو حتى عالمية، تستكمله أحاديث العامّة من الناس سواء في الشارع من خلال اللقاءات العابرة / سيارة أجرة، محال تجارية، لقاء الرصيف.../ طبعا لا يفوتنا أنّ مزاجية تلك الوسائل محكومة بالاختلاف وأحيانا بالخلاف حتما وحُكما وبالضرورة عن سواها، إذ تتفرّد بطبيعة نقل الخبر وإذاعته وشيوعه وتكريسه، وذلك حسب درجة اللون وحدّته أو بُهتانه تِبعاً للجهة التي تنتمي إليها تلك الفئة أو غيرها من الفئات، ناهيك عن الزيارات المُتبادلة بين الجوار والمعارف والأصدقاء التي تتمّ من وقت لآخر، والتي خرجت أحاديثها من الإطار الشخصي لتتمحور فقط حول المُستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية وكأنّ الجميع صار مخوّلا للحوار الجاد الذي تقوم عليه قائمة عنف أو لطف الحركات السياسية المتزاحمة لتسيّد القرارات وتسييسها وفقا للظرف الراهن ونسبة الترهيب المطلوب فيه.
لدى زيارتي للسيدة "س" والتي تقع شقتها في الطابق الثاني من عمارة قريبة لمحطة "الضنّاوي"، بدا عليها الإرباك والاضطراب وهي تنقل لي "حادثة الشبّان الأربع الذين تمّ دهسهم بشكل متعمّد في المنطقة الذكورة، والتي أسفرت عن فدغ في رأس أحدهم وجرح وكسر الآخرين" ثم تطويق اثنين آخرين بثلاث "موتوسكلات " تعمّدت إخضاعهم وإركاعهم وتكسير ليس كرامتهم وحسب بل ما تيسّر لهم من عظام الجسد، حضرت على إثرها سيارات الدرك والإسعاف ونقلتهم وسط بركة من الدماء بعد تطويق المنطقة وغياب كاميرات التلفزيون.
في منطقة أخرى السيد "ع" من منطقة "زقاق البلاط" كان يحدثني عن تأهّب شباب المنطقة وقبضاياتها بالسلاح الخفيف والمتوسّط بنصب الفخاخ للعابرين ذهابا أو إيابا في تجمّع 14 شباط من الشهر الجاري.في الوقت عينه كانت منطقتا "برج أبي حيدر" و "بربور" تشهدان غليانًا مماثلا، تعددت فيه الروايات المتفرقة التي لا يتسع المقام لذكرها، وجميع هذه الأخبار المنقولة وغير المنقولة يضبطها إيقاع واحد لنغمة وتر مشترك بين "شباب الحزب" و"شباب الحركة"، وهو الدفاع المُستميت عن "مناطقهم" البيروتيّة، في الوقت الذي يتذمّر به أهل بيروت لا سكانها، بالقول: "بيروت هي مدينتنا وضيعتنا، أين نذهب وقد تحولت إلى مناطق حزبية وحزام أمني محدود المعالم والتفرعات لهذه الحركة وذاك الحزب وجماعتهم ومناصريهم!؟".
في غمرة هذه التجاذبات المذهلة لم أكن أصدّق أنّ ما يتناهى إليّ مصادفة، هو أحداث فعلية من صميم الحياة اللبنانية، بل كنت أخال نفسي أسمع حكايات مفتعلة من "أرض المعارك في دارفور، أو الصومال، أو نيكاراغوا، أو حتى الكوريتين.. ".
على خطٍّ إعلاميّ موازِ، قُدّر لي وللمرّة الأولى أن أتابع على شاشة الnbn حوارًا لا يقلّ "تشويشا" عن حوارات العامّة، مع الأمين العام السابق لـ"الأمم المتّحدة" السيد "بطرس بطرس غالي" كانت المذيعة التي تنهال عليه بالأسئلة رشّا برأيي ركيكا لا دراكَ ولا دراية فيه، ناهيك عن الأخطاء النحوية التي تَرِد بالجملة وليس بالمفرق على امتداد التلقين مما اضطّر السيد بطرس غالي أن يستوقفها ويستدركها بلهجة لا تخل من عصبية ونزق واضح على الرغم من وافر الدماثة التي يتمتّع بها الرجل الكبير جدًا، مقامًا، تجربةً وعمرا مديدا، بالقول: "اقرئي ببطء عشان أقدر أفهم"، وكان تباطؤها كناية عن ابتلاع معظم الحروف وعلك المتبقي منها بطريقة لا تمتّ إلى الفصاحة الإعلامية والبلاغة الحوارية بصلة، ناهيك عن إعدام مفردة أساسية في اللغة العربية إسمها "نعم" لحساب همهمة متكررة على امتداد الحوار بإطلاق عنان الصوت "إم إم إم إم إم إم إم " حتى غلبت الـ"إم" على صوت الضيف طوال مدة الحلقة.
أما على الفضائية السورية التي تبثّ من دمشق لكنها لا تتسع لأية ملامح دمشقية، تكتسح أحداث غزّة والملامح الفلسطينية كامل الشاشة الفضائية، بالصور المعروضة، وببعض الدراما، وفواصل الربط الشعرية، الأغاني، الأهازيج وحتى معظم البرامج الحوارية... في استهلاك مفضوح للأحداث الفلسطينية يراد من ورائه التشويش والتعتيم على حقيقة عدم وجود مقاومة للاحتلال الإسرائيلي في الجولان حيث يحرص النظام السوري بكل ما أوتي من سلطة على عدم تعكير صفو الهدنة بينه وبين إسرائيل.
الكلام عن الإعلام، يحتاج إلى متابعة دائمة، ومباشرة في إدلاء الرأي، وليس بالضرورة أن يكون هذا الرأي أو ذاك صائبا أو خائبا، المهم أن تميّز الصالح من الطالح الإعلامي، فثمة أجيال تتربّى على الثقافة الإعلامية والتي تستكملها ثقافة المُشافهة، بالتناقل والتواتر والأصداء، وعلينا أن نساهم في تنقية البثّ الإعلامي، على الأقل وقد عجزنا عن غربلة الواقع العربي من التشويش السياسي والتشويه الأخلاقي المستفحل لدرجة مَرَضية.. بالكاد نجد لها الكلام الناجع والحروف الشافية.



تعليقات ( 4 )

المشتركclaud الثلاثاء 24 شباط 2009
أوافقك الرأي بضرورة تهذيب مهنة الإعلام والإعلاميين،ولكن أليس هناك أشياء أخرى في عالمنا العربي بحاجة لتهذيب إن سياسيا أو طبيا أو معلوماتياأو اقتصاديا، هؤلاء الإعلاميون ينصرفون إن الكتابة بحثا عن لقمة العيش التي تضطرهم اللارتهان لأصحاب رؤوس الأموال، فعذرا عنهم جميعا. هناك أسئلة كثيرة حول الإعلام يجب فعلا الانتباه إليها وماقشتها باستمرار.
المشتركahmad - oslo الثلاثاء 24 شباط 2009
الغادااااالثمينة تحياتي وتقديري رائع وشجاع تحليلك خاصة لغوغائية الفضائية السورية...بصراحة خايف عليك في هذه المعمعة اللبنانية..الله يحرسك ويحميك..والسلام لكِ وعليك
المشتركأم لبنانية الاحد 22 شباط 2009
ان تصرفاتهم هذه تشبه الى حد كبير تصرفات المستوطنين اليهود مع الفلسطنيين للترهيب والترحيل ولا يعلمون اننا شعب جبار ونحب مدينتنا وبلدنا ومتمسكين بوطننا ودولته ونسعى دائماً الى تقويتها وأحترامها لا تقوية الميليشيات الموبوئة المدمرة للسيادة والوطن
المشتركuna persona dalla libia الاحد 22 شباط 2009
ماقلتيه سيدتي عن تذمر أهالي بيروت من أقفال مناطقهم من قبل المليشبات الشيعية الأرهاربية هو بضبط ما تبحث عليه هذه المليشيات من أجل تفريغ المناطق السنية من أهلها و استبدالهم بآخرين هكذا فعلوا في الضاحية و هكذا فعل في الأوزاعي ينغصون على الناس عيشتهم و إذا ما تتذمروا أنهالت عليهم العروض السخية بالشراء بفضل المال الأيراني المغصوب من أهله إن كل ما جرى و يجري لأهل السنة في لبنان من قتل و تهجير و أنتزاع لأملاكهم مرده الى الدعم الكبير الذي تحضى به المليشيات الشيعية من قبل النظام العلوي الذي يحكم سوريا السنية أنها المعادلة المقلوبة الأقلية تضطهد الأكثرية.


اضافة رد جديد
أدخل تعليقك
يحتفظ موقع NOW Lebanon لنفسه بحق الامتناع عن نشر التعليقات التي تحتوي على شتائم أو تعصّب أعمى أو تمييز بين الرجل والمرأة أو عنصريّة أو غيرها من الآراء الخارجة عن حدود اللياقة. إنّ الآراء المنشورة كافّة تعبّر عن رأي المرسل ولا تمثّل آراء موقع NOW Lebanon أو العاملين فيه.


في أي إطار تضع الحملة التي يشنها الرئيس نبيه بري على رئيس الحكومة؟
حاجة ملحة لمجلس الجنوب بغية تلبية احتياجات المواطنين والمناطق الجنوبية.
حملة انتخابية للرئيس بري تحت عناوين حاجات الجنوبيين الإنسانية والإنمائية.
هجمة سياسية مستمرة من قبل قوى 8 آذار تستهدف شخص الرئيس السنيورة.

- RSS FEED

الزمان الدولية



2009/02/25

زمان ثقافي صناعة الإعلامي وفبركة النجوميّة


غادا فؤاد السّمان


لم يعد تصنيع النجومية حكرا علي الفنّ وأهله، ولم تعد الكفاءة العالية مقياسَ الاعلامي الناجح، بل ثمّة أدوات مختلفة وأساليب متعدّدة، صار بوسعها أن تجعل من الاعلامي، مادّة دسمة للاستثمار، شأنه بذلك شأن كافّة المشاريع القائمة في ميدان التجارة المُباحة، أو حتي المحظورة منها، وهنا يأتي دور الاعلان كرديف ضامن للتأثير المُباشر، والطرق الاعلانية وأوجهها المُتمثلة بأدوات أكثر وفرة وانتشارا وتعميما وأهمها الرسائل الاعلانية التي نتلقاها عنوة علي الهواتف النقالة، وأيضا علي البريد الالكتروني الذي أصبح جزءا لا يتجزّأ من مُتابعاتنا الي وميّة، ناهيك عن شاشات البثّ التلفزيوني الذي لا يهدأ علي مدار الساعة، وجميعها تملك لهجتها السلطوية بنبرة آمرة ناهية تخاطب الطفل الكامن في أعماقنا مرارا وتكرارا حتي تنطلي علينا بكامل الوعي والادراك واللهفة واللاشعور، مثل / ترقّبوا... تابعوا... كونوا علي الموعد... ايدك والريموت كونترول..... مش حتقدر تغمّض عينيك.... خليكن معنا.... لا تروح بعيد..... راجعيلكم ...../.. وغيرها من العبارات التي تندرج تحت دلالات التهديد الدمث، والوعيد المهذّب، والتنديد بمنتهي اللباقة.وبين هذا وذاك دائما ثمّة أرقام حظ وأرقام حضّ للتواصل المحموم مع هذه القناة أو تلك والتي تملك حصرية الربح السريع والغني الفاحش والتأجيج المفتعل، ودائما المُشاهد يفي بالغرض ويتيح الرهان دون أي تردد من أصحاب التقليعات والاستثمارات المسعورة.الاعلامية "أوبرا وينفري " واحدة ممن تلقفهم الحظّ بعد طفولة تعيسة بذراعين مفتوحين علي اللانهاية، فما من سقف اعلامي يحدّ من طموح الشاشات التي تظهر أوبرا علي ها، وليست الولايات الأميركية وحدها المعنية بتظهير أوبرا تظهيرا اعلاميا مكرّسا باحكام اعلامي منقطع النظير، بل هناك الـ mbc تستكمل الدور علي أكمل وجه، اذ بين الاعلان عن وينفري هناك اعلان آخر داعم أو تذكيري أو تأكيدي أو رافد أو بديل عن الاعلان الذي سبقه عن وينفري، حتي أصبحت أوبرا حلم المشاهد وطموحه وأمله وسعيه وربما مستقبله أو قدره ان لم نغالِ بالقول، فما علي ك عزيزي المشاهد سوي الاتصال علي الرقم المخصص لبلدك، وربما يحالفك الحظ وتكون واحدا من أربع وتحصل علي فرصة عمرك بمشاهدة أوبرا عن قرب، وربما عن قرب جدا حيث تضع يدها علي كتفك ويكون لك شرف الشهقة والصرخة وحتي التصوير معها، يا لسعدك أيها المشاهد الكريم ويا لها من فرصة ماسيّة بامتياز، سارع للاتصال فالملايين سبقوك.همس صغيري بملاحظة استوقفتني مليا وربما كانت نواة لما ورد في السياق كاملا، أنا أحبّ فلانا أكثر من فلان، بدون مقدمات سألته: لمَ؟ أجاب: لأن فلانا يظهر علي الـtv أكثر من فلان، أردفتُ بالسؤال، وما أدراك أن فلانا أفضل من فلان؟ قال: لو لم يكن أفضل لما رأيناه باستمرار، أخبرته: الشاشة تعرض كل شيء، ذات اهتمام كان الحديث باستمرار عن "النعجة دولي" وربما كانت النعجة دولي حدثا علميا، ولكنها بالنهاية مجرد نعجة تحوّلت لنجمة، ونجومية دولي محت تفاصيل الحدث العلمي وشطبت أسماء كل العاملين علي ملفها العلمي من ألفه الي يائه، هو الاعلام الذي يصنّع النجومية اذا ونستوردها منه دون محاسبة أو تدقيق، ليصير بحكم الاعلان المتواصل هذا أفضل من ذاك، دون النظر الي الغايات الخفية والرهانات المقبوضة سلفا.

Azzaman International Newspaper - Issue 3228 - Date 26/2/2009جريدة (الزمان) الدولية - العدد 3228 - التاريخ 26/2/2009AZP20

الجمعة، 20 فبراير 2009

الطيب صالح - تحقيق العربية نت

العربية نت-
دبي - فراج إسماعيل وحيان نيوف، الدمام - إيمان القحطاني
الأربعاء 23 صفر 1430هـ - 18 فبراير 2009م

من جهتها قالت الأديبة غادا فؤاد السمان إن الطيب صالح كان من "الرواد الذين عملوا حركة انتقالية في الأدب عبر نقله من المحلية، ورسخ حضوره بشكل جيد عبر "موسم الهجرة إلى الشمال". وهو واحد من الذين شقوا في طريق الانفتاح وتكلم عن الجنس بحرية غير مسبوقة في بلاده، ويبدو أن هذه العوامل هي من أقصر الطرق إلى النجاح".وأضافت "أنا كنت في السودان لأسبوع كامل، وكل شخص منهم يمكن أن يكون بداخله الطيب صالح؛ لأن الشعب السوداني مثقف جدا. وما ميّز الطيب صالح هو جرأته، ولكنها لم تخدم مجتمعه ولا مثقفا عربيا تقريبا ساهم أصلا في تحرير مجتمعه من الجهل".

http://www.alarabiya.net/articles/2009/02/18/66729.html

الاثنين، 16 فبراير 2009

الذكرى الرابعة للغصّة



أغلق
اطبع

غادا فؤاد السمّان
قبل العام 2005 كان لتاريخ 14 شباط وقع مميّز على ذاكرتي، ليس لأنه عيد الحب وحسب، بل لأنه عيد ميلاد وليدي البكر، الذي أتأهّب فيه بكامل مشاعري وأمومتي، لأزفّ إليه تهنئتي القلبية كلّ عام بحفاوة بالغة، وخاصّة أنّ صغيري استطاع أن يجتاز سنة أخرى تخوّله الاعتداد بشبابه بثقة وزهو، وتمنحني بالمقابل شعورا أكبر بالطمأنينة على أنّ احتياجه من رعايتي التي لم يكتمل نصابها يوما كما أتمنى وأشتهي، لم تعد مطلبا ملحّا يشعرني بالنقص أو بالتقصير.
بعد 14 شباط 2005 تحوّلت المناسبة تحوّلا جذريا عندما تلقيت في الواحدة والربع ظهرا اتصالا هاتفيا من ابني بلهفة عارمة يسألني :"أمي هل أنت بخير؟" كان من الصعب أن أردّ لأتحدّى ذهولي، وقد ارتعدت أوصال بيتي وأوصالي بالكامل لهول الانفجار، والشاشة الصغيرة تنقل بشاعة الإثم الذي ارتكبه القتلة وضاعف صمتي وقتها حيرة ودهشة كيف تمكن هاتفه القادم من دمشق اختراق أزمة الخطوط التي تمّ تعطيلها كليّا في حينه، كان صوته يرتجف وصوتي يختنق بدمعٍ يفيض، والدخان يتصاعد ليس فقط على مشارف المشهد القادم من شرفة بيتي التي ترصد ضبابا ألمّ بامتداد المنطقة، بل تسرّب ذاك الضباب إلى إنساننا الكامن في الأعماق، رافضا كلّ الرفض أن تكون يد الغدر قد انطلقت حقّا بإرادة الشقيقة، أو انطلقت فعلا بتدبير أو مساندة منها، فأي انتماء وقتها سيرتضيه الانتماء، وأي تبرير ستصفح عنه "مواطنيّتي" عندما تمتدّ أصابع الاتّهام لتؤكّد أن القاتل تسلل من هناك، وربما تحضّر وتوضّب وبورك إجرامه من هناك؟ فأيّة طمأنينة وقتها يُمكن أن نعرفها، وأيّة ثقة يُمكن أن نستعيد، جملة الاتّهامات التي بدأت تضرب على أعصاب التلقّي محقّة كانت أم مجحفة، كان لوقعها ألم السياط، مثلما كان للشكّ الذي يشبّ في الأعماق أثر الحريق، ولم يكن أمامي إلا أن أضرب كفّا بكفّ، راجية أكثر من غيري معرفة الحقيقة، وتوالى الانتظار مواكبة لكل التقارير الدولية، وترقّبا لكل التصاريح والبيانات المحليّة، ولا يزال مفهوم الحرية معلّقا حتى انبثاق فجر الحقيقة، وتحديد هويّة القتلة بموضوعية ومنطقية وعقلانية تامّة وهذا الأهم لتحديد هويتنا أو تبديدها لو صدقت الرؤية، وإدراك حقيقتها لا إرباكها في سبيل الإرباك ليس إلا، لن نقبل التجنّي لمجرّد التجنّي، ولن نستسهل التحيّز للتحيّز لا غير، ثمّة فاجعة، وثمّة شهداء، وثمّة من يترصّد الحقيقة ليس في لبنان فحسب بل أجزم أنه في سوريا أيضا، بلد الأباة، والأحرار، وكل مواطن يثمّنُ غاليا معنى الحرية ويحترم كينونته وكيانيّته هو معنيّ بالحقيقة، حقيقة من خطط ودبّر ونفّذ، وحقيقة من دعم وساند وتجرّأ، الشعب السوري يؤيد حكومته تأييدا تاما كما تحبّ قيادته وترضاه، ولكن لو ظهر الحق وزهق الباطل وأقرّت الحقيقة فعلا تورّط من تورّط، فهل حينها سيظلّ التأييد مستمرّا؟كم فاض صبرنا وكم غاض، ولا شيء يضاهي الحقيقة جدارة بكل هذا الصبر والانتظار سوى حقيقة مبنية على المنطق موثّقة بالبرهان ومؤكّدة بالحجة الدامغة، لنلعن القتلة ونعلنهم أينما كانوا وأيّا يكونون.
لن أنسى لهفتك "رفيق الحريري" حين جمعتنا الصدفة وحددت موعدا بيننا كان القاتل السبّاق إليه، ولن أنسى لهفة "سعد" نجلك البار عندما بذل كامل الاكتراث ليرمّم لي حَدَثَا جللا ورد سهوا ذات "نهار".
عذرا رفيق الحريري لم أشارك في ساحة الشهداء تفاديا لحساسيات أصّلتها زمناً رعونة الأشقّاء، ولكن لكَ حرفي وحبي وحريتي وتقديري الكبير.


فوارق المؤسسات الإعلامية



أغلق
اطبع


غادا فؤاد السمّان
"ضربتين على الرأس بتوجع" هكذا يقول المثل، ووداعان في مؤسسة إعلامية كالمؤسسة اللبنانية للإرسال l.b.c./ بغضون يوم واحد أو يومين، هو ليس بأمربسيط، فما إن انفضّ الاحتفاء الوداعي بالإعلامي السعودي "علي العلياني" معدّ ومقدّم برنامج المنوعات "عيشوا معنا" والحقّ يُقال إنّ شاشة الـl.b.c. قد أفسحت المجال واسعا وطليقا وعميقا وحرّا لحشد أكبر عدد ممكن من المشاركات التي أسهمت بالإدلاء بدلوها من كلّ حدبٍ وصوب عن تجربة علي العلياني الإعلامية، ولا أحد ينفي أو ينكر مَلُكات علي العلياني وثقته بنفسه وبحضوره التي كانت تتجلّى بوضوح على الشاشة من خلال الإطلالة اليومية، إلا أنّ توسيع دائرة الضوء وتخصيص الوقت اللائق بالوداع دون ريب يضاعف أسهم الإعلامي الخارج توّا من مؤسسة كـ L.b.c إلى أخرى أو حتى إلى العدم، ويتيح دون ريب له الفرصة بالبقاء طويلا على رصيد ذاك التكريس والتميز إلى وقت بعيد الأمد فعليا.
بالمقابل الإعلامية "مي شدياق " التي تقدّم "بكل جرأة" أسبوعيا على شاشة الـ L.b.c منذ عودتها "العجائبيّة" من دور النقاهة والتي خرجت شهيدة حيّة من براثن الموت رغم أنف القتلة، وأقول العجائبيّة بفضل الله وإيمانها وعناية القديس "مار شربل" كما تردد دائما ولا ريب أنها تردد ما هو حقّ وجليّ، وإذا كانت مي شدياق إعلامية تميّزت فلا ريب أنها إضافة إلى تميّزها الشخصي، وكفاءتها المهنية العالية التي اكتسبتها بالمؤسسة المذكورة، وحدّة قناعاتها ومواقفها اللافتة، فهناك مؤسسة تحترم موظفيها، وتعمل على تظهيرهم بالصورة اللائقة دائما، كما تعمل على تعزيز حضورهم كيفما استطاعت إلى ذلك سبيلا، إذ ثمّة هوامش عدّة لأنا الإعلامي، لـ"كيانيّته"، و"شخصانيّته"، وحضوره، وقناعاته، ومواقفه، وتوجّهاته، ونزعاته، ورغباته، فكما أعلنت ميّ شدياق برنامجها بكل جرأة على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال، وكان لديها الحيّز الأوسع لتعلن ما تودّ إعلانه، وتمرر من الرسائل ما تريد أن تمرره، هكذا كان الحال عند قرارها الانسحاب ليل "الثلاثاء" 3/2/ 2009 ، لم يكن وداعا بروتوكوليّا، بل وداعا يحمل في أعطافه رسائل عدّة، وغضبة عارمة، مما يدور في الكواليس ويُحيكه الزملاء، وكم هم متشابهون الزملاء في كلّ مكانٍ وزمانٍ ومؤسسات، ولا شكّ أنّ غياب ميّ عن الشاشة سيترك فراغا كبيرا كما تركت "جزيل خوري" قبلها، وإذا كانت التفاصيل الخفية تؤلم ميّ فلتواسي نفسها بالعنوان العريض، كونها عملتْ في مؤسسة حرصت على تكريس دورها الإعلامي وتظهيره دائما كما تحب ميّ وتتمناه، وتحضرني المفارقة هنا وقد عملتُ في مؤسسة إعلامية مصغّرة عن كلّ شيء واكتفيت باتّساع الأثير في إذاعة "صوت بيروت"، يقينا منّي أن الأثير أوسع من كلّ الإدارات والمباني والتجهيزات، ومع ذلك كان الأثير أضيق مما تخيّلت، وحيّز الأنا مصادر خارج الاستديو، وجملة القناعات الذاتية مشطوبة بالخطّ الأحمر العريض، والرقابة قائمة على كامل السياق وكلّ ما يرد فيه أو لم يرد ليندرج تحت طائلة النيّة المُضمرة أو المُبيّتة، وكان لزاما أن أجدَ راعياً لينقذ برنامجي "اختلاف" من الإيقاف وقد كبر رصيده بأسماء عريقة دخلت الاستديو الصغير جدا كِبْرا لدعوتي واحتراما، وإذا بالإدارة ترتئي إيقاف البرنامج لانعدام تأمين الدخل والموارد المادية التي لم أجد إلى توريدها للإذاعة سبيلا متسائلين في كلّ اجتماع أين هي علاقاتك؟ وفاتهم أنّ العلاقات الفكرية غير مثمرة على الإطلاق في زمننا الراهن، ولا مجال استثماري حيوي إلا للنفاق والتدليس والعلاقات المشبوهة، وبدون مقدمات وبدون وداع وبدون حق تسديد حلقة أخيرة تمّ قرار إيقاف البرنامج لأنها رغبة نائب المدير "الجديد"، الذي لم يجد وسيلة لإقناعي بالتصرّف معه بلباقة وبـ"أنوثة" كفيلة بتعويض السنتيمترات المتآكلة من قامته المحدودة. ولم أجد الأسلوب اللائق لمعالجة "البروستات" المتضخمة في ذهنه العليل بالسيادة والتسلّط. شأنه شأن الكثير الكثير من ذكور المرحلة العابرة بالتأكيد.


السبت، 7 فبراير 2009

الأحرف والأرقام



2009/02/06
زمان جديد

الأحرف والأرقام المحرّفة

غادا فؤاد السمّان


من الثوابت التي لا جدال عليها أو لا جدال فيها، هو ثمانية وعشرون حرفا أبجديا عربيا، والتي تشكلّت منها لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، والتي اتّفق عليها الفقهاء، وائتلف معها البلغاء، وتأصّل فيها البيان، وساد سحر المعني وجاذبيّة المبني، بهندسة الجملة العربية المفيدة، وفق دلالات وسياقات وجماليات معرفية مختلفة، منها ما يقوم علي الموضوعية، ومنها علي المبالغة، ومنها علي الخيال، ومنها علي التقرير، ومنها علي الادهاش، لهذا تقوم الأبجدية بسلسلة متكاملة من الوظائف التي تُغطي المساحة الأعم من ذائقة العامّة، تماما كما تُغطي بذات القدر وربما أكثر ذائقة النخبة.ولا يخفي علي أحد أهمية تجديد اللغة في الـتأليف والتركيب اللفظي، المتواكب طردا مع سيرورة الذهنية وتشكيلاتها الحيّة وتشعّبها العصري، وتداخلها المكاني من حيث البيئة وأدواتها التي تمتد عادة الي عمق "النصّ " أيّا كانت طبيعته، ناهيك عن العناصر الآنية والتاريخية معا التي تسبغ علي النصّ كذلك صِبغة لا تخل من ملامح واضحة يصعب تجاهلها كما يصعب تلافيها عموما.ولست في هذا العرض المُقتضب جدا بصدد تقديم دراسة عن فلسفة اللغة ووظائفها التعددية، بل يكفي الاشارة الي خطورة تبديد الأحرف الأبجدية بحجّة التجديد، والتي انتشرت بفعل التكنولوجيا الحديثة، فمثلا لغة المحادثة في الروابط والوصلات والنوافذ والمواقع الالكترونية، بدأت تشتقّ من الأعداد والأرقام شكلا مختلفا تماما عن شكل الأبجديّة العربية والغربية لصنع لغتها الحداثويّة وفق مفهوم الجيل الجديد، لتصبح الكلمات مشفّرة بطريقة جديدة تعتمد علي الاختزال والرسم، وكأنّ اللغة قد عادت الي سابق عهدها الي العصر الحجري الذي كان يعتمد الشكل لتركيب الكلمة، فلم تعد اللغة العربية لغة التداول العصري الشائع بين مختلف أدوات العصر من الهواتف الجوّالة التي تتيح التراسل عبرها كما يتمّ عن طريق البريد الالكتروني وال"مسنجرات " نوافذ المُحادثة، فلا العربية ظلت علي حالها ولا اللغة الغربية احتفظت بخصوصيتها مثلا: "mar7aba kif 7alak" وهذه جملة مكتوبة باللهجة العربية بأحرف غربية، صارت أكثر من متداولة لدرجة أنّ الأغاني التي تتصدّر الشاشات باصداراتها المحمومة تباعا أصبحت تُكتب بهذه الطريقة، اذا هذا النوع من الكتابة لم ينحصر ضمن الخصوصيات الشخصية بل تعداها الي مستوي الشاشة الصغيرة، وهي المجال الأكثر حيوية للتلقين البصري كوسيلة اضافية متاحة علي مدار الساعة، وهنا مكمن الخطر علي لغتنا الجميلة، كذلك علي ثقافة وتعليم الجيل الجديد، الذي ابتكر لغة لا تخدم العلم أو المعرفة بأي شكل من الأشكال، فهذه لغة لا مرجعية موثّقة لها، ولا يُمكن لها أن تنمي ذهن الطفل أو اليافع أو حتي الشاب في أي مجال من المجالات العلمية أو المعرفية أو الثقافية، بل يُمكن أن تدخله الي ما وراء الزمن فلا يطول بذلك منه هامشاً أو متناً؟ والسؤال الأهم علي من تقع مسؤولية تدهور الثوابث في زمننا المتحوّل بشراسة نحو الهاوية؟


http://www.azzaman.com/index.asp?fname=2009\02\02-06\597.htm&storytitle=
Azzaman International Newspaper - Issue 3212 - Date 7/2/2009جريدة (الزمان) الدولية - العدد 3212 - التاريخ 7/2/2009AZP20


على هوامش أجندة الأعياد




على هوامش أجندة الأعياد
غادا فؤاد السمّان
المدافع الثقيلة التي انطلقت مبّكرا قبيل سهرة رأس السنة الجديدة للعام 2009 لم تكن احتفاءً وبهجةً بقدوم العام الجديد، بل كانت لإبادةِ الأطفال والنساء والشيوخ والعجّز والمساكن الشعبية وحتى سواها في غزّة، وكلمة "إبادة " لم تحضر على صفحة القول هنا حضور المتبصّر العارف، بل هي كلمة مقتبسة من خطاب السيد "إسماعيل هنية " ثالث أيام الحرب على غزّة، فقد قرر نيابة عن إرادة مليون ونصف مواطن في غزّة أن الحرب مستمرة حتى ولو أبادوا غزة وكل من فيها، ولا بدّ من السؤال لمن وعمّن يُصلح أن تكون هناك مقاومة إذا؟، فما نفع المقاومة إن لم تكن للمواطن ولأمنه واستقراره وحقوقه وكرامته؟ هل هكذا تسنّ التنظيمات الإسلامية قوانين الموت وفق لوائح عشوائية يقع عليها الحدّ دون ذنبٍ ودون أن يُترك لها الخيار، بل ليكتب على ذويها الحزن القاتل والدموع التي تزلزل بوجعٍ ملامح الرجال، وكأنّ قدر المواطن العربي وخاصّة الفلسطيني واللبناني الحزن حتى في غمرة الأعياد والأفراح العابرة، وطبعًا إسرائيل في خدمة الطموحات المفتوحة على الموت دائما، وعلى جميع المواطنين الكرام تقبّل هذه القناعة في البلدين الشقيين لبنان وفلسطين، فيما المعزّون الكرام عند الشقيقة الأقرب سوريا، جاهزون لكل ما يلزم من شجب واستنكار ومظاهرات تسدّ الشاشة والشوارع بالخطب الرنانة والشعارات، ناهيك عن الحشد الإعلامي لنفض الآراء الباهتة من سُباتها الطويل، وتسجيل اللعنات وتسديدها لأميركا وإسرائيل وكل مواطن يأبى الموت فهو خائن وعميل وملعون..
القتال في منطقتنا "المهيضة" يبدأ بشرارة صغيرة لفتيل لا يتعدى حجم إصبع كفيل بإشاعة جحيم بحاله، وحماس حريصة على تصدير المشهد على أنها ضحية وصاحبة حق في آن، فهل هي على هذه الشاكلة دوما؟ فلنعد للذاكرة القريبة جدا ونستعرض بعضا من ممارساتها النبيلة على أرض الواقع، هل هي تتسم بالنبل فعلا كما نودّ أن نوقن به ونقنع؟ وهذا فصل من سيناريو حديث كانت إرادة الله وإرادة العقلاء فيه هي الغالبة، ولنستعرض معا حتى وإن كان الوقت بالنسبة لكثيرين غير مناسب لفتح جعبة الذاكرة، لكن السكوت هنا لا يقلّ ضراوة عن السكوت هناك وخاصّة أن العنف لن يولّد سوى نظيره، من مخيم "الميّة وميّة " الواقع شرق صيدا من جنوب العاصمة اللبنانية بيروت، كانت قد انطلقت أول أيام عيد الأضحى المنصرم مدافع ثقيلة، سبقتها عيارات نارية متفرقة تجمّع على أثرها عناصر حماس لمواجهة شرسة مع عناصر فتح، لا لتحرير القدس وقتها، ولا لفكّ الحصار عن غزّة، ولا لطرد العابثين في أساسات الأقصى، بل لمواجهةٍ إضافيةٍ خارجةٍ عن جغرافية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والواقعة ضمن جغرافية محمومة أصلا على أرض لبنانية متعددة الطوائف والمذاهب والإيديولوجيا والانتماءات ولها ما يكفيها من الخضّات وفيها ما يؤرّقها من الضغوط الداعمة لانفجار الوضع بإصبع ديناميت أو مجرّد مكالمة مشفّرة لخطة جاهزة عند أي منعطف سياسي وتحرّك خارجي، والمؤسف أنّ حماس التي تواصل هفواتها تِباعا داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها دون أن تُدرك بعد، أنها لم تعد تُمارس سلطتها وسلوكياتها النضالية من خلف الكواليس أو فوق الأسطح أو في عرض الخنادق، بل أصبحت المُستهدفة كلّيا من قِبَل عدسات المصورين ومجهر الإعلام الراصد والمُحلل لطبيعة الخلاف الدامي الذي تنتهجه حماس نهجا خارجا عن منطق الإسلام الذي "تتوثّق" به، لتتيح السؤال عمّا إذا كانت حماس تُمارس تأجيج الوضع للصالح الفلسطيني – الفلسطيني فعلا؟. أم أنّها تُجيَّر العائد إلى لائحة الفواتير السياسية الباهظة التي تستثمرها الدول الراعية للخلاف، والفاعلة في زعزعة الوِفاق الوطني في لبنان وفلسطين والعراق عن طريق أدواتها الداخلية المرتبطة بها بخيوط متينة تتقاطع ومصالحها الذاتية مع مصالح الأحزاب والحكومات المناهضة "للمحكمة الدولية" الوشيكة، تقاطعا وثيقا مع الجهات المستاءة بالتأكيد من الرخاء السياحي الذي تنعم به بيروت هذه الأيام، وقد تزامنت فيها الأعياد لدى مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية على حدّ سواء، ممّا أعطى وفرة بأعداد الوافدين إلى لبنان لينعم ببحبوحة اقتصادية تأخرت لأكثر من ثلاثة أعوام على التوالي، بحكم الشلل الذي أصاب الأمن والاستقرار بعد توقيف عضلة الاقتصاد القلبية لمدينة بيروت عمدا عن النبض والحيوية تماما للفترة المذكورة.
الأدهى بالنسبة لهذه الجهات المعنية هو عودة الأمن والاستقرار الذي يؤرّق كينونتها وصيرورتها وسياساتها المزمنة والمُستمرة، ولم يقتصر اندلاع فتيل الشغب في مخيم المية ومية جنوب العاصمة اللبنانية بل كان ثمّة فتيل مماثل في أكثر من منطقة استهلكت جهود القوّة الأمنية وساومت الجيش اللبناني على إجازاته المشروعة، ليفرض طوقا أمنيا رادعا لكل "السلوكيات" المغرضة من هنا وهناك، والتي أصبحت مكشوفة كليا أمام الرأي العام كما هي لا تخفى على الجهاز الأمني قطعا، بحكم أنها صارت تأتي من باب الإعداد والتخطيط المدروس والممنهج لتأجيج الوضع وتأزيمه كلما آل الوضع إلى الهدوء النسبي أو إلى ما يشبه الاستقرار.وللحديث بقية.. تكمّلها الأعياد اللاحقة والأعداد الطاعنة بالشهداء والدم والدمار المُريع.
كاتبة سوريّة


الجمعة، 6 فبراير 2009

لعنة الأضداد في لغة الضاد



زمان جديد لعنة الأضداد في لغة الضاد غادا فؤاد السمّان منذ زمن بعيد لم أحرر كلمة واحدة عن الحب، فقد توقف قلبي عن الخفقان لأسباب أمنية وغير مستقرّة تسيطر علي أنحاء متعددة من كياننا العربي، وهكذا تبعته مخيلتي بالتعطيل الشامل لأمدٍ طويل غير مسمّي تماشيا مع ضراوة المشهد المأساوي المُتكرر، أحلامي المُصادرة أجيّر غُزاتها الي جميع جمعيات حقوق الانسان، وأحيلها الي هوامش نظرية "المؤامرة" وأعلن من منبري هذا أنه ثمّة تآمر علي حلمي، أعاث فيه المتآمرون، انقلابا رهيبا أو عطبا مقصودا أو خللا فادحا أو شللا عارما حتي صار كابوسا أرعن يراودني في اليقظة كما في الغفوة المزمنة حيث لا تتوفر لديه سوي مشاهد الفزع الرهيب، وعلي الأثر تضررت لغتي أضرارا فادحة أولي أعراضها التجفاف الحاد الذي استنزف حيويتها ورشاقتها وشبابها وحميميّتها، وأصبحت مفردتي طريحة المرحلة، تربض مع مثيلاتها في قاموسِ شؤمٍ انتقيته بعناية فائقة، بعدما غربلتُ عنه كامل الرماد الذي لم يرشح منه سوي السواد الأعظمي ليتلاءم مع لون الواقع المضمّخ بالعنف والمخضّب بالبشاعات، فمنذ العام 2005 والجسد العربي قيد التصفية، والدم العربي قربانا للأرصفة والاسفلت وعدسة المصورين وشاشات البثّ المحموم لرصد الفظائع بتقنيّات عالية، ونحن نقلّب أوجاعنا بدقّةٍ متناهيةٍ، نخرج من جحورنا بطيش علّ رصاصة طائشة تحصدنا، أو يداً آثمة تعدّ العدّة لبعثرتنا أشلاء متناثرة علي مفارق الطرق ومنعطفات الساسة الكرام، لنوفّر للذين يجتمعون المناسبة اللازمة كي يجتمعوا بفخرٍ باهظ لاحصاء موتاهم كل علي حده، فما من طمأنينة الا بموتنا المحقق، موتنا الفعلي بعيدا عن هذا الموت المتواصل، وهكذا يكون الخلاص والسلام الأكيد لراحتنا الأبديّة بدلا من السلام الموعود باتفاقيات ومعاهدات هزلية مدوّنة علي ورقة توت سرعان ما تتآكل عند أية ريح عاتية ولا يبق عاريا الا عورات الساسة الكرام ونفاقهم المتراكم، ونحن مجتهدون ومنهمكون في تطريز جملة مفيدة من الحماقات المكرّسة نمارسها بسذاجة تامّة ونحن نؤيد هذا ونبارك ذاك، ونهتف لأولئك، ونلعن هؤلاء، وقد غاب عن بداهيتنا نباهتهم جميعهم، وهم الذين اتفقوا علينا بمكر شديد وبأثمانٍ باهظة مُسبقة الدفع، تحت قبابٍ متشابهةٍ في الشكل والمضمون معا، فلا فرق بين قبّة برلمانية، أو قبّة هيكل أو قبّة محراب أو قبّة مغارة سريّة خافية عن الأنظار وعن الرأي العام، وشاهدة فقط علي حلكة القناعة المسكوبة من فوهّة ايديولوجيا بركانية خمدت ثورتها، لكنّ معالم الضباب الأسود تسكن جماجمهم الضيقة والمعتمة في آن.عبثا أتنصّل من فوضي الأفكار وغبار الأحداث المتراصّة بتشبّث رهيب، أنّي وجّهت حرفي ضاع في غياهب الوقائع، أني حوّلت حبري غاض علي أصابعي بالأحمر المُستوحي من مستنقعات الدمّ فيتخثّر الكلام وتجفّ العزيمة، وليس أمامنا سوي نافذة وحيدة نطلّ منها كل صباح وكل مساء وما بينهما علي فجائع جديدة، وليس أمامنا سوي أرقام تتوالي علي اثرها الأرقام، وهكذا يكبر الرصيد.. هو ليس رصيدا لأموال مكتسبة أو حتي منهوبة كما يفعل الدُهاة والأذكياء، هي أرصدة لأعداد الموتي التي دخلنا عدادهافي غيبوبة العد المتتالي بلا هوادة، نختلف علي التصنيف بين قتيل وشهيد، وكأنّ المعزّين الكرام يملكون وكالة عامة من العناية الالهية، تخوّلهم تحرير العناوين لفرز الظالم من المظلوم.كان في نيّتي أن أفتح شريانا جديدا لشعورٍ جميل يضخّ في قلبي معني ملائما للحب، وما ان هممت كي أفعل، حتي انقطع شريان البصيص الذي كان يمدّ روحي بقليل من الضوء المُتهالك بحجّة التقنينش.

تداعيات الحبر والحرب


أغلق
اطبع

تداعيات الحبر والحرب
غادا فؤاد السمّان
من عاصمة الضباب اللندنية هاتفني صديقي الطيب يدعوني بلهجته العراقية المحببة للكتابة في صحيفتهم الغرّاء، بعد عدّة متابعاتٍ لي في منابر مختلفة أتقافز بينها من وقت لآخر "كالقردة" التي لا تعرف الاستقرار في قفصٍ لائق، وسألني بلهفةٍ بيّنةٍ عمّا أتقاضاه نظير المادة الواحدة؟ وعندما أجبته بحقيقة ذاك المبلغ الزهيد، هزئ صديقي الطيب وقال: تعرفين هذا مبلغ وجبة سريعة هنا في لندن، لم يكن أمامي سوى أن باركتُ له رَغَدَ عيشه وشتاته، وتابعتُ شاكرةً المولى على ما تيسّر لنا من رمق العيش في بلد لا يتيح جِنرالاته سوى "الدونيّة والتبعيّة "على غرار نظام الجوار ويجنّ جنونهم لمجرد فكرة "الوسطيّة " واستقلاليتها فما بالك لو توفّرت طبقيّتها فعلا؟.تدارك غصّتي صديقي الطيب قائلا: طبعا لن أخبرك فأنت تعرفين بالتأكيد اعتزازنا بحرفك وحضورك القيّم بيننا، هللّت للدعوة وغمرتني غبطة طارئة أفتقدها منذ زمن ومددت الحديث بتداعيات مقصودة أتحايل بها لإيصال استفساري عما يُمكن أن أتقاضاه، إذ كان يؤرّقني التغاضي عن ذاك الاستفسار الأساس تماما كما يحرجني الخوض فيه، استعرضنا باقتضاب بالغ المشهد الثقافي الذي لم يكن بتقديره الشخصي يشكو من أية علّة تُذكر وخاصّة أنّ العلاقات والروابط والشلليّة على أشدّها، كما أنه لا بدّ للمقال السياسي وحسب رأيه، أن يراعي أحاسيس القادة ومشاعر الزعماء ويقيم وزنا لمواقف المتشددين وآراء المتحيزين، وأنّ التوازن السياسي لا يكون بحسبة الواحد + واحد ليساوي اثنين بالضرورة، قاطعته ربما يخفي الثالث من الخريطة السياسية، وربما يدبّر مؤامرة على مستوى المنطقة ككلّ، وربما يدعو لمؤتمر عاجل يسفر عن شروخ تتبدى نتائجها لاحقا، وأمام سيل الافتراضات التي بوسعي أن أسفحها على مسامعه، استمهلني بلباقة وقال مباغتاً: "تُعرفين غلاوة دمشق عنتنا هي بغلاوة بغداد وهِيْ عاصمة العراقيين المهجّرين اللي يقيمون بيها بهلوقت، زين عيني لازم تراعين بمقالتك كلّ ها الاعتبارات منشان كل اللي نُعرفهم زين عيني؟" أجبته: معك حق، ولطالما كانت دمشق عاصمة لكثيرين وربما للجميع إلا لأهلها، المهم كم ستكون مكافأة المقالة الأسبوعية؟ سرّتني جرأتي وحسمي المفاجئ، غصّت الكلمات بصوت صديقي الطيّب وقال بلهجة تُفصِح عن دهشة كبيرة: "ولو عيني قِلتْ لِك عنّا مشكلة في التمويل وفي توفير المال، وتُعرفين حنّا نُشْتغِل بجهود جبارة ومضنية حتى تبقى الجريدة مستمرة، وإحنا طامعين بمقالة أسبوعية لا غير" وقاطعته بدهشة مماثلة:" من غير عائد؟" اعذرني صديقي، أصحاب الديون المُستحقة لا يعنيهم أي تقدير تكنّه لي، ولا يقدرون سوى إمكانيتي على الدفع وإلا سيُدفع بي إلى الشارع. وأنهى صديقي الطيب حواره الحميم دون أية إضافة.
وبين هاتف وآخر كان يستغرب ويشجب ويستنكر تشاؤمي ونزقي صديقي الطيب، وكيف لا أخرج ولا أرى الدنيا ولا أتفسّح، ولمَ أظلّ محمومة على الشبكة العنكبوتية أتلقى صور الحروب الشنيعة، وأتجرّع علقم النشرات الإخبارية بتلازم وتأزّم مستمرّ، فالحياة حلوة، لمَ لا أحياها، وكان من الصعب أن يفهم صديقي الطيب أنّ الحياة الحلوة تحتاج إلى بئر من الإنفاق لا يقل تدفقا عن آبار النفط، وأنه ليس أمامي غير أن أتفهّم ضيق ذات اليدّ في المنابر المتوفّرة التي بالكاد تتيح لنا بعض الأوكسجين الذي يغلبه الهذر المتفاقم عن أزماتٍ عربيةٍ مفتعلةٍ لا تنتهي، وأنه لا بد من التسليم بخيباتٍ موجعةٍ لا تفتر ولا تكلّ في بلاد ٍ محكومة بالغير. وكان يسألني بإلحاح لمَ لمْ أكتب عن الحب والجسد والجنس والحرية بشبقٍ دارج وشائع بعدما تواطأ الرقيب، كنت أجتر غيظي ليبق الحبر على الجرار أتابع في مقتطفات أخرى فصولا ناقصة من أحاديث صديقي الطيب الذي يختلف باللهجة بين بلد وآخر، ويتطابق في المضمون حرفا وحُرفيّة وخواء.

حال الدنيا..


أغلق
اطبع

حال الدنيا..
غادا فؤاد السمّان
عندما كان كبار السن والتجربة يتحدّثون عن حال الدنيا، كنت لا أخفي دهشتي لتعبير مُتكرر أصبح يستوقفني مع الوقت بعدما صار أشبه بمحطّ كلام، أو لازمة لفظية لا بدّ منها على امتداد السياقات السردية موجزة كانت أم مفصّلة، فما ان نقف على مفارقة حياتية، أو تباينٍ اجتماعي، أو اختلاف طبقي، أو مغايرة معيشيّة، حتى نسمع القول ذاته: حال الدنيا. وحال الدنيا هذه الأيام هو حال لا يتطابق مع نظيره من الأحوال، إذ ثمّة كاميرات محمولة ومحمومة لرصد المشهد تتموضع بعنايةٍ ودرايةٍ وخبرةٍ مستميتةٍ، ترصد وقائع مُستفزّة إلى حدّ الجنون، فقد أضحت الشاشة على ضيقها، مرتعاً لنقيضين متفاوتين تماما، ولم يعد الحضور الجلي حكرا على أحدٍ منهما، بل دائرة الضوء باتت توزّع سخاءها بالتساوي على غير العادة فما من مضرّج بدمائه أو ممزّق في جسده أو متخبّط في شظاياه، كان ليحلم في عزّ امتشاق عافيته أن تمنحه الكاميرا وإن طلّة عابرة بحجم لمحة بصر يتمرأى بها يوما على امتداد عمره وفقره وبساطته، وإذا كان حال الدنيا في غزّة مقلوبا رأسا على عقب منذ ما يزيد عن 22 يوما، ليترك معظم الجثث بلا رؤوس وبلا أطراف وبلا مبرر لما يحصل لها، فإنّ الكثير من الرؤوس والأطراف وذيولهما تناطحت وتزاحمت وتدافعت و"تشارست " في ذات الوقت، لتسجيل الحضور الطوعي أو القسري على حدٍّ سواء، والشاشة وحدها تزاوج المشهد بحيثياته المبتذلة تماما، وقد تزامن الرعب بالرعونة، والموت بالنفاق، وخاصّة عندما تُباهي الضحكة البشوشة على وجوه السادة الكرام، كما تُزلزل صرخة الفجيعة أوصالنا المهترئة لفظاعة الصورة.. لم تكن تلك النظرات المنفرجة المتبادلة فرحًا ومرحًا وطرافةً بين وفد حماس والرئيس الإيراني أحمدي نجاد نظرة بروتوكولية تفرضها المراسم والمواثيق والأعراف الدولية على طاولة المؤتمر الطارئ الممدودة على عجالة في الدوحة - قطر، بل كانت أكثر بلاغة في تظهير النيّة المبيّتة، وتوظيفها بين المجتمعين الكرام، عندما اختلس أحمدي نجاد اللحظة الخاصّة بحماسةٍ وزهو كبيرين ورفع السبابة والوسطى عاليا إيذانا بالنصر، في ذات اللحظة التي كان النقل المباشر من غزّة يعجّ بالدمار والرعب والخراب والقنابل الفوسفورية، ومدخل مستشفى الشفاء يغصّ بالمسعفين والجرحى والشهداء، والمراسلين الذين يكابدون هلعهم بتوازن مفتعل.
فأي نصر يتوازى بذاك التصعيد؟!، معادلةٌ لا يمكن أن نؤيدها أو نعيها جيدا، مهما تعاقبت الخِطب العصماء، ومهما أبدى سادة المُواجهة وقادة الأوهام من بشاشة بغيضة لم تصدر في الوقت الملائم على الإطلاق، هل كانت علامة النصر على يد أحمدي نجاد تأكيدا لنجاحه الأخير بشرخ الصفّ العربي، إذا كان ذاك هو المقصود فقد انتصر أيّما انتصار، إذ إنه كان مكتوبًا على المؤتمرات العربية هذا الشرخ منذ لقاءاتٍ ولقاءات، لكنهم كانوا يحفظون ماء الوجه، إلى أن جاء أحمدي نجاد وسفحه دون تردد ودون أي اعتبار لما يحصل هناك في غزة، التي كان لا بدّ من نكبتها الضارية هذه، حتى تحصل على خطّة إعادة الإعمار وحفنة من الدولارات التي يتسولونها لغزة اليوم كما تسوّلوها الأمس من أجل لبنان المتخبّط في ما تبقى من جراح لم تندمل بعد، ومخاوف الغدّ المنصوب على قواعد بالية من الصواريخ الهشّة المهيأّة للدمار الشديد الذي يأمله المراهنون الأفذاذ؟!يتشدّقون إذا بصمود "حماس"، وثمّة نساء حائرات وأطفال خائرون ورجال تائهون يثنون على صمود حماس بصرخة موجعة تفتك بكامل مفاصلنا "وين نروح "؟؟.كنت سأحترمهم جدا وربما أواكبهم في قوافل الموت الانتحارية هذه وكثيرون مثلي دون تفكير قد يفعلون، لو أنّ "مشعل ونزّال وحمدان ومن لفّ لفيفهم" هناك يمخرون عباب القنابل الفوسفورية كتفا إلى كتف مع الفلسطينيين، ليرشدوا أولاء النسوة والأطفال والشيوخ ويقولون لهم بثقةٍ، وبابتسامةٍ عريضةٍ مشروعةٍ ومبررةٍ "وين يروحوا". كما يفعل موظفوا "الأونروا"، وهم يبذلون ما يفوق احتمالهم وصبرهم وواجبهم وأهدافهم بأشواط إنسانية بعيدة المدى، وهم يتحدّون الموت ويتحدون إسرائيل ويتحدون اللهب والظروف الضارية لإطعام الفلسطينيين كالأمّ الحنون، لا يجلسون في فنادق النجوم الساطعة جوّابين العواصم المُترفة وبعدها يحدثوننا عن الصمود في غزة ليلزمونا القول: حال الدنيا، فهذا حال لن نرتضيه في جميع الأحوال التي يماطلون بموافقتهم المشروطة مع مبادرة مصر التي رجموها بشتّى الاتّهامات حتى خارت قواهم، وهاهم يُدركون جيدا أنه ليس سوى مصر يملك مفتاح الحلّ والربط والتمهيد لإغلاق فوّهات النار المفتوحة على الشعب الفلسطيني الذي يحترق وحده لا غير، وهم متعنّتين كما يشتهون ليغنموا أكبر قدرٍ من مكاسبَ هزلية، إرضاءً لشغفِ إسرائيل في تكريس قوّتها، وتبديد ثقتنا وقناعتنا وقوانا..

يا ليل "السَبُّ" متى غده؟



يا ليل "السَبُّ" متى غده؟
غادا فؤاد السمّان
ليل "الجزيرة" ليس كأيّ ليل آخر من "ليالي الأنس" لـ"أسمهان " مثلا، أو ليلة "جورج جرداق" التي صادرتها كوكب الشرق "أم كلثوم" وأعلنتها للخلود نيابةً عنه "هذه ليلتي"، أو "ليلة عمر" من ليالي الشاعر الأمير "بدر بن عبد المحسن " التي غناها "عبد الربّ إدريس " وتناقلها من بعده معظم الفنانون بأداءٍ مُتفاوت لستُ بصدد التقييم الفنّي له الآن، بل هو ليلٌ كثيفٌ، ثقيلٌ، مريعٌ، ومفجعٌ، على مدارِ رصدٍ متواصلٍ لعددِ القذائف.. قذيفة.. قذيفة، وعدد الصواريخ.. صاروخًا.. صاروخا، وعدد الشهداء.. شهيدًا.. شهيدة، وعدد الجرحى.. ممزّقا.. ممزّقة، وعدد المنكوبين.. مشرّدا.. وتائهة، وعدد الأبنية المنهارة.. كيانًا.. كيانا، وعدد النازحين، والغاضبين، والصارخين، والمؤيدين، والشاكين، والباكين، والشاتمين، واللاعنين، والجاهدين، والمجاهدين، والمفعمين، والحماسيين، من يومنا هذا إلى يوم الدين. وللحماسيين جمهورهم المؤيّد على بياض وعلى انتخابات وعلى مناصب وعلى شيكات وعلى مصالح إقليمية وعداوات أخويّة وفئوية وعقائديّة و"فتحاوية" وأحقاد مزمنة وغضاضات، "على أونا على دوي.."، لا على "رِجْلِ السيد" كما حصل في حرب "تموز" على لبنان مع "أشرف الناس"، ففي غزّة غابت الألقاب والتصنيفات وتكدّست الصور تلو الصور، صور الخراب وصور الصراخ ودائما الكلمة ذاتها التي تهوي كسوطٍ لا يملك إلا تلك الجَلْدة الحاسمة الجديرة بتكويم المشاهد أرضا بالصرخة القاضية "وينكم يا عرب"، فتفتح أضلاعك وتبحث، وتفتح مسامك وتبحث، وتفتح ملامحك وتبحث، وتفتح جدرانك وتبحث، ولا تجد غير التهييج والتأجيج والعجيج والضجيج، وبعدها لا أحد...الغريب أنّ القادة المقاومين الأشاوس الذين ينبتون على هوامش الأوطان دون مقدّمات ودون اعتراضٍ من ملّاك تلك الأوطان وسادتها وساستها الأفذاذ، يغضبون جيدا عندما ننعت خطواتهم "بالمغامرة" ولا يقنعون أنّ الحرب التي لا تعرف التكافؤ لا ينبغي أن تُخاض، فالحرب ليست بتطبيق نظرية لا قاعدة نهائية لها، وليست خطّة ناجعة لا بأس من تجربتها.أذكر ذات مرة أن اجتاح بيت إحدى الصديقات جرذٌ غادر، صادف زيارتي زمن الاجتياح، طبعا كان من المستحيل السكوت عن ذاك الاجتياح، حرصا على مكانة الزوج وهيئته وصورته تجاه الزوجة والأولاد وتجاهي كزائرة يمكن أن تخرج بانطباع يصعب التنازل عنه، وبدأت رحى المعركة أكثر من ثلاث ساعات متواصلة، بدأت بالأحذية واستمرت بكافة أدوات المطبخ وانتهت بعدة طلقات من جفت صيد بوسع /الفشكة/ الواحدة منه أن تبعثر كل ما تلتحم به، عندما تفقدّنا ما بعد معركة الجرذ، تبيّن أن خرابا فادحا قد أصاب أثاث البيت وجدرانه وثقة الجميع بحنكة الرجل الأشجع والأنسب وقدرته على اتخاذ الإجراء والقرار والبادرة.الغريب أنّ حماس تُكرّس مبدأ رخص الكائن العربي، تتحدث عن 4 قتلى إسرائيليين، وتتغاضى عن النسبة التي تتضاعف بالآلاف في غزّة.الغريب أيضا أن حماس قد بدأت بحربٍ مسنّنةٍ على عدة جبهات معا، فكما كانت القذائف تُرسل على المدى القصير لإسرائيل، كان بالمقابل قذائف لغوية ولفظية معبّأة باللعنات إلى الشطر الآخر من فلسطين اعتبارا من محمود عباس، وانتهاء بالشطر الآخر من مصر والرئيس حسني مبارك، إلى أن استوفت حماس كل ذخائرها اللفظية تجاه الطرفين، وبعدما عَضّت على أصابعها المُقاوِمة غصّةً وحسرةً وندما، بانصياعها لإيران التي تحرّض خارج أسوارها لتعرّض أبناء الأوطان التي تنوي تغيير خارطتها لا أبناءها هي، وتكتفي بالحناجر فوق المنابر بعيدا عن ساحات الوغى، وهكذا كان نظراؤها الكرام، حيث اكتفوا بخوض المعارك و"الردّ المناسب" حول السفارة المصرية، وهتاف الشعب المطيع بالروح وبالدم، لتبقى مزادات الروح والدم الفعلية مفتوحة على مصراعيها الفلسطيني – اللبناني، لا أكثر ولا أقل.

جاءك العون يا سوريا

بقلم: غادا فؤاد السمّان *
أخبار الشرق – 30 كانون الأول/ ديسمبر 2008
بين جهابذة القول و"سفهاء" التأويل، ليس أمامنا إلا أن نبقى نراوح ببلاهة كجيل مفصلي محكوم أبدا بالأرجحة المؤبّدة على حبال الماضي بأعناق مرفوعة بشموخ واعتداد مقتبس عن حكايات الأجداد في البطولة والأمجاد، وأجيال الثورة ورجال النهضة وأسياد النضال، وبرؤوس مدلّاة على حبال الحاضر المنصوبة كمشانق حتمية عند أول إشارة استفهام أو استفسار نضعها كعلامة فارقة لما يحصل في عالم السياسة اليوم، وفي ظل غياب التوافق حول اصطلاح السياسة كمفهوم يمكن إرجاعه للمنطق أو العلم أو الفن أو الفلسفة أو الثقافة أو العبث أو الجنوح أو حتى "طقّ الحنك"، يبقى الواقع أكثر غرابة من كافة التوصيفات الممكنة والعصيّة بالتأكيد عن التسمية والوضوح والشفافية كما تدّعي الكثير من الأنظمة والحركات والأحزاب في تكريس ممارساتها وتبرير سلوكياتها الغارقة في طلاسم المصالح الذاتية المغلّفة بالشعارات والمثالية، ففي السياسة يصبح المحتمل مؤكدا، والمؤكد مستحيلا، والمستحيل كامنا، والكامن فاعلا، والفاعل منفيّا، والمنفي جازما، والجازم أمرا، والأمر مأمورا، والمأمور مطلقا، والمطلق يتابع دورته الحيوية هذه ليعاود الكرّة من جديد، وما على الأجيال إلا أن تنمو في الوقت الضائع لتستنسل الضياع، وتستبسل في هندسة الفراغ بتفريغه من كامل المحتوى، فلا قيمة للقيمة، ولا مبدأ للمبدأ، ولا تقليد للتقليد، ولا فرادة للفرد، ولا وطن للمواطن، ولا شخصية للشخص، ولا رأي للرأي، ولا معتنق للمعتنق، ولا وجهة للوجهة، ولا إرادة للإرادة، ولا رؤية للرؤية، ولا كرامة للكرامة، ولا ضمير للضمير، وحدها الوسيلة تحكمها الغاية، ووحدها الشعوب تتحكم بمصائرها القادة والزعماء وتجّار المواقف، وما عدا ذلك حبر على جرار الوقت المجرور بالخيبات الظاهرة والمبطنة والمضمرة والمتّصلة والمنفصلة على امتداد الحقب والمراحل والتاريخ!
بدون مقدّمات وبدون تردد النائب ميشال عون الجنرال السابق، في سورية، وسورية محجّ الطامحين، وقبلة التائبين، واستراحة المحارب، وللمحارب القديم ميشال عون وسام استحقاقٍ باستقبال مشرّف وحفاوة باهظة ومرصّعة بالتكريم، بصرف النظر عن تفاصيل الذاكرة، على الرغم من أنّه في الذاكرة حرب ضروس بين المعقول واللامعقول، بين الاستسلام لوجوب المصارحة، والرفض لمشروعية المصافحة، إذ ثمّة أمس قريب يلامس وجدان المتفرجين الكرام، عن سيناريو حافل لمشهدية حرب شرسة خاضها البطل عون في حينه، وبغضّ النظر عن حيثيات الحرب التي خاضها، وبكفّ التنظير عن طبيعة الحرب التي خاضها وكيف خاضها، ولمَ خاضها، وضدّ من خاضها، فقد خاضها والسلام، والسلام لغة الراهن، بعدما سقط المرهون في بئر النسيان وختمت البئر بالشمع "الأورانج " المبطّن بـ"الأصفر " وربما العكس. وعون لم يفته في لقائه التاريخي وخطبته العصماء في دمشق الفيحاء، أن يلفت إلى ضرورة اعتذار اللبنانيين من السوريين، والسؤال أليس على عون شخصيا وقبل الجميع أن يعتذر أولا عن حرب التحرير التي وإن تناسيناها ككتاب، وتناستها السياسة السورية كقيادة، فهل ستنسى الأمهات دماء أبنائها التي عادت هدية من جنرال لبنان آنذاك بكفن جماعي، لم تتح وقتها بشاعة الجراح غسل الشهداء، بل تمّ تحويلهم من مشفى "المواساة" في منطقة المزّة وهم بأعداد غفيرة إلى الدفن بصمت مرير، تسرّب رغم متانة كواتمه الإلزامية بعض الهمسات عبر الممرضين والممرضات الذين لم يطقن المشهد ولم يتحمّلن صونه بسرية كما أريد له، بل سرعان ما تفشّت بين عموم الناس وسرت أخبار الشهداء "هدية لبنان إلى سورية" كما كتب على الشاحنات التي أقلّتهم إلى دمشق من بيروت. وكما العادة الماضي في ذمّة التغاضي أو التفرّس حسب ضرورات الحالة ومستجدّاتها وأمزجة السُعاة فيها.
وسورية بنت الحاضر، والحاضر الجدير بالإكبار هنا، هو أنّ بادرة "الصفح" هذه تُحسب للنظام وتوضع في الحسبان وتُنظر بعناية فائقة جدا وتفاؤل بالغ ومنقطع النظير، فحتما وربما على المدى المنظور سنشهد احتفالا استثنائيا يُكرّم به كل "معتقلو" الرأي في سورية على رأي الشاعر: "خلاف الرأي لا يفسد في الودّ قضية"، والودّ ليس بغريب عن مشاعر الساسة والسادة السوريون، الذين بوسعهم طيّ صفحة الخلاف أو حتى الاختلاف الذي كان، بل تمزيقها إن شاؤوا، كماضٍ منتهِ الصلاحية ومحكوم بالشلل لعدم دراية الخطوة وعدم تقدير أبعادها وعواقبها الوخيمة.
فمن الواضح أنّ صدر النظام السوري يتّسع للحوار والمفاتحة والمصارحة والحميميّة والبياض أيضا، ولكلّ المشككين ما عليهم إلا أن يعيدوا النظر في أحكامهم التعسفيّة المُبرمة تجاهه، فهل يُعقل أن يتمّ الصفح عن "الخصم الندّ" للأمس القريب كما يحب الجنرال المتقاعد "عون" أن ينسب إليه، بدلا من تسميته السابقة بـ"العدو اللدود"، وقد أصبح تلقائيا ومنذ اللقاء الأول "صديقا" و"حليفا" وحميما كذلك والقادم أعظم بالتأكيد!
بهذه الحال هل للظنون المتواترة تجاه النظام السوري ما يُبررها، وكل بادرة تؤكد ما تلاها من بوادره الكريمة؟
فلا العدو الإسرائيلي سيظلّ عدوا بعد إبرام اتفاقيات الصلح معه رغم أنّ البشائر لم تلح في الأفق بعد، ولا "عون" ظلّ جنرال حرب "التحرير" بعد الزيارة الأولى لدمشق التي انقطع عنها قرابة العقدين من الزمن!
فهل يُعقل أن يظلّ كلّ معتقلي "الرأي" في سوريا وحدهم البلاء الفتاك، والذنب الذي لا يغتفر، والحكم الذي لا يُردّ، والرقم الصعب في المعادلة، والحرف الساقط من إعادة التأهيل؟!
هل يُعقل....
__________
* كاتبة سورية

الرقيب يزداد قوة في 2008 والمشاريع لخدمة السلطان


الرقيب يزداد قوة في 2008 والمشاريع لخدمة السلطان
GMT 12:30:00 2008 الأربعاء 31 ديسمبر
سلوى اللوباني
المشاريع الثقافية العربية للمنافسة فقطالرقيب يزداد قوة في 2008 والمشاريع لخدمة السلطان
سلوى اللوباني من القاهرة: المشاريع والاحداث الثقافية كثيرة في العالم العربي، ما بين مهرجانات وندوات ومؤتمرات وإصدار كتب إلى إنشاء جوائز ودور ترجمة وغيرها، ولكن هل تعتبر هذه المشاريع في خدمة المثقف العربي؟ هل تقوم ببناء جسور التواصل بين الحضارات؟ والاهم من ذلك هل عززت مكانة الثقافة العربية في المنطقة وعلى الصعيد العالمي؟ وايضا هل تساهم في إحداث التنمية الشاملة للمجتمع على اعتبار إن الإنسان المثقف أكثر عطاء من أي شخص آخر؟ توجهت ايلاف لمجموعة من الكتاب من بعض البلاد العربية للاجابة على هذه التساؤلات ولمعرفة ما هو الحدث الثقافي الاهم في عام 2008. شارك من سوريا الشاعر شوقي مسلماني، والاعلامي والروائي هاني نقشبندي من السعودية، والناقد والكاتب د. عبد الملك الاشهبون من المغرب، والكاتب والباحث د. احمد الفقيه من ليبيا، ومن لبنان الشاعرة والكاتبة غادا السمان، والكاتب حسن عجمي، ومن الاردن الروائية والاعلامية ليلى الاطرش والناشر والكاتب جهاد ابو حشيش، ومن الكويت ماضي الخميس الامين العام للملتقى الاعلامي العربي والاعلامية والشاعرة سعدية مفرح. الحدث الثقافي لعام 2008من اطرف الاجابات التي حصلت عليها بالنسبة لاهم حدث ثقافي لعام 2008 كانت انتخاب اوباما رئيسا للولايات المتحدة.. بما اننا مجرد مستعمرات غربية!! اما الحدث الثقافي الثاني فكان الرقيب.. لانه يزداد قوة، وهناك من اختار السلطان لان معظم المشاريع الثقافية تخدم مصالحه السياسية وغيرها، ومن الاحداث الثقافية التي لاقت اهتماما ايضا رحيل النوابغ الثقافية مثل درويش والنقاش والناشر مدبولي وغيرهم، اما جائزة بوكر العربية لاقت اهتماما ولكن مع بعض التحفظات، وايضا كان هناك اهتمام بمؤسسة محمد بن راشد واضافتها لمجتمع المعرفة اضافة الى حصول مسلسل الاجتياح على جائزة ايمي الامريكية، وأخيرا الهذيان بثقافة مثل نور ومهند ومسلسل باب الحارة!!
الرقيب والشللية والطائفية... اجمعت الاجابات على أن الثقافة العربية لا تستجيب لتحديات العصر بسبب ازدياد سلطة الرقيب ومشاريع كثيرة لخدمة السلطان، فلم يعد مسموحا باي فكر تنويري وهذا فتح المجال امام الشعارات الرنانة من اشباه المثقفين... وايضا لا يوجد مخطط ثقافي عربي يصل بالثقافة الى كل مواطن عربي.. فمعظم هذه المشاريع والاحداث الثقافية عشوائية ولا يوجد بينها اي تنسيق او تنظيم وان هدفها ليس المثقف او الثقافة.. وانما لتسليط الضوء على منطقة معينة لتنافس منطقة اخرى.. وان آلية عملها تحكمها بعض الامراض المتأصلة مثل الشللية والاتفاق على الفائز قبل الترشيحات. أما الحل فهو يكمن بتغيير ثقافة المجتمع السائدة حتى تنمو ثقافتنا العربية وتمد جسور التواصل مع الحضارات وتعزز مكانتها.. وتغيير ثقافة المجتمع يعني الغاء الرقيب الذي يخدم أجندة السلطان، اضافة الى تحسين التعليم بتعزيز قيم الحوار والتسامح لان الطائفية لا تزال تحكمنا فيما بيننا فما بالك مع الاخر! أما التلفزيون الذي يعد أهم وسيلة اعلامية عليه التقليل من جرعة ثقافية معينة يبثها مثل باب الحارة ومسلسل نور ومهند والاهتمام بمسلسلات مثل الاجتياح! وأخيراً.. المثقف العربي ليس بحاجة لمشاريع ضخمة بقدر حاجته لمساحة من الحرية.
شوقي مسلماني: مشاريع لخدمة السلطان أين المسألة؟ مشاريع في خدمة المثقّف؟ أم مشاريع لخدمة السلطان؟. مهرجانات ومؤتمرات وجوائز! لا بأس، لكن بشرط.. وهو ألاّ يبيع المثقّف ضميره. المثقّف لا يفقأ عينيه ليعمل أنّه لا يرى كيف يتورّم السلطان ويجتاح المكان ولا يترك حيِّزاً. المثقّف لا يفقأ عينيه ليعمل أنّه لا يرى الوحوش من كلّ حدب وصوب مقبلين لنهب بلاده. المثقّف هو أعلى صوت.. لا أخفض صوت. وإذا الآخر يقول بصدام الحضارات فلا بأس إذْ "يجترّ" المثقّف العربي "حوارَ الحضارات" إنّما عليه أوّلاً أن يدلّنا على حضارته في الحاضر لا في الماضي، فأين هي حضارة المثقّف العربي الآن؟ إنّها مقطّعة بإجرام داخلي وإجرام خارجي. أي مثقّف هو الذي في "الجيبة".. أي مثقّف هو مثقّف "الكيروسين"؟.. أي مثقّف هو الذي يعطي ظهره ويتولّى من يفتك بأهله. بالأمس القريب قال شاعر "لكم قطيعكم.. " فلنتمعّن كيف آخرون "يُلابطون" في ساقية لكي يوهموا أنفسهم أنّهم يخوضون اليمّ الأجاج المتلاطم الأمواج، أم أقول: عن وعي سافل؟. الإشارة بإصبع الإتّهام لكي لا يكون اللصّ الأكبر وأعوانه، ها هنا المسألة.

هاني نقشبندي: الرقيب يزداد قوة ونزداد ضعفا جزء من هذه المشاريع الثقافية فقط في خدمة المثقف العربي، والجزء الأكبر لخدمة المنافسة في الشكل لا المضمون. بمعنى، دمشق تنافس بيروت، القاهرة تنافس بغداد، ابو ظبي تنافس دبي.. وهكذا. كأنك تشعر ان كل الحراك الثقافي هدفه اثبات الوجود لا الثقافة بحد ذاتها. يفترض انها تقوم ببناء جسور التواصل بين الحضارات ولعل بعضها قد نجح في ذلك، بينما اخفق الآخر. لكن لا يمكن التواصل مع الحضارات الاخرى، ان لم نهتم بثقافتنا وبمثقفينا اولا. كيف يمكن ان تتصل، مجرد اتصال، بآخر من هاتف معطوب؟ وهذه المشاريع الثقافية لم تعزز مكانة الثقافة العربية في المنطقة او حتى على الصعيد العالمي... وايضا لم تساهم في احداث التنمية الشاملة.. واضيف هنا ليس الانسان المثقف وحده اكثر عطاء للمجتمع. نحن نتحدث هنا عن ثقافة مجتمع. والثقافة لا يعني ان تنحصر في القراءة والكتابة والادب. الثقافة هي في السلوك، في الاحترام، في العلم، في الامانة، وفي الاخلاص في العمل. الطبيب قد يكون اهم من المثقف ان اخلص لعمله. المثقف كذلك. حتى عامل النظافة قد يكون اكثر عطاء للمجتمع من المثقف ان اخلص في عمله... اما القضية الثقافية او الفكرية التي تشغل بالي وهي الحدث الثقافي الاهم كل عام: الرقيب.. يزداد قوة ونزداد ضعفا!

عبد المالك الاشهبون: المعارض الدولية تعلي من سلطة الرقيب لا شك أن أي مشروع ثقافي في العالم العربي، في زمن سطوة الفضائيات والإنترنت، هو بكل تأكيد في خدمة المثقف العربي. فسواء تعلق الأمر بعقد المهرجانات، وهي مناسبة لتبادل الخبرات وتلاقح الأفكار، أو تنظيم ندوات ومؤتمرات في قضايا تخص راهن الثقافة العربية في مجال من مجالاته، أو إصدار الكتب التي باتت من الأمور التي تدخل في نطاق المغامرة غير المحسوبة العواقب، خصوصا إذا كان الكتاب بتمويل ذاتي لا مؤسساتي، لأن الوباء الذي انتشر في الأزمنة الأخيرة هو وباء النفور من القراءة. أما إنشاء جوائز جديدة، فهي ظاهرة صحية تشجع الكتاب على الخلق والابتكار في زمن لا يشجع على ذلك، كما أن تشجيع الترجمة واجب لا محيد عنه لمواكبة الركب، فبدون الانفتاح على آفاق الثقافات الأخرى، فإننا نحكم على أنفسنا بمراوحة الذات أو التراجع خطوات أخرى إلى الوراء… غير أن كل هذه المشاريع التي نراها/ ونسمع بها هنا وهناك، إذا ما نظرنا إليها بعين متفحصة، سنجدها لا ترقى إلى طموحات الشعوب، ولا تستجيب لتحديات العصر، فهي تعد بالنزر القليل، مقابل الرهانات الكبرى المطروحة على الثقافة العربية من أجل مواجهة تحديات العولمة، وإكراهاتها... وهذا ما كشف عنه قبل أيام في التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية الصادر عن مؤسسة الفكر العربي، وتشير هذه الأرقام إلى أن هناك كتابا يصدر لكل 12 ألف مواطن عربي، بينما هناك كتاب لكل 500 إنكليزي ولكل 900 ألماني، أي إن معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4% من معدل القراء في إنجلترا. وفي مقارنة مؤسفة أخرى وردت في تقارير وأبحاث مختلفة، فان الدول العربية وهي22 دولة يصل مجموع ما تصدره من الكتب تسعة آلاف كتاب جديد سنويا. أما مأساتنا في الترجمة فلها قصة أخرى، فيفترض مع تطور البشرية أن يزداد إنتاج المعرفة، ومنها الترجمة، ولكن عندنا نحن العرب، يحدث العكس، فقد كانت الترجمة عام 1970 تصل إلى 11 في الألف بالنسبة لما أنتج في سائر أنحاء العالم، أما في عام 1986 أي بعد ستة عشر عاما تراجع ما ترجم في الوطن العربي إلى 6 في الألف لتحتل بذلك المركز الأخير! ولنحصل على نتيجة أكثر إحراجا فان بعض الدراسات تقول إن إجمالي ما ترجمه العرب منذ عهد الخليفة المأمون حتى الآن يعادل ما تقوم به دولة أوروبية واحدة - هي إسبانيا - بترجمته في عام واحد. ناهيك عن أن معدل النسخ التي يصدرها الكاتب لا يتجاوز في أحسن الأحوال 3000 نسخة في حين صدرت للروائي البرتغالي باولو كويلهو 11 مليون نسخة باللغة البرتغالية فقط، من كتابه: "الخيميائي"، في الوقت الذي ما تزال بعض المعارض الدولية تعلي من سلطة الرقيب، وبمواصفات غير معقولة، فما معنى أن تمنع رواية "عمارة يعقوبيان" للروائي المصري علاء الأسواني في المعرض الأخير للكتاب المقام بدولة الكويت، ونحن نعلم علم اليقين أن ما من مشاهد لم يشاهد فيلم "عمارة يعقوبيان"، رغم أنه ليس بين الفيلم والرواية كثير الاختلاف في الأحداث.. فكيف نستطيع أن نرتقي بثقافتنا العربية، ونعزز مكانتها في المنطقة وعلى الصعيد العالمي ونحن لا زلنا أمام أساليب بدائية، تستعملها الجهات الرسمية والمدنية في مواجهة شرسة مع الكتاب، تحت تهم وذرائع نعتقد أنها واهية وغير مقنعة في زمن أصبح فيه العالم قرية صغيرة؟ !
غادا فؤاد السمان: ثقافة باب الحارة وهذيان نور ومهند كان من الممكن أن نتوسّم خيرا من جملة النشاطات المُشار إليها في سؤال حافل ومكتظّ بكل المحرّضات التي تساعد على ولادة خطاب من العيار الثقيل، إلا أنّ المقام المُتاح لا يتّسع لأكثر من الإشارة وأخصّ بها هنا كلّ لبيب فقط، فلو أنّ المشاريع الثقافية تأتي أنيقة رشيقة على صهوة النزاهة والفعل الحصيف والنوايا السامية، كأن تكون الثقافة هي الهدف، والمثُقف هو الغاية، والهويّة هي الأساس، بعيدا عن المتاجرة بغطاء شرعي اسمه الحدث الثقافي أو المناسبة الثقافية، لكانت كلّ الخلطة المبينة مسمّياتها أعلاه يُمكن أن تثمر عن وليمة ثقافية كفيلة بإشباع جوع وريّ عطش كل الظامئين في العالم العربي إلى الثقافة الحقّة. والحضارات لا تحتاج إلى معرّف أو عرّاب أو مُرشد أو دليل، فهي كفيلة باستقطاب الضوء وجذب كافة الأنظار من كلّ حدب وصوب عندما تكون حضارة أصيلة وحقيقية، كالحضارة الفرعونية، والبابلية والآشورية والفينيقية والأموية والعربية عموما، كل هذه حضارات جسورها كانت ممتدّة بحدّة ومتانة لأنّها من شعاع، كما خيوط الشمس التي لا تترفّع إلا عن سراديب الظلام، والحضارة التي تقوم على فكر نيّر تُتَوارثُ بالتواتر الثقافي والمعرفي بين الأجيال، وليس بالتوتر الاستنسابي بين المُتثاقفين والمتزاحمين على حفنة الضوء. اما اذا كانت هذه الاحداث الثقافية قد عززت مكانة الثقافة العربية.. أجزم أنها استطاعت أن "تبتزّ " الثقافة العربية لا تعززها، وتنازعها على مكانتها لا تكرّسها، وذلك بالمزايدات الشعاراتية الفضفاضة، ومنذ أخذت على عاتقها دخول العالمية بالانفتاح على الآخر، خسرت كافة اسهمها، وبددت معظم أرصدتها، بحجّة الانفتاح، فالعالمية تبدأ بإغلاق الأفواه المتشدّقة أولا لإتاحة الفرصة بفتح العقول، التي تنبّه الأبصار، وليس العكس، فلا المؤتمرات أدّت الغرض، ولا الخطب الرنانة زادت حصانة الثقافة العربية، فالحضارات بوسعها أن تتحاور وتتساجل بدون وسطاء، عندما أخرجت الحضارة العربية أوروبا من عهد الظلمات لم يكن هناك طفيليون يتشدّقون باسم الحضارة، بل كان ثمّة مفكرون وعلماء وأدباء وشعراء ومتنورون، وصلوا بأبحاثهم القيمة، وليس بندواتهم ومناسباتهم المفتعلة. اما عن سؤالك اذا كانت الاحداث الثقافية قد ساهمت في التنمية الشاملة.. اقول شعار المثقف الحقيقي سابقا كان سعادة المجتمع ورقيّه وتساميه الذي يعتبره بحكم الانتماء " رقيّه " الذاتي، شعار مثقّف اليوم "أنا " ومن بعدي الطوفان بعدما بلغ مرحلة الانسلاخ من كل أصل. اما الحدث الثقافي العربي الذي اثار انتباهي لعام 2008 هو تعميم ثقافة "باب الحارة " وهذرها، وتكريس رواية هذيان "مهنّد ونور ".
ليلى الاطرش: مؤسسة محمد بن راشد ومسلسل الاجتياح بالتأكيد المشاريع الثقافية في خدمة المثقف العربي وقد تغير الاهتمام بالكاتب العربي محليا وعربيا ودوليا، خاصة وأن دول الخليج بدأت بالجوائز المجزية التي غيرت حال كثير من الكتاب ماديا، وتتبنى مشروعات ثقافية تحتاج المال وجميعها لصالح الثقافة العربية إذا ما حققت أهدافها المعلنة. كما رفعت كثير من الدول قيمة الجوائز للإبداع، المشكلة في تعدد الفعاليات وتضاربها أحيانا وفي آلية عمل بعض لجانها التي تختار وتقيم. فأعضاء اللجان تحكمها الشللية واللون الواحد، وكثيرا ما يتفقون على الفائز قبل الترشيحات، إنها أمراض الثقافة العربية التي تأصلت وانتقلت إلى آلية الاختيار للأسف،، ، ثم في نظامها بحيث أن المؤسسات أو الوزارات هي التي ترشح أديبا أو كاتبا وتجديد سنوات الإصدار، وهنا لا يسمع أحد بالجائزة والترشيح لها إلا بعد الفوز،كما أن حصر زمن الإصدار أحيانا تحرم بعض أصحاب الحق منها. اما انها تقيم جسور التواصل بين الحضارات فالمؤتمرات والندوات وسيلة للحوار، ولكن مفعولها محدود جدا لأنها اقرب إلى الاحتفاليات الرسمية، ومقرراتها لا تلزم أحدا ولكثرتها لا تسمع عنها إلا من الصحف وأصبحت في معظم الأحيان موضوعاتها وروادها تقليديين يخضعون في اختيارهم لمزاج وعلاقات اللجان المشرفة. وبالنسبة لتعزيز مكانة الثقافة العربية هناك تغير بسيط جدا تجاه الثقافة العربية في الغرب، ولكن على المستوى العربي هناك مشاريع رائدة للثقافة المجتمعية كمشروع مكتبة الأسرة في مصر ثم اليمن والأردن، أما على الصعيد العالمي فهناك اسماء برزت لأنها كتبت بغير العربية، أو ترجمت فعرف عدد قليل مثل نجيب محفوظ وامين معلوف ونوال السعداوي وإدوارد سعيد ومحمود درويش ومحمد أركون، أما الترجمات الأخرى فالبكاد تعرف في الأوساط الأكاديمية. التنمية الثقافية هي مشروع تغيير الثقافة المجتمعية السائدة، ونشر الفكر التنويري بين الأطفال والشباب وقيم الحوار والتسامح وقبول الاختلاف، ويحتاجه كل بلد عربي لنشر الثقافة والقضاء على معوقات تحقيقها المادية والفكرية والاجتماعية، هي تغيير المفاهيم الاجتماعية السائدة، ولا تتأتى بمجرد مؤتمر أو ندوة تحضرها " النخب" من المثقفين أو المهتمين... اما أهم حدث ثقافي في عام 2008 بالنسبة لي.. ابتدأ العام بإشهار مؤسسة محمد بن راشد للارتقاء بالمعرفة والثقافة العربية، وينتهي بحصول مسلسل الاجتياح على جائزة إيمي الأمريكية لأول مرة في تاريخ الجائزة.

جهاد أبو حشيش: جائزة بوكر ولكن.... إنّ الرائي لهذه المشاريع الثقافية وكثرتها لابد يُسرُ للوهلة الأولى، إلا أن الفوضى وغياب الأهداف الحقيقية والمنهجية المدروسة التي يفترض أن تؤدي إلى تراكم حقيقي متنامٍ يُفرغ هذه المهرجانات والمشاريع من أهدافها الحقيقية، حيث نلاحظ أنها مجرد مهرجانات احتفالية لتسليط الضوء على هذه المنطقة أو تلك، وقد دفعت هذه المهرجانات الكثير من المثقفين لربط سقفهم الإبداعي بمتطلبات هذه المشاريع. في اعتقادي وحتى يستطيع أي مشروع ثقافي خلق جسور للتواصل بين الحضارات لا بد أن يكون القائمين على هذه المشاريع أصحاب رؤى نهضوية وبُنى ذهنية ديناميكية، ثم أن شرط التواصل قيام حركة ثنائية تبادلية متكافئة نوعا ما أو حرة على الأقل بين أقطاب الحضارات، أما ما تقوم به أو تنجزه هذه المشاريع من أعمال احتفالية فهو لا يؤدي إلى أكثر من انبلاج لحظي لومضة سرعان ما تنطفئ. هناك خلخلة داخلية لبنى الانتماء لدى الفرد العربي من جهة تجعله يشعر بلا جدوى الفعل أي كان أو قدرة هذا الفعل على تحقيق ما هو حقيقي في بنائه الثقافي ، ومن جهة أخرى فإن شعور هذا الفرد بالاستلاب تجعله انفعاليا أكثر منه فاعلا وبالتالي وفي ظل مشاريع ثقافية لا تعمل على خلق التراكم الحقيقي اللازم للبناء لن تؤدي بالضرورة إلى تعزيز ثقافة عربية فاعلة بقدر ما ستعزز لديه دوره الانفعالي اللاعقلاني. منذ سنوات والمشاريع والجوائز تتكاثر حتى أصبحت مجالا للمنافسة والتباهي، وأغلبها أفرغت من محتواها الثقافي المفترض، وعلى العكس جلّ ما لمسناه ذلك التردي الذي بات يفاجئنا بين الحين والآخر بارتدادات ماضوية تؤدي إما إلى رؤى انغلاقية متطرفة أو إفلاس فكري يؤدي إلى تمثّل الغرب بكينونته الكاملة. اما بالنسبة للحدث الثقافي في عام 2008 قد تلفت جائزة بوكر نظري ونظر الكثيرين في الوطن العربي لكنها تصبح باهتة أمام أي موضوعة تكفير حيث ترى الجدران تستنفر والرؤى تتساقط وحين تفتش قد تجد أن معظم من يشهرون سيوفهم لم يقرؤا أو يطلعوا على النص أصلا ، إن الإبداع الذي يظل خاضعا في سقفه لما هو خارجه سيظل ماضويا بالضرورة.

أحمد الفقيه: رحيل نوابغ ومؤتمر الاصلاح العربي ما تسميه مشاريع ثقافية كثيرة في العالم العربي لا اعتبره كثيرا ، ثم لا ارى انه يخضع كله لنسق وتنظيم وجدولة تتوخي الحصول على اكبر جدوى من هذه الانشطة الثقافية ، التي وان كثرت كما تقولين فهي قليلة، وان كبرت فهي صغيرة، وان جاءت ببعض الجدوى فهي جدوى قليلة، لاننا مازلنا نحتاج الى برامج ترغم الناس على القراءة وتضع الكتاب في متناول ايديهم صغارا وكبارا، وفي القري والحارات، وان نرى المكتبات العامة تنتشر والمراكز الثقافية كذلك لتجعل الثقافة كالماء والهواء لا ارى ان هناك مخططا ثقافيا عربيا يصل بالثقافة الى كل مواطن والى كل بيت قد تحقق حقا. طبعا لا ارى شيئا يتحقق على مستوى تقديم الفكر والادب والفن وسائر مناحي الثقافة العربية الى العالم الخارجي ونحتاج الى وقت طويل وجهد كبير لتقديم انفسنا للشعوب الاخرى كما حدث مع ثقافات اخرى ومجتمعات اخرىالعالم العربي بخيل بامواله على اي مشاريع ثقافية تتصل بتقديم الثقافة العربية وكمثل على ذلك فعلى ارفف اتحاد الكتاب العرب مائة رواية عربية هي الافضل من بين كل ما انتج من اعمال روائية خلال اكثر من مائة عام تقرر ترجمتها لعدد من اللغات ورغم مرور اعوام ورسائل طلب العون التي ارسلها الاتحاد للحكومات على مدى السنوات الخمس الماضية لم يحدث شيء. اسف لانني اعيد ضرب هذا المثل الذي يؤكد انه لا شيء يحدث على مستوى هذه الجبهة. حتى البرامج الثقافية وتلك التي تدعو الناس لقراءة الكتب وتقديمها لهم تعريفا وتشويقا للقراءة لا وجود لها في هذه القنوات الكثيرة التي تصل الى الاف القنوات والمنشأة باموال جهات حكومية في شرق الوطن العربي وغربه ، فمن اين ياتي هذا الكلام عن جهود ثقافية ومناشط ثقافية انها مناشط عشوائية عشوائية وليس هناك الا القليل القليل الممنهج والجاد والقائم على اسس سليمة. اما على مستوى الاحداث الثقافية واهمها لعام 2008 فاولا احب ان استنزل شآبيب الرحمة على ارواح النوابغ الذين رحلوا هذا العام امثال محمود درويش وسهيل ادريس وكامل زهيري ورجاء النقاش وسعد اردش وسمير العيادي في تونس وكل من خليفة حسين مصطفى وعلى صدقي عبد القادر في ليبيا. ولقد شرفت بان كنت طرفا في بعض المؤتمرات الثقافية لعل اهمها بالنسبة لي المؤتمر العام للرواية العربية الذي عقد مطلع هذا العالم بالمجلس الاعلى للثقافة العربية كما اعتز بمشاركتي في التحضير والمتابعة لمؤتمرات الاصلاح العربي التي تتواصل كل عام منذ انعقاد المؤتمر الاول عام2004 واعتقد ان الجهد الذي يبذل في هذا المجال هو الجهد الذي اعتبره اكثر اهمية لمصير ومستقبل المجتمعات العربية وهو الذي ثتبث حياتنا العربية انها اكثر احتياجا له من اي جهد آخر لان القضية هنا هي ان نكون ولا نكون كامة تسعي لتحقيق نهضتها وبناء مستقبل افضل لشعوبها هذا بعض ما يمكن قوله وهناك في القلب ما قد يتعذر البوح به والى غد افضل ان شاء الله.
ماضي الخميس: رحيل الناشر مدبولي بكل تأكيد فان الملتقيات والمؤتمرات الثقافية والاعلامية العديدة التي تنشط في الوطن العربي حاليا تعتبر ظاهرة ايجابية تعود بالمنفعة الكاملة على الثقافة والاعلام العربي وكذلك المثقفين ، خاصة اذا كانت مثل هذه الأنشطة تتم بشكل جدي وفعال بعيدا عن الاستغلال التجاري او السياسي او خلافة. ان التواصل وتبادل الخبرات التي تتم من خلال هذه الانشطة المختلفة تعود بالفائدة بالتأكيد على تقريب وجهات النظر وتقليص الهوة بين الحضارات المختلفة.. كذلك هناك منافع عديدة بهذا الشأن، هناك محاولات عديدة من بعض الدول او بعض القائمين على مثل هذه الانشطة من اجل الارتقاء بها الى ابعاد ثقافية عالمية بعيدا عن البعد المحلي او الاقليمي ، خاصة وان تنظيمها يتم بشكل جدي تتطلع الى محاكاة المهرجانات والانشطة العالمية. ان مشكلة المنع والحبس والقمع للمثقفين في الوطن العربي لم تعد حوادث عارضة تستدعي أن يتوقف عندها الانسان ويعتبرها ابرز حدث خلال العام لانها للاسف صارت تتم بشكل دائم ومستمر اصبح المثقف فيه عرضة بشكل دائم للمنع والقمع والتنكيل.. واظن ان اكبر خسارة خلال 2008 هي رحيل عميد الناشرين العرب الحاج محمد مدبولي الذي كانت قصة حياته مضربا للمثل على الارادة والتحدي والعزيمة. وان الجهل هو جهل القلوب وليس العقول... فهذا الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب قدم للثقافة العربية الاف الكتب الهامة التي لا يستطيع تقديمها أعتى المثقفين.. رحمه الله. بقى أن اقول في شأن المهرجانات انني دائما من المنادين بضرورة التنسيق بين أبرز الاحدا ث الثقافية والاعلامية التي تقام في بقاع مختلفة من الوطن العربي بحيث تقام دون أن يحدث هناك تضارب بين مواعيدها ويكون هناك تنسيق بينها.

سعدية مفرح: رحيل محمود درويش كل مشروع ثقافي جديد هو عبارة عن محاولة لرفد المشهد الثقافي العربي الراهن ، طبعا نحن لا ننكر أن هناك مشاريع مزيفة بمعنى أنها مشاريع مفتعلة من أجل ثقافة دعائية بحتة ، ولكن حتى هذه المشاريع الدعائية يمكن الاستفادة منها من قبل المتلقي أو الجمهور على صعيد توسع دائرة اهتمامه الثقافي بشكل عام. شخصيا لفتتني عدة مشروعات ثقافية مهمة أعلن عنها في السنوات الاخيرة في الامارات العربية المتحدة تحديدا منها على سبيل المثال مشروع متحف اللوفر ومشروع جائزة البوكر العربية وجائزة الشيخ زائد للكتاب وغيرها من المشروعات الأخرى... وهي مشروعات يمكن أن نصفها بالعالمية خصوصا انها تساهم فعلا في رفع درجة الاهتمام العربي بالتنمية الثقافية تحديدا. اما مدى خدمة هذه المشاريع وغيرها للمثقف العربي فأنا برأيي ان المثقف العربي ليس بحاجة لمشاريع ضخمة بقدر حاجته لمساحة من الحرية التي يستطيع ان ينجز تحت مظلتها ما يود انجازه ، فلا فائدة من مشاريع ضخمة تحترم الحجر ولكنها لا تحترم البشر وحقها في التفكير الحر والكتابة الحر والنشر الحر. اما بالنسبة لاهم احداث عام 2008 الثقافية فأرى ان رحيل الشاعر الكبير محمود درويش شكل حدثا ضخما ليس لصعيد اهمية الشاعر الراحل وحسب بل للمظاهر التكريمية والاحتفائية التي اعقبت هذا الرحيل وجعلت منه رحيلا مدويا فعلا.