قناديل الروح خافتة حين يعمّها الآخرين

السبت، 31 يناير 2009

بعيدا عن رغوة الكلام، إلى أثنين أرفع أصدق العزاء


GMT 21:30:00 2008 الثلائاء 12 أغسطس
غادا فؤاد السمّان
كل الذين كتبوا عن محمود درويش كان لا بدّ أن يكتبوا لأنهم اعتادوا أن يكتبوا إليه ويكتبوا عنه بذات الكثافة، كثافة أترك تأويلها لأصحابها أنفسهم، وأتلفّت ذات اليمن وذات اليسار وأضربُ كفّاً بكفّ، أبحثُ عن طريقة أُخرِجُ بها من حلقي تلك الدمعة التي تحجّرتْ وأقذفها في بؤبؤ عين فاجرة لم يخجلها أن تتصل بي لتزفّ بُشراها وتهنئتها بموت درويش، كم صُعقت لتلك الدعابة الوقحة، أيعقل أن نكون أشرارا إلى هذا الدرك؟ ومتى كان الموت مناسبة للتهنئة؟ أسأل بذهول وصمت، لم يكن لدي متسع للرد، وحدها كانت الشهقة التي شقّت تماسك أنفاسي أبلغ من أيّ تعقيب.ورحت أبحث عن درويش بعيدا عن رغوة الكلام الطافح عبر المحابر والمنابر هنا وهناك.عن درويش الفارس الذي كنتُ آمل أن تطول معه مناوراتي لأخسره أكثر فأكثر، لأخسره بجدارة، نقيض كل الذين حاولوا أن يقبضوا عليه كوسام فخري، وأن يتواصلوا معه كشاعر شرف، بعدما عرفتْ جلّ الامتيازات طريقها إليه، كنت أسعى دائما لأخسره بصدق خشية أن أكسبه كما غيري بنفاق، لأخسره كي لا أكون رقما زائدا بين جمهوره، أو اسما مضافا في دفتر العناوين، أو وجها عابرا في محطة إقلاع لنجوميّة مُستعارة، أو تظاهرة شعرية لهبوط المتزاحمين. منذ أسبوع كان أحد الصعاليك بزيارة عابرة لبيروت التقينا للاشيء، إلا ليُفاخر أمامي بصداقة محمود كامتياز لا يُضاهى، وكيف كان لا يحلو لمحمود دخول دمشق إلا ليراه، ويجلس معه ليقاسمه البوح والخمر والشعر والنساء و النميمة، وكأنّ هذا الصعلوك وحده لا سواه ممن عرفهم محمود، ولكن قبل هذا كان هناك سواه هنا في بيروت يتشدّق بذات الحميميّة عن محمود بل يضيف ويفيض ويزبد ويزيد، وقبل سواه كان هناك آخر وآخر وأخرى، وغيرهم كثيرون، يتشدقون عن محمود الذي لم تلد النساء كمثله، وكنت دائما أعيد ذات السؤال، أين كنتم جميعا؟.حين رحل محمود عن بيروت التي أحبّها بشغف، وأخرِجَ عنوة منها كأي فلسطيني آخر عبر الشاحنات المكتظة بالمُبعدين قسرا والخائبين على الدوام، بمشهد موجع وبقلب كسير؟!!ودائما لا أحظى بأي جواب. أقرأ ل"عبد الباري عطوان " في القدس العربي مستشهدا بظرف عصيب من الأوقات عاشه محمود درويش في مغتربه، ولا أعلم في هذا المقطع إن كان ثمّة شهادة أم إشادة بدرويش، فكم منا يعيش أياما وأعواما بحرمان من زيارة ضرورية لعيادة طبيب وليس لمقهى أو مطعم وحسب، ويُعاب عليه مجرّد التفكير في إعلان وجعه أو ضنكه في أسوأ الأحوال، يقول عطوان على لسان درويش:"لا أملك ما يجعلنى أخرج إلى القهوة أو المطاعم فقطعاً سيلتف حولي المحبون، ولا استطيع دفع الفاتورة. شعرت بالصدمة، فهذا الشاعر الكبير لا يجد من يهاتفه، وربما أحسَّ بهذا التساؤل في ذهني، وقال: الأمر بسيط جداً: لا نقود.. ولا نفوذ.. ولا يهود.. وشرح لا نقود لأن الرئيس عرفات أوقف مخصصاته، ولا نفوذ أي لم يعد عضواً في اللجنة التنفيذية وقريباً من الرئيس مما يمكنه من حل مشاكل المحتاجين أو توظيف بعضهم، وأخيراً لا يهود.. أي أنه ليس منخرطاً في المفاوضات التي كانت على أشدها، حتى يكون في قلب الحدث الاعلامي والسياسي.".
عندما أصدرت كتابي اللغم "إسرائيليات بأقلام عربية "، وحمل تلميحات مماثلة وموثّقة للمُدرج أعلاه، انفجرت جميعها بي وحدي، وظلّ بعدها التفجير مستمرّا بهمّة الكثيرين الذين عقدوا العزم لإيذائي، وكان من فضائل هذا التفجير المُتصاعد فَرْز الجميع وغربلتهم دون تميز، فكثيرون جدا ممن همسوا في أذني مباركين مؤيدين، وكانوا يخشون جلّ ما يخشون أن يرشح صوتهم خارج سمعي ويلتقطه أحد الفضوليين ويوصله إلى درويش أو أزلامه البارين في كل مكان، وكثيرون أيضا ممن توفرت لديهم الصلاحية كانوا قد أعلنوا تصفيتي معنويا بدمٍ بارد، وهم يزايدون على غضب درويش التلقائي الآني العفوي الآفل، بغضب متكلّف ومستمر ومزمن كعاهة مستديمة أعاقتهم عن تقبّل حتى تعازيّ الحقيقيّة وليست الحارّة وحسب، داخل خيماتهم المنصوبة على أطلال الشاعر بتكلّف بالغ لتدوين أرصدة الندب وأسهم البكائيات. أذكر جيدا منذ أكثر من نحو عام تقريبا حاورني "باسل الطراونة " على النت حوارا طويلا وحصريا لوكالة "معا " الإخبارية الفلسطينية http://www.maannews.net/ar/index.php?opr=ShowDetails&ID=78660 تحدّثنا طويلا عن إسرائيليات بأقلام عربية، وفي نهاية الحوار سألني سؤالا من أهم ما سُئلت من خلال عشرات الحوارات التي دارت في فلك ذاك الإصدار ولا تزال، وبلفتةٍ ذكيّة من محرر الموقع أعتمد صيغة السؤال والإجابة عنوانا عريضا للحوار تقدّمته صورتي التي قُرنت بصورة محمود درويش بندّية ساحرة اعتزّ واعتدّ بها حتى اللحظة، قائلا: " س : قلب الشاعر كما هو معروف كبير، وأشعر بوضوح بإجابتك استاذه غادا فمن خلال وكالة معا غادا السمان ماذا تقول لمحمود درويش وهل تعتذري عن إصدارك إسرائيليات بأقلام عربية؟
غادا : قبل كل شيء أنا أدين بالاعتذار لغادا فؤاد السمان معكم وأمامكم ولا أخفي أنني ككل المخلوقات العربية الصابرة على مضض، أتساءل ترى هل ينبغي أن نواصل عنادنا من أجل العناد فقط أم ينبغي أن نتحوّل مع من تحوّل لنخرج من عنق الزجاجة وزجاجتنا غير قابلة للكسر، لكنها قادرة على تحطيمنا إن أرادت، المشكلة أنّ النضال الحقيقي لم يفقد مشروعيته لكنه بكل تأكيد قد فقد "شرفه "، وشرف الفكرة أهم من الحفاظ على الفكرة ذاتها برأي، لأن النضال لم يعد مبنيّا على أسس ومُثُل عليا، بل صار رديف الشوارع، وكل من يحلم ب"زعامة " بوسعه أن يتحول إلى مناضل، يلتقي في يوم من أيام سعده بمموّل كبير في هذا البلد أو ذاك، يضمن له جاذبية خارقة تلملم كل من هبّ ودبّ مرّة باسم الوطن، ومرّة باسم الدين، ومرّة باسمنا، ومرّات عديدة بلا اسم وبلا مبرر .ثمّ أن اعتذر للشاعر محمود درويش يشرّفني أن أعلنها، ولكن أخشى أن يعتبرها تحديّا جديدا وهو القائل" لا تعتذر عما فعلت" . "
ترك هذا الحوار وحسب رأي باسل الطراونة الكثير من ردود الأفعال في الداخل الفلسطيني، وبدأ يسلسل لي في لقاء جمعنا في بيروت أسماء الذين حفظ تعليقاتهم وراح يخبرني بها تِباعا، قلت مقاطعة: ومحمود؟!.. قال: التقاه مدير الوكالة في بيت لحم وأعطاه الرابط وقرأ محمود الحوار، وابتسم. لم أسأل المزيد، واكتفيت بما فهمت من ابتسامة محمود، فهي ابتسامة الرضى المضمر في القلب الشاعر، وتضامنت وقتها معه بابتسامة ضمنية خبأتها في قلبي الشاعر علّ زمنا أبيضا يجمعني بمحمود، وصدَق حدسي، فلن نجتمع هنا، في عجقة المتناحرين على الضوء والتدليس والفرص. وسيكون لنا قطعا، زمنا آخر هناك، نلتقي فيه بعيدا عن كل المستزلمين الذين صاروا يعرفون محمود التسعينات، محمود العائد إلى الصورة محمّلا بالجوائز والأطروحات النقدية، محمود العناوين العريضة للجدل والالتباسات، محمود الجولات العالمية والعلاقات، محمود العرّاب الذي قدّم "المتشاعرين " الجُدد ومن سبقهم في التدافع للحصول على تأشيرة لمحفل يكرّس الشخصانية لا الشعر. انسحب محمود وأنا في عزّ احتمالاتي وعزلتي ووحدتي وانقلاباتي السخية التي بدأتها على كل شيء بما فيها نفسي، وشعرت بيتم ذاك "الحصان الذي تركه وحيدا " فكم كنتُ وحيدة وحزينة قبل غيابك محمود وكم سأكون وحيدة وحزينة بعد غيابك.تراكمت في رئتيّ لغة العزاء، وتورّمت بسواد الحالة، لم أرغب في كتابةٍ تشبه سطور كل الذين كتبوا، وبالتأكيد لدي زاوية خاصّة أطلّ بها لأحييّ محمود تحيّة أولى على حده وليس الأخيرة، شاهدها الأول "عبد القادر الجنابي " المتفرّد مقاما وحضورا خارج المزاد، والواثق حبرا وحروفا بكل تقدير، والجدير حبّا خارج الرياء، حين قرأته في إيلاف، رفعت له كلمة عزاء مقتضبة، مراعاة لوقته الذي يضيق بحجاج إيلاف والمحتجين عليها والمحتاجين لها، وهي الأبرز في تاريخ الإعلام بكل وسائله ووسائطه.وشاهدها الأخير "إلياس خوري " الذي أفرج عن كلّ حبيسٍ في داخلي، بكلمة عتاب صادقة استجرّت مني سيلا رديفا لذاك الصدق، حين هاتفته لا ألوي ماذا أقول، كان صوته مثقلا بالحزن على محمود، قلت: سأكتب عن اللحظة التي جمعتنا لنختلف حول محمود في معرض الكتاب الدولي في بيروت، يوم أغدقت عليّ لومك وأنت تعرّج على دار الهادي لتحمل من كتابي "إسرائيليات " نسخة لكَ ونسخة لمحمود، هل تذكرها؟. قال: تقصدين الشجار الذي دار بيننا؟!. باستدراك ولهفة عامرة أجبت: لم يكن شجارا، كانت محض حالة لا بدّ أن نمرّ بها. بلهجة نبيلة وعاتبة وطرية، قال: غادا لم تجرحيِ محمود وحده في كتابك، لقد جرحتنا جميعا.رجوته أن يرحم هشاشتي، وقد تضعضع في داخلي كل اعتبار، وكل معنى، وكل رؤية، وكل قضية، وكل حلم، وكل هويّة، وكل انتماء، وكل غدّ، وكل ما كان، وأنا شاهد على عصر الخيانات العظمى، والمواجهات الرخيصة، والاستشهاد المجاني، والنضال الأرعن، والزعامات الهزلية، والمهاترات الطائشة بكل اتجاه، واحترام حقوق الحيوان الذي لم يعترف بفصيلتنا رغم كل المحاولات.قال: اكتبِ إذا غادا وسيكون لنا لقاء قريب وحوار مشترك بالتأكيد يستحقه محمود.يا لهيبة الحزن والحبّ والحميميّة التي رشحت من صوت إلياس، الصديق الأقرب إلى محمود في كل لبنان، أذكر لدى كل مناسبة تحتضن محمود في بيروت، كيف كان إلياس يعمل لأجل محمود بجهود جبّارة لتحضير الأنسب بما يليق بمحمود كشاعر وكصديق وكإنسان، وما إن تُفتح عدسة الضوء حتى يغيب إلياس وكأنه لم يكن شريكا بكل هذا الوهج أو ذاك السطوع، لم يستعر إلياس الصورة مع محمود عبر الشاشة الصغيرة أو على صفحات المجلات والجرائد ليباه بها في أي مناسبة، كما يتعمّد غيره أن يفعل في العادة.فقط كان يؤمن بمحمود بحبّ وصدق، تماما كالذي يملكه لذاته المُبدعة.
www.geocities.com/ghada_samman
gaidoushka@yahoo.com
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

غادا السمان: الكتابة فرصة للحصول على مزيد من الأوكسجين


GMT 11:00:00 2008 الثلائاء 23 ديسمبر
عبدالرحمن سلامة
حاورها عبدالرحمن سلامة: غادا فؤاد السمان شاعرة عربية أصيلة فهى كما تقول على نفسها أنها لم تكن ليلى. وليس لها في العشــق قيـس.. أو جميل ، غادا تقرأ بنهم وتنام بلا انقطاع وتواصل التشرد بأرستقراطية ، وقبل أن تقع في حب القلم كانت تهوى الدرجات الهوائية والسباحة لذلك هوينا نحن كتاباتها وسبحنا في بحورها الشعرية ولفنا صدق كلماتها ، وهذه الشاعرة تقول أنها من مواليد الصفر.. لتاريخ الشطب والمحو والتماهي.. فـي شهر اجترار الخيبة.. من يوم الشؤم الـمتكرر. وهي أنثى لزمن غادر، بنت التجربة الـمستحيلة، عاشقة لـمستقبل زائل، واهمة كبيرة لحلم صغير، تتحايل على الـموات الدائم بالكتابة العقيمة، ريثما تستعيد الجدوى دورتها الناقصة، تستنهض بالحرف قامتها الحبيسة، تعلي رأسها بالكلمة أمام أمّة أدمنت تنكيس الرؤوس منذ نصف قرن ويزيد. غادا هذيان متكرر لـمتلقّ ناء، مجنونة ودودة لراهن أحمق، طائشة نقيّة لسواد محتـّم، واصلت دراستها بعبثية أوصلتها السنة الثالثة فـي الأدب الفرنسي فـي جامعة دمشق كلية الآداب أسفرت عن انسحاب صامت، لتلتحق بفرع العلوم السياسية في مدينة بيروت. متوقفة عند عتبة السنة الثانية بعد أن استفحلت لديها أعراض الحمى الكتابيّة. أصدرت فـي العام 1989 مجموعتها الأولـى فـي دمشق بعنوان فـي العام 1991 أصدرت المجموعة الثانية فـي دمشق أيضا بعنوان الترياق.التقيتها الفترة الماضية ودار بيني وبينها هذا الحوار الذي عرفت من خلاله مدى عشقها وحبها للكلمة والحرف المنور.

< لماذا تكتب غادا فؤاد السمان؟- على الرغم من بساطة هذا السؤال، إلا أنّ وقعه صاعقا لو شئنا له ترجمة حرفية فاعلة وقادرة على التأثير في منطقة غير آمنة في أعماقنا محكومة غالبا بحساسية مفرطة، كأن نتوجه بسؤال مباشر لأحدهم بالقول لمَ تحيا؟الكتابة كما يقول الكاتب الفلسفي "حسن عجمي " تحقيق للإنسانية، وأنا أقول الكتابة فرصة استثنائية للحصول على مزيد من الأوكسجين، وسيلة للتحرر الآني من أغلال الواقع الممل، محاولة للارتقاء من العادي إلى ما يستحق الحياة والتأمّل والتبصّر والوعي والنهوض وإن على مضض، أو على تكاسل حال الأمّة العربية جمعاء، فمجال النهوض محدود جدا ومؤطّر جدا ومرهون جدا. لهذا نملك دائما حجّة بليغة للتعبير عن تكاسلنا تصل أحيانا إلى حدّ المُباهاة، وبين مُباهاة وأخرى ننتبه قليلا إلى ما نحن عليه ونكتب لنجلد ذواتنا بالكلمة، وسيلتنا الوحيدة إلى الصراخ الصامت، الذي يؤكد ما تبقى فينا من أنفاس مهترئة.
< وهكذا أتكلم أنا ، بالتأكيد الإصدار الأول له معزة خاصة لديك؟ - وهكذا أتكلم أنا... معزته أو اعتزازي به إن شئت لم تكن من باب التراتبيّة كإصدار أول، إذ أنه كان من الجائز أن أكتبه اليوم أو بعد حين، وربما كان الأخير. وهكذا أتكلّم أنا... كان ولا يزال لسان حالي ، والناطق الرسمي باسم الجملة العصبيّة، والبوصلة الدقيقة لجداول روحي ورؤاي ومخيلتي وتفكيري، وأقول جداول ليس لضيق الأفق بل ليسرها، فالتفكير والتأمّل والاكتراث بطبيعة ما يشغلني يأخذ حيّزا وفيرا للتركيز وليس للمفاخرة، شخصيّا لا تشغلني سوى تلك المسافة القائمة بين مهدي ولحدي، وما كل خطوه أخطوها وأوثّقها كتابيا أو شفاهيّا إلا لأقترب من مثواي الأخير، وقد اخترت أقصر الطرق وأعمقها وأصعبها على الإطلاق، وذلك عن طريق الذات وما تكتنفه من ثنايا وخفايا ومنعطفات وتلافيف.

فهل أنا راضية عن "وهكذا أتكلم أنا "؟ سؤال أحيله إلى الإصدار عينه، هل لازال ذاك الإصدار يحمل زهوه بي ويحتفظ لي بكامل ألقي يوم كان؟. < الترياق الإصدار الثاني هل كان حقاً ترياقاً للقراء والإصدار الثاني في كل الأحوال يكون أكثر نضجاُ من سابقه ، كيف ترين هذا الترياق؟- الترياق، كان وصفتي الخاصّة لعلاج ذاتي وما ينتابها من هواجس ومشاعر وأحاسيس ولواعج وإرهاصات، دونتها نبضةً، نبضة.. عشت حروفها بجميع الحالات والمواسم، تماهيتُ في ارتكابها كعاشق وكمجرم وكعرّاف وككاهنٍ وكناسك وكمتعبّدٍ وزنديق.هل كان الترياق أكثر نضجا أو أقل؟ أتساءل غدا هل سأكون أكثر نضجا مما مضى أم أقل؟ سؤال أتركه في ذمّة النمامين لأنهم أكثر دقّة في التوصيف.
< صدر لك عن "دار الهادي" البيروتية كتاب نقدي بعنوان إسرائيليات بأقلام عربية: الدس الصهيوني أحدث دوياً هائلاً في الأوساط الثقافية والسياسية معـًا فهل كنتِ تتوقعين كل هذا الاهتمام بهذا الإصدار وما هو سر نجاحه في نظرك؟- طبعا هناك "بعض التفاصيل " مجموعتي الشعرية الثالثة لا أعلم لمَ تأخذ نصيبها من تسليط السؤال. وبالعودة إلى سؤالكَ، قبل إصدار الكتاب "إسرائيليات بأقلام عربيّة" بأكثر من عام، في مطلع العام 2000 تحديدا، كان لي حوارا طويلا في مجلّة "الصدى " الإماراتيّة وقتها تحدّثت بإسهاب عن الإصدار قبل صدوره، وهذا الإسهاب لم يكن عن تفاصيل المسرود الوارد في المؤلَّف بل عن أصداء هذا المُؤلَّف الحدث، وأذكر أنني افتتحت الكلام بالعبارة التالية:"إسرائيليات بأقلام عربية سيهزّ كيان الثقافة العربية عبر أرجاء العالم العربي كافة" يومها نعتُ بالغرور والمبالغة والتهويل، وبعد إصدار "إسرائيليات بأقلام عربية " كان كل ما توقعته حرفيا بل أكثر، وما توقعته مدوّن داخل سياق الإصدار برشاقة وافية وثقة هائلة بالنفس بما جناه يميني وذهني الشغوف، حيث تتموضّع الكثير من العبارات التي كانت بمثابة مخطط بياني لبورصة التلقي المتوقعة، والتي جاءت مطابقة كلّيا لكافة المجريات التي أعقبت الإصدار منذ العام 2001 حتى اليوم.تسألني عن سرّ نجاح الإصدار، أجزم أنه حقيقي بدرجة يعزّ على مثقفي ومتثافقي اليوم تعرية كينونتهم الفكرية وكيانهم المعرفي ليكونوا أنفسهم ويتوحدوا قولا وحبرا لدى ملامسة مرايا الرصد والتجسيد، فكم من وجوه نعرفها بأقنعتها ونجهل حقائقها وقت التعرية والمواجهة. وكم من أقلام تكتب خلاف ما تكتم وتضمر وتخفي؟!.وهكذا أخذت على عاتقي وحدي حماية إصدار إسرائيليات بأقلام عربية بكل ما أوتيت من يقين وإرهاق وضرائب متعاقبة، في مجتمعات ثقافية هدَرَت دمي، وشلّت أوصال حضوري، وأحالتني إلى ثلاجة الوقت والتعطيل والإهمال. لو أنّ كاتبا أميركيا أو أوربيّا حقق كتابه المبيعات الأولى في معارض دولية لدورتين متتاليتين واحتلّ العناوين العريضة لأهم الصحف، فهل يُمكن وقتها أن نتوقع تقهقرا لوضع هذا الكاتب المعنوي أولا والمادي بشكل مريع وإيقافه عن العمل قسريا، أليست الحكومة وهيئاتها الثقافية واتّحاداتها الناشطة التي تدّعي حماية الكاتب والتي تكلّف خزائن الدولة الشيء الكثير، هي المسؤولة عن حماية الكاتب ورعاية شؤونه ومصالحه؟ ثمّة مبتدِئات بالكاد يملكن قاموسا لتدوين جملة ركيكة، ومع ذلك أصبحن في مقدّمة الركب يترأسنّ منابر ويفتتحن مطبوعات ويشرفن على البورصات الثقافية وتوضع في تصرّفهّن أرصدة باهظة تدعم ظهورهّن بكل الترف الذي لم يحلمن به حتى في أشهى أحلامهنّ، وأنا التي أكتب منذ عقدين من الزمن وشهدَتْ بحقّ أبجديّتي المتميّزة أهم الأقلام العربية على امتداد الخارطة الثقافية، ومع ذلك لازلت مطالبة بتأكيد شرعيتي وأحقيّتي الإبداعية، لا لشيء سوى أني اعتمدت على رصيدي الفكري الروحي الإنساني بجديّة أعتزّ بها، لا على رصيد علاقات مشبوهة لا تخلُ من زيف ورياء، كلّ هذه الجدلية التي أعيش مدّها وجزرها كفيلة بجعل الإصدار وصاحبته، موضع الاكتراث والمُتابعة من قِبَل الذين يكرهون ويكرهون، ويتقنون جيدا كيف يكيدون الكيد وملحقاته، وكلّما أحكمت دائرة التنغيص والتعتيم والإعاقة حولي، كلّما أدركت نجاحي أكثر، الذي لم يعد سرّا يخفى على أحد.

< زرتي ليبيا سنة 1998 وشاركت في مهرجان الربيع ما هو انطباعك عن تلك الزيارة وكيف رأيت المشهد الثقافي الليبي؟- بين 1998 وبين اليوم 2008 عشر سنوات مضت وهذا عقد كامل من الزمن، وهو يعتبر وقت طويل نسبيا بعمر الشعوب والدول على صعيد الدول المتقدمة الساعية لأي تطوّر كان، أو حتى تقهقر أو تردي كما يحصل عادة في العالم الثالث وحده، ومن المجحف بحق ليبيا أن أتحدّث عنها في المرحلة المذكورة، فقد كانت تعاني معاناة فادحة بسبب الحصار المفروض عليها، ومهرجان الربيع كان لفتة ذكية وهامّة جدا من القائد معمّر القذافي عندما استقطب 500 شخصية فاعلة من جميع دول العالم لتشهد وترى، وأفخر أني كنت الشاعرة الوحيدة من بين 38 شاعرا اعتلوا المنبر للمشاركة، وعدّتُ في حينه مُدججةً بالأحاسيس والمشاعر المُتناقضة وخاصّة أنّ الكرم الليبي فاق التوقّع فقد كانت رحلة فاخرة بامتياز كُتَب لها بحكم تقّطع أوصال الخطوط الجويّة الواصلة مباشرة إلى ليبيا أن نقوم بجولة مترفة عبر عدّة عواصم عربية ونمضي في فنادقها الراقية، أياما ناهزت الشهر ويزيد استغلّها البعض من الوفد المُشارك أيّما استغلال أسفر عن أرقام باهظة للغاية. ولم تكن المحطّة الليبية وهي أساس الجولة، تزيد عن ثلاثة أيام فقط، كُثّفتْ فيها البرامج بشكل هائل ومُرهق في آن، وأرهقَ ما كان فيها، شعوري بمعاناة الناس الذين لفتني بهم تلك العفوية والطيبة والتلقائيّة والغصّة المريرة مما يعانون، وكتبت في حينه عن ذلك في أكثر من صحيفة عربية، وتحدّثت تلفزيونيا في عدة محطات أهمها في ذاك الوقت عبر شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال (l.b.c.) وعلى شاشة المستقبل وغيرهما، ولا أستطيع أن أجزم بشأن المشهد الثقافي في عجالةِ وعموميةِ ما ذكرت، ولكن في الإجمال ثمّة مبدعون حقيقيون لا يزالون داخل الجماهيرية الليبية نعتزّ بنتاجهم الإبداعي الذي يصل بخفر شديد ربما، وأيضا هناك مبدعون كثر تخطّوا جغرافيا الجماهيرية إلى تخوم العواصم الفسيحة لاحتواء الضوء. وبجميع الأحوال أستطيع القول أن ليبيا الألفية الثالثة تختلف عما كانت عليه وهي على أهبّة الانفتاح والنهوض، ولطالما لفتني القائد معمّر القذافي بسياسته الآخذة في التصعيد أحيانا والتهدئة أخرى، وكأنّه يملك فراسة عميقة تخوّله ضبط اللحظة الحاسمة للصعود أو الصمود، للإقبال أو الإدبار. وربما أكتب عن ذلك في مقام آخر بشكل أكثر تفصيلا.
< المشهد الثقافي اللبناني كيف ترينه؟- المشهد الثقافي اللبناني بجميع تردّياته، يظلّ الأكثر حيوية في المنطقة العربية عموما، يساعده في ذلك وفرة المنابر وتنوعها، الانفتاح على الآخر وعلى كافة التنوعات الثقافية، أضف إلى وفرة الوسائل والوسائط الإعلامية من مرئي ومسموع إذا استثنينا المكتوب منها، ولكن ثمّة واقع يفرض نفسه وهو أنّ الثقافة الفعلية للأسف هي حكر على دائرة الضوء، وقد وُظّفت توظيفا سخيّا لخدمة "البريستيج " الاجتماعي والسياسي على حدّ سواء بما فيهم الاقتصاديين الذين دخلوا الدائرة الثقافية لاستثمار الضوء بجيوبهم المُتخمة، وليس بنبضهم الحيّ الرشيق. لا شكّ من توفّر الكثير من المناسبات الثقافية في لبنان، ولكنها مناسبات أقرب للتبادل والتباهي الاجتماعي أكثر من كونه للتلاقح الفكري، والتلاقي الوجداني.

< شبكة المعلومات الدولية قدمت الفرصة لكل المثقفين في التواصل مع القراء بكل سهولة ويسر فهل ترين هذا التيسير حالة صحية أم أنه في أغلب الأحيان يكون على حساب الكتابة الجيدة الرصينة والحقيقية؟الشبكة العنكبوتيّة هي أشبه بسوق عام، فيه الغثّ وفيه السمين، للجميع الحق في عرض بضاعته، والمتلقي يخضع لمفهوميّ العرض والطلب، فالكتابة الجيدة متوفّرة والرخيصة كذلك، ولكن السؤال هل كل من يكتب لا يزال يعتبر بقدسية الكلمة ومسؤولية وقعها؟ نقرأ لكتّاب كبار جدا يشغلون أكثر المنابر بريقا ومع ذلك، يقتصر التداول المُبهم وتكريسه المُريب على أهمّية الاسم، بغضّ النظر عن فحوى ومضمون النص الذي يأتي خاويا بكل معنى الكلمة في كثير من الأحيان، لكنها اللعبة الثقافية ولها ملائكتها وزنادقتها. أثيريّا كما ورقيّا بذات القدر وإن بدت أكثر.
< كيف ترين الحرية في العالم العربي؟- الحرية مفهوم نسبي، لا مفهوم مُطلق، ولا شكّ يختلف هذا المفهوم بين بلد عربي وآخر، كما يختلف في البلد الواحد بين بيئة وأخرى، فما يتوفر في لبنان مثلا كبلد دفع باهظا ثمنا لحرّيته ولا يزال يتكبّد الشيء الكثير لأجلها لا يُمكن أن نراه في بلد كالمملكة العربية السعودية على وفرة كل شيء فيها، والحرية ليست مجرد شكل منفلت من عقال الالتزام، أو مجرّد ترف ومنشآت لا حدود لفخامتها، الحرية معنى ومبنى وأسلوب ومسؤولية قبل كل شيء، شخصيا لم أعرف المعاناة في أي مرحلة من المراحل، وسعيدة جدا بما توارثته من عادات دمشقية عريقة حملتها معي باكتراث بالغ نظّمت مفهوم الحرية لدي وهذّبته.

< لك تجربة في كتابة الزوايا والأعمدة في عدة صحف عربية ، كيف تقيمين هذه التجربة وهل تلك المواعيد الثابتة مع القراء تزيد من مسؤولية الكاتب؟- ثمّة مرحلتان للكتابة في الصحافة العربيّة، تتمثّل في حضور واسع النطاق ما قبل إصدار إسرائيليات بأقلام عربية، وحضور رغم الغياب المتّفق عليه في عموم الصحافة العربية لما بعد إصدار إسرائيليات بأقلام عربية، ولا يخفى على العاملين في هذا المضمار أنّ الكتابة بالنسبة للكاتب ليست مجرد وسيلة للظهور والتعبير عن الذات، بل مجالا حيويا لكسب الرزق المشروع، وخاصّة أنّ الكاتب لا يملك وسيلة أخرى غير قلمه ليعتاش منه ماديا ومعنويا بذات الوجوب والضرورة. وحضوري في الحالين لم يكن بحكم صلاتي وعلاقاتي ومساندة هذا أو ذاك، فأنا خبيرة في تكديس العداوات ويندر أن أفلح في الاحتفاظ بما يشبه الصديق إذا استثنيت فكرة الحصول على صديق بمعنى الكلمة، ولطالما كانت مقالاتي الأسبوعية مثيرة للجدل، ودائما ثمّة قارئ متطرّف على شاكلتها، كأن يتقبّلها عموما أو يرفضها عموما، ومن هنا فَرَضَتْ مقالتي الأسبوعية نفسها لما فيها من طرح جريء ومباشر، حمّلني الكثير من التَبعات التي أتمنى ألا تصل حدّ الويلات، ووقتها لا ينفع حرف ولا حبرٌ ولا من يحزنون.قبل إسرائيليات بأقلام عربية كنت قد اعتدت تصدير المقالات في وقتها، واعتاد القارئ تناول مقالتي بكثير من اللهفة، كنت أتلقى على أثر كل نشر الكثير من الآراء والتعليقات، بعد إصداري المذكور < لك تجربة إذاعية حدثينا عنها وكيف جاءت هذه الفكرة هل هي منطلقة منك ، أم أن ثقافتك وشخصيتك وجمالك جعلوا المهتمين يقومون بدعوتك للعمل الإذاعي؟- تجربتي الإذاعية في إذاعة "صوت بيروت " تجربة ممتعة بالتأكيد، تجربة أدين للمهتمين بإتاحة فرصة ربما لولا أن توجّه لي تلك الدعوة لتقديم برنامج إذاعي لما تنبّهت إلى تلك الإمكانية المتوفرة في خامة الصوت وإمكانيّة إدارة الحوار وتسخير المخزون الثقافي والمتابعة اليومية لمعظم المُستجدّات كل ذلك كان رافدا لاستطاعتي على الارتجال الدائم داخل الاستديو، وجميع الضيوف تشيد بتلك الملكة على الارتجال المتواصل ضمن سياق الحلقة كأسلوب إعلامي جديد يتيح أكبر مجال للتفاعل والتحاور على مدار البثّ، أمّا عن جمالي الذي يأتي في آخر اعتباراتي فأرجو أن يساندني لتوفير فرصة مماثلة في مؤسسة تلفزيونية تحترم نهجها، وتحترم مشاهدها، وتحترم إمكانيتي بذات القدر.
< غادة السمان هذا الاسم قد يتبادر لذهن من يسمعه أن المقصود منه هي الكاتبة السورية غادة أحمد السمان هل أنت تسعدين بهذا الخلط؟- أجزم أنّ السعادة من نصيب سواي في هذا الخلط، فلولا اسمي المرتبط بحيوية مستمرة لحبر وحرف وحضور لافت، هل كان من الجائز مثلا أن تستحضر ذاكرتك وسؤالك، ذاك الاسم الذي ذكرت في المطوي أعطاف البال؟.

< القضايا العربية والصراع مع العدو ومع الغرب هل في نظرك أن الكاتب والأديب العربي كان لهما بالمرصاد أم أن أغلب أدبائنا في الفترة الأخيرة أخذتهم الدنيا وتناسوا ونسوا قضايانا؟- القضايا العربيّة بعد غياب رجالها ومناضليها الأشاوس ومنظريها ومفكريها وجهابذتها، بالتأكيد أصبحت مجرّد قضايا هزلية، تستجدي السلطة أولا من قِبَل الأديب لتكريسه بوقا من أبواقها، وتستجدي العدو من قِبَلِ الطرفين، ليصبح سندا وجسرا لتخطّي الحدود لغةً ومنابرَ وإصدارات، ليدخل المحافل الدولية الثقافية دخول الواثقين.
< كانت لك كتابات حول مرض البطالة المتفشي في العالم العربي..- داء الإفلاس هو الأخطر في عصر المال والتحولات الماديّة، وعلاج الإفلاس هو علاج فاشل إذا لم يتوفّر الراعي الحقيقي المُنزّه المؤمن بقيمة قلمي ومواقفه وميزاته وحامله.

< غنت من كلماتك الفنانة ماجدة الرومي أكثر من قصيدة حدثينا عن هذه التجربة وكيف ترين السيدة ماجدة الرومي من خلال العلاقة التي تربطكما؟ - ماجدة الرومي شهادتي بها مجروحة تماما، فأنا شديدة الانحياز لصوتها ورقيّها ولباقتها وتواضعها وإنسانيتها وأناقتها في الجوهر والمظهر، أعتزّ أنّ كلماتي عرفت الطريق إلى خلايا وجدانها وحنجرتها، باحتفاء كبير حسب رأيها في أكثر من مناسبة، نتواصل لأوقات بعيدة نسبيا، للأسف يضيق الوقت للتواصل المستمر بيننا، فالالتزامات الفادحة عادة هي التي تقرر لنا أجندة المواعيد.
< ماذا تمثل لك بيروت؟- وطن حقيقي لكنه مُستعار، ملاذ جميل لكنه غير آمن، هاجس حيوي لكنه مؤرّق قضى على بقية سلالات الحلم في داخلي، نبيل أرعن لا يقف ابتزازه المادي عند حدّ.

< ماذا يمثل الرجل في حياتك؟ - همزة وصل لخيبة دائمة.
< كيف ترين الصحافة العربية هل ترينها بعين الرضا في العموم، أم أن الصحافة الصفراء تشكل سوادها الأعظم؟- لا أصنّف الصحافة بناء على ألوانها، لكنّها صحافة مترديّة بالتأكيد، فهي مرآة عاكسة لحال مجتمعاتنا ودولنا وسياسيينا واقتصادنا وما يكتنف كل ذلك من نفاق وتدليس ومراوغة مخزية، الصحافة عموما لم تعد سلطة رابعة كما حُددت رسالتها النبيلة، بل أصبحت سلطة تابعة بعدما فقد معظم العاملين بها أرواحهم الحقيقية واتكلوا على أقنعتهم وقدرتها الفائقة على دخول المزاد.

< ما هى آخر أعمالك الإبداعية؟ - التحضير لإصدار مجموعة شعرية طال انتظارها، لما أتحلّى به من كسل مزمن، ولما يعتري الوقت في بيروت من غدر مفاجئ، ومستجدات مُتعاقبة. ستكون انطلاقتها من عمان - المملكة الأردنية الهاشمية، سأتحدّث بالتفصيل عنها لدى إصدارها قريبا بمشيئة الله.
< كلمة أخيرة تقولينها للقراء وكذلك للمسؤولين عن الثقافة في الوطن العربي؟- افعلوا شيئا للذاكرة واحجزوا لكم وإن سطرا واحدا على متن صفحات التاريخ، كفاكم ثرثرة وخوضا في الحبر الفاسد، الصحافة كلمة وموقف أمام الذات أولا، ستهترئون قريبا وتلعنكم الحقائق التي تعلّمتم وأدها وطمر رؤوسكم في الوحل إلى جانبها، أخرجوها للنور لتخرجكم معها، ثمّة أجيال تزدريكم، لا تأبه لرغوة الكلام

نقلا عن صحيفة الجماهيرية الليبية

اتّفاق الدوحة وما غاب عن الأذهان!


GMT 12:30:00 2008 الجمعة 27 يونيو
غادا فؤاد السمّان
ربما لم تكن الشيخه "موزه " حاضرة بينهم بقامتها الميّاس التي ترشح أناقة وأنوثة، ولم ترتق عدسات المصورين لالتقاط تفاصيل ملامحها المكتظّة بالجاذبية والسحر، ليتفاقم من حولها عدد المأخوذين بها إعجابا وانبهارا ودهشة، عندما الْتَأمََ مؤخرا شمل الأخوة الألدّاء في {الدوحة – قطر }، لتوليد الاتّفاق "الحل " بعد تعثّرٍ موجع ومخاضٍ عسير دام أكثر من 144 يوما من الفراغ الدستوري والمناورات الطائشة التي بدأت بالتراشق الإعلامي واختتمت الجولة الحاسمة بالذخيرة الحيّة اشتملت على لفيف من الجرحى وكوكبة من الشهداء وَزّعت حزنها بالتساوي على معظم الأحياء البيروتيّة، وسائر المناطق التي تتسم ب"الإسلام " وتنتكس ب"المذهبية "، إلى أن جاءت اللهفة القطرية رافدا قويّا وربّما خصما ذكيّا للمبادرة العربية، وكان دور المرأة في عموم المشهد مغيّبا نوعا ما، تغيّبا شبه تام في زحمة الأضداد والذكورة الضارية و"المتشارسة " على تكبير الرأس، وتفخيم الأنا، وقهر الآخر، أخا كان أم شريكا في الوطن، إذ أنّ الكلمة لم تعد في قلب الشاعر بل أضحت بانقلاب السلاح على رافضِهِ، ومهما كان الثمن شهيد.. اثنان.. عشرة لا بأس.. المهم حماية الشكل، وليذهب المضمون إلى الجحيم بكل أبناء الوطن وأفراده ومناصريه طالما أنّ الدمّ صار بعهدة السلاح والسلاح بإمْرَةِ القيميّن عليه. وهكذا لا يزال الشرّ على الجرار يجوب المناطق اللبنانية بافتعال مدروس وتأزّمٍ مُنَظّمٍ باسم الوطن مرّة وباسم الإصلاح أخرى وباسم الله والمتحزبين فيه، وليس الهدف تحويل لبنان إلى بؤرة مفتوحة على القتال بل إغلاق لبنان على قتال مفتوح على الامتيازات والمناصب والمغانم والحقائب السياديّة المكتسبة بالقوّة........... لا بالتراضي.
ومع أنّ الشيخه موزه آثرت عدم الظهور خلال انعقاد مؤتمر اتفاق الدوحة بشكلٍ مباشر، فهي ولاشكّ قد كانت في مكان ما.. تُمارس حضورها الكثيف بسخاء معهود وهذه المرّة لم تكن مجرد سفيرة للتغيير الإيجابي والتصالح، كما هي أيضا سفيرة للنوايا الحسنة باختيار الأمم المتحدة، عدا عن انهماكها بالإعلان عن إنشاء مؤسسة قطريّة بامتياز لتوظيف الشباب في ست دول عربيّة، إذ أنها وبالتأكيد كانت تولي أهميّة قصوى لدورها الأمثل كزوجةٍ صالحةٍ تُعزز هيبة الشيخ "حمد بن خليفة آل ثاني " أمام مراياه. تُؤازر معنوياته التي وُضِعت على محكّ المسؤولية الصعبة وإرهاقها الكبير. تُساند قراراته الحاسمة برُشْدِ المرأة وحنكتها الضارية. تُرمّم ثغرات السياسة بكياسة الأنثى ودبلوماسيّتها الفطرية. تُشارك في رسم الخطّة لتقديم المقترح بلمسةٍ ناعمة إن لم نقل حالمة أو حانية تجلّت في الختام. تُساهم في صبّ "الدراهم " مفاتيح الحلّ الأمثل لفتح الأقفال المتكلّسة بين الأطراف المتنازعة، وهي الأعلم بأهميّة الدراهم ومفعولها "البلسمي " القادر ليس فقط على رتق النزاعات من أجل الوطن، بل على استئصال الوطن كليّا من ذهن النزاعات إن لزم الأمر والأمن معا في غمرة الراهن والشائع من ثقافة الالتباس.ولا ريب أنّ موزه قد واظبت على رشّ عطر التهدئة الفاخر الذي تسرّب من مسام الأمير إلى قاعة الاجتماعات التي سرى فيها شذى المواجهة وطيْب البوح ولباقة الوئام. ولم تنس موزه بالتأكيد أن تزكّيه ببخور المحبة، ولم يفتها قطعا ترداد تعاويذ الألفة وتكرار تمائم الوداد لتلطيف أمزجة الضيوف طوال فترة الإقامة الفاخرة، وتليين القلوب الصوان التي أنبتتها المرحلة والأطماع. تزرع همساتها في مسامع راعي المحنة العربية - اللبنانية الداخلية - الشيخ "حمد بن خليفة آل ثاني " ليقطف ثمار التوصيات الناضجة في حقل ذهنٍ صافٍ وقلبٍ شاسعٍ مشعٍّ، ثمرة تلو الأخرى مخصّبة بحكمة الزوجة ومجمّلة بحنكتها بصفتها الاعتبارية كمستشارٍ أوّل ومستشارٍ أقرب لقرار الأمير ومواقفه، وهكذا أوْلَمَ الشيخ حمد على شرف الهمسات الجانبيّة الأساسيّة الدافئة مائدة عامرة بالترضية لكافة المتصالحين ب"الضرورة " لحفظ ماء الوجه، الذي تعهده الشيخ حمد قناعة وثقة ويقينا بعدما أخذ على عاتقه إنجاح الاتفاق وإخراجه إلى النور، ليصبح بالتالي رجل المرحلة بلا منازع على الرغم من تنازع الأطراف العديدة لتسيّد المناسبة- الفرصة في المنطقة العربية، ريثما تحلّ كارثة خلافية على مستوى قطر من الأقطار الأخرى، وتفتح حتما بابا لزعامة عربيّة بديلة أو زعامة قَطَريّة مستمّرة... هكذا طيّب الشيخ حمد الخواطر المأزومة، وحاول بسخاء إشباع النفوس النهمة للامتيازات والمناصب. كان الرجل هادئا رغم كل المهاترات، ومتّزنا في مهبّ كلّ اختلال ساد، مسالماً في غمرة شهوة النوايا وشهيّة بعض الأطراف المفرطة للحرب المفتوحة على كافة الجهات، كان باختصارٍ شديدٍ هو نفسه وهو وحده الذي بمستطاعه أن يُصافح المقاومة بيدّ....... وتسيفي ليفني، وإيهودا باراك بالأخرى .. دون أن يثير استياء أحد أو سخط أحد أو انتقاد أحد على الإطلاق، بل كل ما يصدر عنه هو دائما على الرحب والسعة.كان رجلا في زحمة المتناقضين وسلسلة المشاحنات المعجّلة منها والمؤجلة إلى أجل معلوم وأسباب قد تُسمّى، وليس من اليسير اعتبار الرجل رجلا في زمننا هذا بعدما شاع تزاحم الأشباه، والرجل الرجل كما هو معلوم لا يُمكن أن تواكبه إلا المرأة "العشتاريّة" البريق، ومن سوى موزه استطاعت أن تُحقق معادلة الاختلاف، الاختلاف عن معشر النساء وسطحيّته، وسذاجة العقل ومحتواه، ورتابة المنهج وخوائه، ربّما ليس لأنّ المرأة في عالمنا العربي أقلّ كفاءة، بل لأنّ الآخر في حياتها أكثر غوغاء. وموزه امرأة تمايزت بجدارة، حين تربّعت فوق نون النسوة كدرّة فريدة، ربما لطائل الحظّ.. كونها جمعت المجد من ضفتيه، كابنةِ شيخ وزوجةِ شيخ.. استحقّت في الحالين عزّها، من العناية الإلهية الفائقة التي لا يختلف عليها اثنان. وكل ذلك لم يُغْنِها من فرط الإرادة والعزيمة والتصميم في صنع مجدٍ محايدٍ عندما لم تكتف موزه بإرثِ المجدين، بل لطالما أوجدت لشخصها هامشا جديدا لانبثاق الضوء وسيرتها تشهد، وهذه المرّة كان ضوءا مبهرا تسلّط عربيا ودوليا ولبنانيّا خاصّة بحقِّ قطر وأميرها حمد بن خليفة آل ثاني، الرجل الذي يجدُر القول عنه أنّ رحابة صدره كانت تتصدّرها موزه ضمنا كامرأة حصرية، وربما كسرٍّ مكنونٍ غاب عن الأذهان من أسرار الحلّ وأسبابه، تماما كما هي تتوّج حبّا في رحابِ البلاد دائما كعنوان عريضٍ للمُباهاة.
تمّ اتفاق التسوية إذا في خمسة أيام فقط، اتفاق عجزت عن إيجاده كل المساعي ولأشهر طويلة مضت، لتسفر فيما بعد عن مُباركة سعودية مصرية سورية... وإيرانية بلا شكّ. ويبقى السؤال هل أنجز الشيخ حمد دوره كاملا ورضيَ الاتفاق الذي أعاد المتنازعين إلى نصابهم الموضوعي ونصيبهم العقلاني؟ ليعود بالتالي إلى شؤون بلاده وشجون الزوجة مكتفيا بما كان؟ أم أنّ المُستجدات التي تتلاحق على الساحة الأمنية اللبنانيّة تردّيا وتقهقرا واشتباكاتٍ، تُرتّب على الرجل أن يتكفّل المزيد من الجهد والحوار والمقترحات وربما الفواتير المُستحقة الدفع كضريبة للتسوية، مما يُحتّم بالتالي على الزوجة موزه أن تتكبّد المزيد من الأناة والصبر والمؤازرة؟...
ويحضرني سؤال أوجهه لنفسي كامرأة أولا.. ولكل قارئة استفتيها هنا لتتأمّل قليلا: هل حقّا كما نظنّ أو نعتقد أنّ الشيخه موزه أكثرنا وأكثر بنات جنسها سعادة؟ وهناءتها الذاتيّة وسعادتها الزوجية مرهونة لجداول المواعيد وأجندة الالتزامات وقوائم المراسم ولوائح البروتوكولات؟ هل هي امرأة جَلَود تُعالج صبرها بنجاحات ظاهرة، وفي قرارة نفسها دويّ نبضٍ حائر خفي يفتقر ويفتقد بصمت لا يعرف التذمّر أو الشكوى، إلى صدق اللحظة وحميميّة الخصوصية بين المولّهين؟.
www.geocities.com/ghada_samman
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

دوامة اللاعبين الكبار والضمائر المُتستّرة


GMT 16:30:00 2008 الأحد 8 يونيو
غادا فؤاد السمّان
بين المعسكر "الإيراني " والمعسكر "الأمريكي " مشهد مثير لصراع الجبابرة بالعرض البطيء، بين اللاعب "السوري" والمُناور "الإسرائيلي " تنهيدةُ تربّص لمحاولةٍ محتملة ٍعلى المدى المفتوح لضربة جزاء أو ضربة تعدّي أو ضربة معلم، قد تؤدّيها سورية التي تُميّز دورها منذ عدّة جولات على أكمل وجه، بين المُحكم "التركي " الذي تقدّم بضعة أشواط على المحترف "الفرنسي " الآيل إلى الفتور السياسي الهامد نسبيّا، ريثما يستعيد لياقته الدبلوماسية، ومرونته في تصدير الضغوط لكسب طرف على حساب طرف آخر من جديد، بين "حزب الله " الهدّاف الأوفر حضورا وحظوظا هذه الدورة السياسية بامتياز والمهاجم الأصعب لتيار المستقبل الذي آثر مُدرجات الترقّب والمُشاهدة يقينا منه ربّما بحكمة الخواتيم على طيش البدايات، بين تحرير وسط بيروت التجاري من قبضة المعارضة اللبنانية وتحرير نسيم نسر من المعتقلات الإسرائيلية بمقايضة عادلة تمّت على الشكل التالي: أسير واحد حي مقابل أشلاء ثلاث جثث إسرائيلية مدّخرة لتقايُض مماثل لا يعلمه إلا الله وحزبه، ولا يقرّه إلا الفقيه وورثته على الأرض، بين حرق بيروت وحرق الإطارات المطاطيّة وحرق قلوب الثكالى المفجوعة على أبنائها وحرق المراحل لكسب الوقت اعتبارا من 7 أيار 2008 مرورا باتفاق الدوحة في 21 أيار وصولا إلى انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية "ميشيل سليمان " وما توالى ضمن الفترة المذكورة من أحداث مذهلة وتصعيدات هائلة أسفرت عن قتلى وجرحى ومصافحات آنيّة كثيرة وإرباكات مؤجلة أكثر، نهضت تظاهرة "الماراتون " في 2 حزيران من الشهر الجاري انطلاقا من ساحة الشهداء لما لهذه الساحة من صور متعاقبة وذاكرة تراكمية مكتظّة بالغيظ المُتبادل، لتعلن فرحا استثنائيا أشاع البياض والبسمة بعد عام ونصف من الحزن والشلل والشحوب، سبقتها سلسلة من الحفلات الفنية لكبار النجوم في المكان عينه استقطب كما الماراتون كل الأهالي على اختلاف انتماءاتهم المذهبية والطائفية والعقائدية، رغم أنف كل الخلافات السياسية الضارية، إذن لبنان دخل مرحلة جديدة من الاستبشار خيرا واستعادت الناس بقدرتها الاستثنائية على التكيّف والنهوض بهجتها وفرحها وتفاؤلها وإن على مضض، فالواقع السياسي بكل حيثياته الخارجية ينعكس بشكل مُباشر على الوضع الداخلي بلا استثناء، والغريب أن عوامل الربط الخارجية متاحة باستمرار لتهديد الأمن في بيروت وما يتفرّع عنها من مناطق وتيارات، ولعلّ لبنان الذي يختلف في المنطقة العربية منهجا وأسلوبا ودستورا وشعبا وأحزابا وزعامة وقناعات، هو كذلك يختلف اختلافا جذريا بنسبة التأثّر الخارجي التي تنعكس انعكاسا مباشرا تضطّره للبدء ربما من نقطة الصفر في معظم الخلافات الدراجة والمستوردة خصيصا لإعادة تشكيله المفصلي في المنطقة وهندسة دوره الحيوي الفاعل في تركيبة المعادلات السياسية ضمن موازين القوى، وكأنّ لبنان عبارة عن ورقة يانصيب في مهب القرارات والقوى الكبرى، أو ورقة بوكر على طاولة اللعب الدائر في المرابع الدولية السياسية التي تحتفظ بلبنان عادة للحظة الحاسمة، الغريب أنّ جميع العوامل الداخلية في لبنان من أحزاب وطوائف وتيارات وعقائد وحتى محايدين، هم بمثابة عناصر مسانده ومساعدة لتوسيع نطاق الاحتمال بتوضيب كافة الفرص لتعزيز حَلَبِةِ الدوامة التي لا تنتهي حتى وإن تبدّى الأمر على خير ما يُرام، إذ أنه دائما ثمّة تسهيل لنشوء المتاهة واستمرارها على كافة الأراضي اللبنانية قاطبة، وهنا تكمن المُفارقة، فبانعدام شرعية الحكومة التي كانت تشيعها وسائل المعارضة الإعلامية على الدوام كانت الأزمة السياسية قائمة في لبنان تتلازم وتتزامن مع جميع المُستجدات الخارجية الإقليمية والدولية على حدّ سواء، وكأنّ الحالة السياسية في لبنان هي أشبه ببورصة يتحكم بها كل المساهمين الجدد والقدامى وما بينهما، السؤال وبعد أن استردت الحكومة اللبنانية تكليفها الشرعي لتشكيل الحكومة الوطنية القادمة بموجب اتفاق الطائف سابقا وبمباركة فعلية من اتفاق الدوحة لاحقا، لماذا لا تكون الحكومة اللبنانية حصانة أكيدة للشعب اللبناني على اختلاف اتّجاهاته من التأثيرات الخارجية المُتحكّمة بدرجة فتور الأحداث أو غليانها، إن من جهة الناس وما ينتابها من المخاوف والكوابيس بعودة العنف إلى الساحات والشوارع والأزقة والنفوس التي تعاني وتشيع تلك الهواجس فيما بينهما وتتداولها كخبزها اليومي، وإن كانت تتحلّى عموما بالابتسامة والتفاؤل والصبر، أو من جهة استعداد كافة الأطراف الحزبية والزعامات السياسية والتيارات المسيطرة بقوّة السلاح خاصّة والتي تهدد ودون سابق إنذار الأمن الوطني في لبنان إرضاء لغايات ودول وإرادات وقوى تبين في جملة ما تبيّن أنّ كل ما يجري ما هو إلا في سبيل تفاصيل صغيرة تبدأ بعناوين عريضة جدا وتنتهي إلى ثلّة من المصالح والأطماع والمطالب والنفوذ لا أكثر ولا أقل. فهل الديمقراطية اللبنانية هي التسمية الفرعية أم الفعلية لمفهوم الدوامة؟..وهل هي الديمقراطية التي أتاحت فرصة التسلّح والمواجهة الداخلية، لتصير الأكثر شؤما في تاريخ الديمقراطيات، أم أنّ الحكومة التي يُمكن أن تدخل مرحلة جديدة من مراحل الصراع المقدّر والمحتمل إن لم يكن الحتمي على شرف الانتخابات النيابيّة القادمة، والانتخابات الوزارية الراهنة التي لا تخلُ من توتير في الأجواء وكهربة في النفوس وسعي متكرر لنشوب اضطرابات قد تعيدنا إلى تاريخ سابق نحاول شطبه ونسيانه بصعوبة من مخلفات الشهر الفائت 7 أيار وما تلاه، وكأنّ الطمأنينة في لبنان قدر عصيّ على الاكتمال، باختلاف دول الجوار التي تنتخب من تنتخب بهدوء وتعيّن من تعيّن بقرار، وليس من حقّ أحد على الصعيد الداخلي أن يعترض أو يعبّر عن أدنى شكوكه أو أقلّ وجهات نظره التي يجترّها بصمت ويبتعلها بغصّة، أمّا عن التدخّل الخارجي فدائما ثمّة مفاتيح وأقفال تقتصر على المشاورات المغلقة فوق الطاولات المستديرة وما تحتها.www.geocities.com/ghada_sammangaidoushka@yahoo.com

أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
window.google_render_ad();


تعليقات القراء
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إيلاف.

GMT 16:17:19 2008 الإثنين 9 يونيو
1. العنوان: شكرا
الإسم: بنت الجيزه
شكرا ياغادا على التحليلات الزكيه والفكر الثاقب. نرجوا مزيدا من المقالات

لتعرف عدوّك.. صادقه: إلياس خوري صدقت رؤياك


GMT 6:30:00 2008 الجمعة 13 يونيو
غادا فؤاد السمّان
لا شكّ أننا قد نشأنا في حاضنات ثقافية محدودة الأبعاد والمعالم، لهذا أصِبْنا بنقصٍ في حواس المعرفة، أدى إلى ظهور إعاقة ذهنية مزمنة وواضحة تجلّت وما تزال في العديد من المؤشرات الثقافية الحيّة ، إذ أنه لم يكن من الجائز فيما مضى تلمّس المجرّد للتأكد أو التوثيق في أيّ حال من الأحوال، أو حتى تجريد الملموس إمعانا في تطوير الممكن أو إسهاما في نفيه تحت أي ذريعة أو طائلة أو غاية تُذكر، فالمسلمات هي المُسلّمات، والبديهيات هي البديهيات، وليس أمامنا من اجتهاد سوى الاغتراف بنهم من مشارب الأولين على اختلاف تصوراتهم ورؤاهم وقناعاتهم ثابتة كانت أو متحوّلة، محقّة كانت أم مُتحاملة، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، لكنها وحتى يومنا هذا الذي خرج من رحم القرن العشرين ليدخل في عنق زجاجة القرن الواحد والعشرين الذي يختلف اختلافا كلّيا في الشكل، لكنه يتشابه حدّ التطابق في المضمون لاحتفاظه بكامل إشكالاته التي لم يرتق الفكر العربي على تقديم أي حلّ جذري في غمرة كل الاشتغالات والدراسات والبحوث التي قُدّمت ولا تزال، ورغم كافة المحاولات التي لا تكفّ السعي من أجل التغيير الجذري إذا استثنينا فكرة الإصلاح الذي يحتاج إلى ما كان يُسمى في زمن الخلق بالمعجزات إذ أنّ الواقع بجميع حيثياته ومعطياته ظلّ يراوح بلا جدوى مراوحة تتلخّص في عدّة مواضيع شائكة تتمحوّر حولها معظم التحدّيات الثقافية، والتي دخلت مرحلة جديدة من مراحل الصراع "التنظيري " المتُلازم والمُتزامن مع انحراف العصر عن مسارات كثيرة لم تعد أسيرة سياقاتها المألوفة، كالحديث في الدين أو الخوض في السياسية أو الاستطراد في الجنس، ولعلّ أبرز ما نعانيه من قصور ذهني هو انعدام القدرة على الحوار على اختلاف أسسه وقواعده وأهدافه وارتكازاته، إذ أنّ معظم مباني الحوار الناشئة أو الأصيلة التي تُبنى تِباعا على ناصية أي صعيد كان، هي مبانٍ هشّة آيلة في معظمها إن يكن في مجملها إلى السقوط، وثمّة سؤال لا بدّ منه تأخر زمنا لا يُستهان به كي يجد منصّة للعرض، الصراع العربي – الإسرائيلي إلى متى؟ وإلى أين ؟ وكيف؟.ربما أنّ فكرة الصراع العربي – الإسرائيلي كانت تتناقل بالتواتر والتداول والتوريث قطعا لفكرة الصراع نفسه، بغضّ النظر عن فكرة المصير، فالفيتناميين انتصروا في حروبهم من أجل المصير لا من أجل الصراع بتمييز دور الغالب من المغلوب، والكوبيين احتفظوا باستقلالهم لمحافظتهم على زمام الإرادة والقرار، في حين أن الصراع في العالم العربي لا يزال مفتوحا على المجهول، بتشرذم القرارات العربية وتشتيت الإرادة القومية، التي أجهضت العزيمة الوطنية، بفعل الخيبات المتلاحقة، فلم تعد الأصوات العروبية مهما جلجلت قادرة على استقطاب الجماهير "الغفورة " التي أرهقها الترقّب وأمضّها الانتظار. أقرأ نصّا للروائي المعروف "إلياس خوري " لوهلة أولى،الأحرى لذاكرة استباقيّة شاخصة يتعثّر فيها تمرير النص بسلام، مما يحفّزني لأن أتفرّس السطور بحذر شديد وبعض الدهشة، وهو يتحدّث عن "إيلان بايّه " وغيره من "الإسرائيليين " بكثير من العاديّة كمن يتحدث عن زميل دراسة ورفيق درب، فيتضح أنّ الحذر لا يُمكن أن يصبح قانونا من قوانين الوقاية حين يعتمد اعتمادا رجعيا على السلفية الذهنية، وربما نلمس ولا أغالي من صميم النص وكل ما فيه من مسرود كتابي نحتاج لكثير من التأني والحيادية لقراءته مرّة تليها أخرى وخاصّة عندما تكون المفاتحة السردية على هذا المنوال:" التقيت ايلان پاپه وافي شلايم ورشيد الخالدي والروائي والشاعر الإسرائيلي اسحق لاور. كانت أياما ساحرة، حيث كنا نمضي النهار بالتمتع بتدريبات الاوركسترا، والتفرج على قائدها المدهش وهو يحرك بعصاه نبضات قلوبنا، ثم ننصرف في المساء الى مناقشات جمعت السياسة الى التاريخ والادب."
لم يوارب إلياس خوري فيما أراد أن يقول، ولم يفتعل حوارا مع إيلان بايّه لتوثيق علاقته مع أصدقاء الغد.. واليسار المجيد، بل كان منقبّا صادقا عن الحقيقة، تلك الحقيقة التي طُمست ملامحها لدى الجانب الفلسطيني، فساءه أنّ المجازر قد ارتكبت ولم تجد من ينصف تاريخها عبر أجيال المقاومة والسلاح، لكنه وبحوار جاد ونقاش عميق وهادىء أثمر حقيقة حيّة مدوّنة لا كغيره من النقاشات العقيمة، فقد استطاع أن يدوّن ما هو أبعد من الحوار، وأبعد من القارىء، استطاع إلياس خوري أن يدوّن اعترافا شخصيا من إيلان بايّه الذي عرف كيف يتصالح مع ماضيه بإماطة النقاب عنه، فحوّل إلياس خوري الحوار بذلك إلى وثيقة تاريخية لأكثر من قارىء بل لأجيال من القراء على امتداد التاريخ، وهو يسجّل قول إيلان:" صُدمت بالطريقة التي عامل بها الإسرائيليون الأسرى. بعد نهاية الحرب انضممت الى حزب مبام، أي صرت صهيونيا يساريا. عام 1978 قررت متابعة دراستي في جامعة أوكسفورد والعمل مع ألبرت حوراني، ومن خلال هذا العمل التقيت بالكثير من المثقفين العرب. بدأت اكتشف الحقيقة من خلال قراءة الوثائق الإسرائيلية. ما صدمني في هذه الوثائق كان الحقيقة الواضحة التي تقول بأن قسما من الفلسطينيين على الأقل طردوا من بلادهم. وكان عملي مع مؤرخين إسرائيليين آخرين، من بينهم موسى أولمرت، شقيق رئيس الوزراء الحالي إيهود أولمرت، مناسبة كي أفهم أنهم رأوا في ذلك دفاعا عن النفس. اكتشاف المجازر والطرد هزّ عالمي"، تكفي تلك الجملة الأخيرة لاجتزائها من السياق والإقفال عليها بنقطة كبيرة كي نقول أن إلياس خوري قد أبدع معادلة جديدة مُحققة بشرف، فهو لم يَعْمَدْ إلى الصخب في الكلام، والضجيج في الخطاب، بل أوجد الخلاصة التي تختزل كل ما يُمكن أن يُقال بإيجاز ودلالة" اكتشاف المجازر والطرد هزّ عالمي "، أتداول الوارد هنا مع صديقي الوقور، يحتدّ بضراوة، إذ يعتبرني متحوّلة من متحولات الثقافة البراغماتية، أجزم بل أقسم لو أني لمست هذه الغاية النبيلة في وسيلة الطرح الذي اعتمدته "فدوى طوقان " في تدوين مذكراتها "الرحلة الأصعب "التي اعتبرها الكثير من النقاد والمغالطين أنّ مذكرات طوقان الشخصية هي بمثابة وثيقة للأجيال القادمة، لما كان بوسعي أن أتطاول بكتابة سطر واحد من سطور كتابي "إسرائيليات بأقلام عربية ".لعلّ إلياس خوري لم يشأ التشويش والشوشرة على سورية مثلا التي تسير على رؤوس الأصابع قدما نحو التفاوض مع إسرائيل على منصّة المسرح التركي بقفازات من حرير وأقنعة من صبر، لكنه وبطريقة مُهذبة ومُبتكرة استعاد الذاكرة الفلسطينية، بإدانة العدو باعتراف علني من أبناء جلدتهم وإن اختلفت الخطوة. لقد أضعنا الكثير من الوقت لعزل وتغييب إسرائيل عن تأكيدنا كواقع قائم موجود ومستبد، وأضعنا الكثير من الجهد لتصديق أنفسنا وتكذيب ما نراه، ويبدو فيما يبدو أنه آن الأوان أن نترجّل عن رأسنا الذي رَكبِّناه طويلا، والذي يُراد لنا أن نواصل ركوبه بحماقة بالغة، ريثما يتركّب المشهد القادم ويؤذن لنا في حينه أن نصفح ونصافح، ونقلب الصفحة التي لطالما كنّا على متنها نعاند ونكافح، يا للصحو الذي ينبّهنا إلى أننا كنّا تحت وطأة أضغاث مواقف، وأضغاث شعارات، وأضغاث هواجس منسية.
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

3 :عدد الردود
تعليقات القراء
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إيلاف.

GMT 12:14:56 2008 السبت 14 يونيو
1. العنوان: لتعرف عدوك
الإسم: أحمد
شكرا للكاتبة على عمق تحليلها لواقعنا , ولكن السؤال هنا: هل مازلنا وبعد اكثر من 60 عاما لم نعرف عدونا ؟ انها لعمري لمصيبة كبيرة ان كنا لم نعرف عدونا بعد! واعتقد ان هناك فرقا شاسعا بين معرفة العدو ومعرفة كيفية التعامل معه.



GMT 13:42:47 2008 الجمعة 13 يونيو
2. العنوان: It is about time
الإسم: Michael Gazelle
حان الوقت لنرفع روؤسنا من الرمال وننظر الشمس والحقيقة. اسرائيل كعدو واقع لا بد من التعامل معه وأصادق الأخت غادة بقولها: (لقد أضعنا الكثير من الوقت لعزل وتغييب إسرائيل عن تأكيدنا كواقع قائم موجود ومستبد، وأضعنا الكثير من الجهد لتصديق أنفسنا وتكذيب ما نراه). سلم فوك.



GMT 13:41:25 2008 الجمعة 13 يونيو
3. العنوان: الوعي المطلوب
الإسم: عائدة
تحية للكاتبة فقد لمست نقطة مهمة جدا ووترا حساسا في كيفية فهمنا للصراع مع إسرائيل . فهناك العديد من الإسرائيليين الذين يتعاطفون مع الفلسطينيين بعد أن أدركوا الحقيقة وهم يشعرون بالخجل من الممارسات الإسرائيلية ولكن المشكلة عندنا أن مد الجسور مع هؤلاء يعتبر كفر وخيانة وخاصة بعد تفشي الأصوليات الدينية وهيمنة الجهل وسيطرة الإستبداد السياسي والديني



عبد الله بن عبد العزيز رجل المبادرات بامتياز
GMT 7:00:00 2008 الجمعة 14 نوفمبر
غادا فؤاد السمّان
*على قَدْرِ أهلِ العَزْمِ تأتي العزائم وتأتي على قَدْرِ أهلِ الكِرامِ المَكارِمُ
هكذا حال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فما إنْ ينفضّ من بادرة حتى يلتفتَ إلى أُخرى، عاقدا العزم على إيفاء القضايا العالقة خارج المملكة ذات الاهتمام الذي يوليه لكلّ المسؤولية المترتّبة على عاتقه داخلها. ليترك علامات الاستفهام بحالة ترقّب دائم ومُساءلة، فهل هي شهوة الإعلام لتكريس الرجل الكفء في زمن الالتباس والتقصير على أنواعه، حيث يقترن الفعل بردود الكثير من الأفعال، وبأشكالٍ مختلفة منها المقروء والمسموع والمرئي المفتوح على الأمداء والفضائيات والتحليل والتأويل والمُباشر، حتى صار الملك عبد الله بن عبد العزيز ذاك الوهج لأمةٍ تكاد تفقد بريقها أو ربّما فقدته وتُكابر، مثلما صار الراعي للشؤون والشجون والعلاجات العربية العاجلة والآجلة والمزمنة بما فيها الميئوس منها وما خفي أعظم، وأيضا الخادم للمقدّسات التي يؤمّها المسلمون من كافّة الأصقاع إيمانا واحتسابا أحيانا، ونصبا واحتيالا وتجارة لن تبور في أحيان مماثلة، وهو الإنسان بشهادة من يحبّه ويوقّره من شعبه ومؤيديه، وهو الساعي لخير الأمّة وعزّتها ونصرتها بعد أن نكّست جبهتها لكثير من الرياح العاتية، وهو المكترث بالتنمية والتنشئة والتطوير والتحديث والتأهيل والتعليل والتسهيل لكثير من القضايا المُستعصية بين بعض الدول وبعض الأطراف المُتنازعة على المصالح والغايات باسم الوطن والمواطن والقومية العربية، في وقت لم يعد يتّسع لا صدر الوطن ولا المواطن ولا المسؤول ولا السياسي، إلا للمصالح والغايات الذاتيّة لدى معظم الأطراف والأصول والفروع!، وهو المهجوس بأمن الأمّة التي يتربّص بها الخطر من أكثر من حدبٍ وأكثر من صوب، وهو المشغوف باستقرارها في زحمة الاحتمالات.ولأنّ البادرة تستجرّ الأخرى، ولأنّ كلمة عبد الله بن عبد العزيز كلمة رجل تُأخَذُ على محامل الجدّ والجدارة والاحترام، كانت كلمته البادرة المتجدّدة والمتجذّرة هذه المرّة بشأن الدعوة الموجّهة للمعنيين إلى مؤتمر حوار الأديان والثقافات، تبنّته جمعية الأمم المتّحدة وفتحت أبواب مقرّها في نيويورك، لاستقبال ملوك ورؤساء دول من عدّة بلدان في العالم أدلوا بشهادتهم وآرائهم الذي تقدمها رأي الملك عبد الله، بكلمة مقتضبة ومعبّرة تؤكد على ضرورة احترام المعتقدات لدى الشعوب، وتُشدد على أهمّية الحوار بين مختلف الثقافات والأديان، قائلا:" إنّ الأديان التي أراد بها الله عزّ وجلّ إسعاد البشر لا ينبغي أن تكون من أسباب شقائهم، وأنّ الإنسان نظير الإنسان، وشريكه على هذا الكوكب، فإمّا أن يعيشا معا في سلامٍ وصفاء، وإمّا أن ينتهيا بنيران سوء الفهم والحقد والكراهية"، وما أكثر الكراهية وثقافة الحقد انتشارا هذه الأيام وخاصّة بفعل اختلاف المذاهب وتنوّعها، التي أتاحت فرصة الزعامات وتسيير العباد تسييرا سياسيا بالدرجة الأولى، بعيدا كلّ البعد عن منطق الثقافة وحصافة الدين أيّا يكن، فلطالما كان التعايش الديني على أنواعه تعايشا سلميّا، وبلادنا العربية هي مهد الحضارات والديانات والثقافات المختلفة والمتعددة، ولم تكن ثمّة مؤتمرات، ولم تكن ثمّة حروب، أو ثمّة نزاعات على مصداقية المعتقد والمبدأ الديني والقِيَم الروحية وطقوس العبادات المتّبعة، بل كان فقط هناك الاحترام والأسوة الحسنة، فمن آثر إتباع ملّة دون غيرها، فله كلّ الحرية وله كامل الخيار، بينما في زمننا الراهن صار التشكيك بالآخر، وتكفيره وتجهيله وتبخيس قناعاته ومصادرتها واختراقها، أولويات الحركات الأصولية التي يتفرّع عنها ويفرّخ منها كلّ ما الدين الإسلامي لأجله براء، وباجتماع رؤساء وملوك الدول يكبر السؤال، هل يملك هؤلاء القادة مفاتيح الحلّ والربط لانتشار وتعميم وتفعيل وتهيئة تلك الحركات الأصولية الناشطة للفعل والضغط والتأثير والتحكّم برقاب العباد وأعناق الشوارع ومنعطفات الكواليس الحزبيّة وكل ما يلزم من تخطيط وتنفيذ وممارسات إرهابية مريعة ومريبة، ومن ثمّ "ضبضبتها " ولملمتها وتحجيمها وإنهائها عند انقضاء الحوائج والأمور المعدّة سلفا؟.هل الدين بهذه الحال يكون غاية أم وسيلة؟.وهل أتباع الدين هم أتباع الإرادة الإلهية، أم أتباع مشيئة الزعامة وما أدراك؟وهل الثقافة في غمرة الحوارات القائمة على هوامش هذه المؤتمرات، هي ثقافة مفتوحة على الوعي والنضج، أم ثقافة مبرمجة ومحددة ومؤطّرة في ذهنيات تحمل أوزارها المُسبقة، لتضيف إلى أعبائنا أعباءً جديدة؟.هل لهذا كلّه تنبّه صاحب الفطرة والبداهة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى تلك المداجن والحاضنات التي ترعى تلك الألغام الموقوتة باسم الدين فتنشر السمّ الرُعاف والشر والانحراف إرضاءً للأصولية والوصولية والانتهازيّة والاستغلالية والابتزاز؟، ولهذا كان لا بدّ له أن يذكّر بمعنى الدين وغايته الروحية لأنه يعلم تمام العلم، أنه ليس عليهم بمسيطر، علّ الذكرى تنفع إذ ينادي حيّا يسمع وقلبا يخشع وعينا عند لزوم الدمع تدمع؟..هل تلبّي مثل هذه المؤتمرات طموحات الطامحين، أم تُعزز أطماع المغالين في غيّهم والجبروت الذي أعلنوه ذات تنظيم وبطشٍ وطغيان؟وهل الثقافة حوار المؤتمرات والمناسبات ليس إلا، أم هي حوار ينبغي أن يستمر على مدار النبض، مدركين تماما أنه ما إن تتوقّف دورة الحوار الحيوية حتى تتخثّر العلاقات الإنسانية في مجراها، وتتجلّط كافة علاقاتها، فإمّا تصيب مقتلا أو تشيع بين أوصال الإنسانية العجز والشلل. يقول تعالى: " يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" صدق الله العظيم.www.geocities.com/ghada_samman
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
window.google_render_ad();

جريدة الرياض



الأربعاء 14المحرم 1429هـ -23 يناير 2008م - العدد 14457
عودة الى الأخــيــرة

السمان تزور "الرياض"

الأستاذة غادة فؤاد السمان الإذاعية والكاتبة المقيمة في لبنان من أصل سوري قامت مساء أمس الأول بزيارة لجريدة "الرياض" حيث استقبلها رئيس التحرير مرحباً بزيارتها وتناول الحوار ظروف النشر والحياة الاجتماعية في لبنان إزاء ما يمر به من ظروف صعبة.

غزّة بين الإعلام والإعدام


GMT 6:45:00 2008 السبت 29 نوفمبر
غادا فؤاد السمّان
على شاشةٍ إخباريّة وأخرى تغيب صورة "غزّة " ثمّ تحضر بشراسة، وليس أمام المُشاهد إلا أن يتابع بفمٍ مغلق، وعينٍ شبْه مفتوحة يُلقّنُ بها ما تُريدُ له " حركة حماس " أن يُلقّنَ من تفاصيل المشهد "الغزاوي " الموزّع على شكل آلامٍ ومرضى وجوع وأوجاعٍ وفجائعَ إنسانيةٍ وحصارٍ ونقص وحرمان بوسعه أن يؤرّق حتى جفون الموتى. ولا شكّ في أنّ حماس كانت ذات شعبية كبيرة واهتمام واحترام لدى الرأي العام على مختلف الأصعدة، وكان ذلك يبدو جليّا للعيان على أنّ حماس صاحبةُ حقّ، وصاحبةُ قضيّة، وصاحبةُ مشروعٍ نضاليٍّ لا يُمكن لأحدٍ الطعن بمصداقيته وخاصّة زمن الشهيد الشيخ أحمد ياسين الذي لم يعقه عن النضال عند الحاجة، والاعتدال السياسي عند الضرورة لا قضبان المعتقل ولا الأسر داخل الكرسي المدولب، إلى أن كان انخراط قيادي حركة حماس في غمار العمل السياسي الذي أودى بهم إلى أروقة السلطة الفلسطينية المشوّشة باستمرار والتي ازدادت تشويشا متعاقبا على امتداد المراحل والمواجهات الفلسطينية المجانية المتفاقمة التي لم ترضي في واقع الحال سوى المستثمر الإسرائيلي لفواتير الدم الباهظة التي لا تُسدد إلا على حساب الشريان الفلسطيني دائما. ويبدو أن تداخل سلطة حماس المعزولة، بالسياسة المتشنجة والمغلقة على الدوام، ناهيك عن افتعال المشاكل المزرية مع إسرائيل خرقاً للهدنة بين اتفاق تهدئة وآخر، كل ذلك نجم عنه بلبلة مؤذية للضمير العربي الموهن منذ نصف قرن ويزيد، ومخزية لطبيعة الانتماء الآخذ في الاضمحلال والتفكك والشرذمة، ليظل رجال حماس ضاربين عرض الحائط كلّ الانتقادات التي توجّه لهم عربيا ودوليا وفلسطينيا وإسرائيليا أيضا.ولعلّ إدمان نكهة الوجاهة والسلطة والقبض على مفاتيح الاقتصاد على هزاله، المتمثّلة في الإمدادات المتقطّعة بين تهدئة وأخرى في غزّة، أتاحت لرجال حماس المغالاة في المواقف، والمبالغة في توتير الأجواء، وخاصّة أنّ الخلاف يأخذ شكله التصعيدي مرحلة طلسمية تلو مرحلة أكثر إبهاما، وتصعيدا "بوهيميا " غير مدروسٍ وغير واعٍ أسفر عن مواجهات متكررة بينه وبين السلطة الفلسطينية المتمثلة بفتح، وعن قصف عشوائي للداخل الإسرائيلي يترتب عليه أضعاف أضعاف الردود والأفعال والمواقف والتحذيرات والعواقب والصفعات التي يتلقاها الأطفال قبل الكبار، والمرضى قبل الأصحاء، والمؤيدين قبل المعارضين لحماس، حتى صار الغزّاويون برمّتهم مشروع قرابين لحركة حماس لا سواها، وليتهم يوفون بالغرض، وتتمّ التسوية حتى وإن كانت على جثثهم ودمائهم وشقائهم الذي لا يحدّ ولا ينتهي، وكأنّ الأزمة في غزّة مكتوب لها "حماسويا " أن تظلّ قائمة ومستمرّة ومتجدّدة لاستكمال رصيد الشهداء والمعتقلين والعاجزين والمشردين والساخطين والناقمين والحاقدين والوارثين للصراع الأبدي الذي اشتُقّ من خبرة ودراية وتصميم عن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي حتى يتعزز بالصراع الفلسطيني- الفلسطيني!وليست هذه أولى إشارات التعجّب التي تتموضع عفوا عبر السياق، بل لطالما كان العجب مواكبا لأحوال الصراع العربي- الإسرائيلي، وذلك بتوفير مناخات خصبة لتكاثر علامات الاستفهام والتعجّب والجدل الصامت أو البيزنطي في أحسن الأحوال، على شكل مهاترات إعلامية مفتوحة، أو مناورات "شوارعية " مذمومة، أو مؤتمرات خطابية مترفة تحصل في بلدان طامعة بالضوء حتى وإن كان على حساب العتمة الدامسة التي يَغرق فيها المستقبل الفلسطيني. لتظلّ شعلة التفاؤل مجرّد فلاشات خاطفة تكرّسها عدسات الصحافة وأضواء الفضائيات. وتظلّ بالمقابل الخلافات الفلسطينية، الشروخ الداخلية، الممارسات التعسفية، كلّ ذلك جملة واقعية ممنوعة من الصرف على طاولة العلاج الفعلي والحلّ الجذري.في حديث عابر جمعني مع أحد الوافدين حديثا من زيارة ميدانية إلى غزّة المحاصرة وهو مثقّف مصري ومدير مسؤول لإحدى المؤسسات المختصّة في الدراسات الإستراتيجيّة، وأتحفّظ عامدة عن ذكر الاسم، خشية أن أكون سببا في أي إحراج أو أي ضرر قد يلحق به، وقد حدّثني عن جولة موسّعة قام بها بين مفاصل "غزّة " المدينة المشلولة بالحصار الداخلي والخارجي على حدٍّ سواء، وكان الهدف من زيارته أن يكوّن خلاصة معينة تكون نواة لدراسة إستراتيجية موسّعة، مفادها أنّ الوضع في غزّة مأساوي للغاية، وخلص يقينا أنّ حماس "حريصة" على استمرار تصدير المشهد المأساوي المرسوم لسكان غزّة حرصا قسريا، يُمكن اللجوء للعنف إن لزم الأمر، قاطعته مباغتة: تقصد العنف مع الجانب الإسرائيلي، أجاب على الفور: بالعكس، البعض يغمغم في قرارته إسرائيل أكثر وضوحا في الوقف، وأحيانا أكثر ليونة في التداول، سألت بدهشة عارمة كيف: قال مثلا: الخارج عن إرادة حماس بعدم موافقتها على سياستها مثلا هو قيد التصفية الجسدية عن أقرب حاجز تنصبه حماس، بينما بوسعه أن يتخطّى الحاجز الإسرائيلي وجلاّ ما بوسعها اعتقاله في حال كان سببا في حال تسبب الشغب وما إليه. قلت: لكن الانتخابات أسفرت عن شعبية واسعة لحماس. قال: للأسف هذه الشعبية التي تتحدثين عنها تشكّلت تحت وطأة الترهيب والترغيب والتهديد والضغوط إذ أنّ معظمها واقع تحت سيطرة مباشرة من قِبَل حماس ونطاق خياراته محدود جدا، فليس أمامه إلا أن يكون مع حماس فيسلم، أو أن يكون ضد نفسه في حال قرر مغالطة حماس، أو معارضتها.أجبته: لكن من الواضح أن صمود الشعب الفلسطيني في غزة خير دليل على تأييد حماس. أجاب: عندما صمد شعب الجنوب في حرب "حزب الله " مع إسرائيل عام 2006، هل كان صمودا اختياريا أم انتحاريا؟. قاطعته: كيف، أجاب: من صمد مات تحت القصف، ومن نجا، كان بفضل الهروب إلى المناطق اللبنانية التي أثبتت معنى التضامن، أو إلى الدول المجاورة التي حصدت ثمار الجولة. فالبطولة لم تحمي المنشآت ولم تحفظ البيوت والذكريات فيها. هذه هي السياسة، لعبة الوقت المُستقطع في ظلّ غياب كَتَبةُ التاريخ، أو ربّما في ظلّ غياب التاريخ نفسه، بعدما سئم التكرار والإعادة، وغباء الشعوب وغيبوبتهم المزمنة.
www.geocities.com/ghada_samman
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

المنطقة العربية بين فكّي (الأمركة) و(الفرسنة) الحادّين


GMT 8:30:00 2008 السبت 22 نوفمبر
غادا فؤاد السمّان
لم يعد الصراع محصورا بين الخير والشرّ، والأبيض والأسود، بل صار ثمّة مصطلحات جديدة لعصر ما بعد الاستفزاز هذا، مع حلول زمن المماحكات السياسيّة والغيظ المُتبادل، التي أودت إلى الفتوحات التأديبيّة القاضيّة لأنظمة مُستعصية في سدّة الرئاسة والحكم مثل "العراق – طالبان " على يدّ المخلّص الأميركي، والمزمنة منذ عقود وعهود لشعارات وإيديولوجيات بلت وخلت وشاخت وانطوت ولازالت تكابر بطشاً وطغيانا، أمام شعوب تكابد ذلا وحرمانا، تنتظر في قرارتها ربّما المخلّص الأميركي أيضا، علّه يعرّج على متن آلته العسكرية بباقي المنطقة العربية، ويعيث فيها حريّة لا ضير إن كانت فاسدة، المهم التغّني بلفظها"حريــــــّة "، وديمقراطيّة لا خوف حتى وإن كانت مشبوهة، المهم التشدّق بمفردة نادرة الحلول والحصول في ربوع بلادنا العربية معنى أو منهجا أو ممارسة أو إدّعاء "كالديمقراطيــــّـة "، وفوضى عارمة لا بأس وإن بدت "خفّاقة " لا "خلاّقة "، المهم تبنّي الحالة مهما كانت مزرية، فهي نِتاج العقلية المدبّرة "الأميركية " المسيطرة، فيا حبّذا مهما كان أو مهما سيكون.ومع أنّ الخلاص لم يُسفر إلا عن مجازر ووحشية ضارية، باتت تهدد إنسانية الإنسان وتنهشها بعنفٍ موجعٍ ومحبطٍ وفتّاك، ورغم ذلك ثمّة من يرغب بالزحف الأميركي، لتمكين السطوة الأميركية، وتسهيل الضربة الأميركية بكل أشكالها، ريثما يأت التغيير وإن كان على شكل صفعة أو صفقة أو شبيها بخراب مالطة .ولا ريب أنّ الحجّة الأميركية مبررة عالميّا وميسّرة عربيا، "والأورانيوم " وحده كفيل بتهيئة إشارة المرور وجواز التجاوز والتخطّي للسيادة والاستقلاللأي نظام عربي مُستهدف، وأقول عربي لأنه الحلقة الأضعف في صراع التجارب النووية الحالية بامتياز، فالتحذيرات والإنذارات التي وُجّهت مرارا وتكرارا إلى كوريا الشمالية "بيونغ يانغ " للحدّ من تجاربها النوويّة، والتي لم تأبه ولم تكترث أو تبالي بأيّ منها، جعلت كونديليزا رايس تُفكر مليّا وبإمعان شديد قبل أن تكرر التنبيه، والتهديد والوعيد بشأن التجارب النووية التي فازت هذه الأخيرة بتغاضي الأميركي، وتراضي دول الجوار "الصين – اليابان – كوريا الجنوبية "، ولا يختلف الحال بشأن التجارب النووية الإيرانية، فلا يزال الرئيس الإيراني الفارسي الداعم للقضايا العربية المستعصية "أحمدي نجاد " ماضٍ في تنفيذ خطّته الإنتاجية من التجارب النووية سواءً نُظر إليها من منظار "التخديم " أو من منظار "الـتأزيم "، فالأمر بالنسبة لبني فارس في إيرانهم الكبير سواء، إذ لهم رأيهم وموقفهم وقناعتهم التي لا يحقّ لغيرهم التدخّل أو الحكم بشأنها، بينما الحال يختلف كلّ الاختلاف في المنطقة العربية، حيث بدأ برنامج التأديب الاستراتيجي الذي اعتمدته الولايات المتّحدة الأميركية في عهد جورج بوش الابن، بكسب تأييد الحلفاء من معظم دول القرار، وخوض مرحلة جديدة من الاحتلال الحديث للمنطقة العربية، الذي نجح في اجتياحه الهمجي على العراق وخلع الرئيس صدام حسين وأسرع في تصفيته، وقلب الأوضاع الداخلية رأسا على عقب، وأجهز على الأمن والاستقرار، وترك الفوضى للفوضى، التي لم يعثر لها حتى الآن على ضابطٍ منطقي يبررها.الرئيس الليبي معمّر القذافي الذي صمد وشعبه في وجه الحصار سرعان ما سئم العزلة وآثر تقديم فروض الطاعة مسبوقةً بالتكفير عن "لوكربي " كارثة القرن المنصرم، وبيضة الذهب للقرن الحالي ولأقران الضحايا التي فرّخت في جيوبهم ملايين الدولارات، وجعلت من الشهادة حدثا ميمونا يتمنّاه كلّ حيّ على وجه البسيطة لأقرب أقرباء نبضه، وإمعانا من القذافي في توفير استرضاء الراعي الأميركي للمنطقة العربية، أقلع عن التجربة النووية دون قيد أو شرط، مكتفيا بفكّ الحصار وقانعا بحركة الطيران التي دبّت الحيوية في سماء الجماهيرية من جديد.الجمهورية العربية السورية التي ما إن تخرج من وَهْدَةٍ سياسية حتى تسقط في غيرها، تواصل في صمت تحضير مفاعلها النووي، الذي تسبب بغضبةٍ أميركية – إسرائيلية مشتركة، وسهّل انقضاض الطرفين كلٍّ على حده بضربة مستقلّة تتلوها الضربة، عزز تماديها السخط المؤجّل، والتهديد الهادئ من قِبل الحكومة السورية التي ما إن تنهض لتنطلق سياسيّا، انطلاقتها المتعالية شموخا واعتدادا،حتى تنكمش تماسكا واحتسابا، لترصّدٍ خارجيّ لم يكن في الحسبان، لكنّ جَعْلها مكتوفةَ الأيدي لكثيرٍ من الأوقات العصيبة التي تعصف باستقلالها واستقرارها من وقت لآخر، لم يعقها عن تحريك سبابة الفعل وضمان بقاء عقدة الخيط الخفي في عهدتها توجّهه أنّى شاءت لجذب الأنظار وقت تشاء سواء في الداخل اللبناني، أو الداخل الفلسطيني، أو الداخل العراقي، ومن يعلم ربّما الداخل الأردني والداخل السعودي لو أرادت؟.. فسوريا تستند إلى حائط متين اسمه إيران، وإيران مدماك السياسة الحاليّة الجديدة لكافّة المُستجدات وعلى صعيد مجمل الملفات في المنطقة، إذ أنّ إيران لم تعد ذاك البلد المشغول في تشكيل ملامح النهضة الإسلامية، بل صار خصما قويا ورادعا ربّما لباقي الخصوم، التي تختصرهم الرغبة الأميركية الجامحة في تسيير القافلة العربية على صراطها المستقيم، لضمانِ وصول الغِلال العربية إلى جعبتها آخر المطاف لتتقاسمها والحلفاء الأفاضل حيث ينعدم الحسيب والرقيب تماما.لكنّ إيران وقفت كالقذى في عين الشهوة الأميركية المُسلّطة بشبق كبير على المنطقة العربيّة، ومن قال أنّ شوكة واخزة ليس بمقدورها أن تطرح أرضا جَمَلا برمّته؟..هكذا صار الخلاص العربي رهنا لدخيلين جديدين "أميركا – إيران " ومتلازمين في النشاط القائم على شكل نزاع خافت تارة، ومدوّي أخرى، وذلك بتنشيط الأطراف المُلحقة والمُتفرّعة عنهم والمتفرّغة لهم منها :"المُتأمركة 14 آذار - فتح" ومنها :" المتفرّسنة حزب الله - حماس "، وتِبعا لمتنازعَيْن على زعامة متفرّدة يستعرضها كلٌٍّ على حده بواسطة فريقه المدرّب على شدّ الحبال ودخول الحلبات وتمرير الجولات باقتدار مُريب، وبمُباركة حصرية من إسرائيل.الغريب في هذا كلّه ليس شيوع التطرّف الناجم عن خطيّ الهجوم والدفاع الأميركي- الإيراني المُتبادل، بل المواكبة الثقافيّة المفرطة التي يصدّرها الإعلام العربي على أكمل وجه، فكم من مثقّف متأمرك سابق، خسر فرصَهُ وآمالَهُ العريضة على امتداد الوعود الأميركية الباهظة، فاندرج دون تردد في أعطاف السفارات الإيرانيّة التي تشرّع أبوابها وصدور ملاحقها الثقافية لاستيعاب أكبر قدر ممكن من المتملقين الذين يعلنون ولاءهم "للدولار " الإيراني السخي أيّما سخاء، نظير أيّما ولاء. ولأنّ الدولار عصب العصر وعصب المثقّف الأكبر، ومع قبول فكرة التواطؤعلى الذات بحثا عن الدولار، عن طريق الأمركة أو الفرسنة، فقد أصيب كبرياء المثقّف بعطب كبير، أقعده عن وجوب التمرّد على أي نظام كان، وأدخله في سُبات الرضوخ للأمر الواقع بين فكي الأمركة والفرسنة، ولا شكّ أنّ الانحياز الدارج بين اللفظين، يفضح !...
ghaydanah33@live.com
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

ليلة القبض على أعصابنا


GMT 16:30:00 2008 الأربعاء 5 نوفمبر
غادا فؤاد السمّان
ما الذي يدفع المشاهد العربي كي يتسمّر أمام الشاشة الصغيرة، محتبس الأنفاس، مشدود الأوصال، مشدوه الملامح، ضاربا عرض الحائط كافّة التفاصيل الحياتيّة الخاصّة به والتي تقع خارج إطار الحملة الإعلامية الأميركية الناشطة، والعربية المماثلة المنقطعة النظير على مدار البثّ الفضائي والتي تتناول سيناريو السباق بين "باراك أوباما" و "جون ماكين " إلى البيت الأبيض، ليتابعها بلهفة استثنائية لأكثر من 48 ساعة، ناهيك عن الأشهر المنصرمة التي قضاها متابعا أمينا لأدقّ حيثيات الحملة الانتخابيّة على التوالي يتقصّى من محطّة إلى أخرى كافة النتائج المعلنة أوّل بأوّل، يضع رهاناته اللا مبررة نصب عينيه، ويدأب مع الدائبين على متابعة المحللين السياسيين، والمتشدقين عن كثب بخصوص الرئيس الأميركي المُرتقب، وعلى الرغم من كافّة التدابير الذهنيّة التي حرصتُ على اتّخاذها لتفادي مطبّ الوقوع في شرك الانغماس في ملاحقة الحدث، وجدّتني في حمّى الساعات الأخيرة انتظر مع المنتظرين بذات الشغف وربما أكثر حسم النتائج الانتخابية ولمن ستكون الغلبة فيها بحماسة كان يصعب تلافيها، حيث واكبت البثّ المباشر حتى إعلان "باراك أوباما " رئيسا شرعيا للبلاد، تضاعفت لحظتها الحماسة والغبطة الاعتباطية التي انتابت الجميع وعبّر عنها كما عبّرت بابتسامة رضى مجهولة المنشأ!ربما لأنّ باراك أوباما الرئيس الشاب أعطانا تلك الحماسة التي أعادتْ إلى الأذهان صورة الرئيس الشاب أيضا "بشار الأسد " وهو يعتلي سدّة الرئاسة في سورية ويحمل في أعطافه وأجندته ورؤاه، الكثير من الوعود والآمال والأحلام والانفراجات والإصلاحات والتغيير والانفتاح الاقتصادي ومعالجة البطالة والقضاء على الفقر ومحاربة الفساد وإجهاض الوساطات والتجاوزات والمحسوبيات اللا منطقية واللا معقولة المنتشرة في خلايا مؤسسات الدولة انتشار السمّ والسرطان والتي تشلّ أوصال التفاؤل عموما، وتصيب مقتلا في قلب الثقة مباشرة بحكم القبضة الحزبية المُحكمة التي تنفي ما عداها.حين انطلق الرئيس الشاب بدأ قريبا جدا من نبض الشارع السوري والتي كانت بدايته الرائعة هذه مع المواطن السوري الذي توسّم من رئيسه الشاب كلّ الخير وهو يراه جنبا إلى جنب في مناسبات عدّة، كما حصل في حلب ذات مسرح، وكما حصل في دمشق في العديد من التظاهرات الثقافية والاجتماعية، عندما ظهر الرئيس الشاب أعزلا إلا من حبّ الناس وفرحتهم ودهشتهم كذلك، حتى أصبح الناس يشاركونه نبضه برهافة فائقة، يُفاخرون برئيسهم الشاب ومخلّصهم المنتظر من رواسب الماضي وأزلامه وما نجم عنها من تراكمات فاحت على أثرها الكثير من الروائح المنفّرة، كما الحال الذي ينتهجه باراك أوباما كبداية واعدة للمواطن الأميركي، الذي يعوّل الشيء الكثير على تحسين الأوضاع وأهمّها الاقتصادية من الرئيس الشاب الجديد الذي لا يخفى على أحد أنه يرث عبء أخطاء الولاية الدستورية السابقة كاملة تلك الفترة التي شغلها جورج بوش الابن وأعاث فيها ما سوّلت له نفسه وطموحاته المريضة. جورج بوش الذي عمل بضوضاء أقلقت منام العالم أجمع على مدى مرحلتين رئاسيتين لم يترك فيها طبلا للشؤم إلا وقرعه ولم يوفّر فيها حربا إلا وخاضها، ولم يمنّي الشعب الأميركي إلا الخسارة تلو الخسارة ومع هذا كله، خرج جورج بوش من البيت الأبيض بكامل الصمت من الباب الخلفي أو ربّما الباب الرئيسي إلا أنّ الناس لم تكن لتنتبه لخروجه مجرد انتباه، ولم تخلع نِعالها لتنهال ضربا على ظلّه، ولم يكن من نُصُبٍ يُطاول السحاب حتى يشمّر الشعب لاقتلاعها، أو صور بعرض الشوارع ليمزّقها، كان مجرّد جورج بوش محمي باسم قانون ودستور البلاد، تجاوز قليلا فتظاهر الشعب ليردعه وعندما بيّن حجّته أيّده، وهاهو الشعب الأميركي اليوم يخرج إلى الشوارع طوعا، لا قسرا يلزمه المشاركة أو تهديدا أو وعيد، لهذا كانت تصلنا الصورة بوضوح تام تنضح بالحيوية والحب والعفوية والتلقائية اللا مبرمجة، التي ترصدها في العادة عدساتنا المحلية في الكثير من المظاهرات الاحتجاجيّة فقط، والتي لا تعرفها الشوارع العربية إلا بمرسوم تشريعي صادر عن الجهات الحكومية العليا. مما أفقد التظاهرات قيمتها الفعلية لأنها لا تعبر إلا بالضرورة عن رأي الدولة ونظامها الأعلى، فلا احتجاج للمواطن إلا باسم الدولة، لتظلّ بالمقابل جميع احتجاجاته في ذمّة المجهول والنسيان والتغاضي إلى غير رجعة، فهل يُمكن أن نشهد في الشارع السوري غَضبة مشروعة للمواطن السوري في ظلّ الرئيس الشاب مثلا، كأن يعبّر عن استيائه بارتفاع الأسعار، أو يمارس بحرية معلنه سخطه ضد التلوّث البيئي الذي بلغ حدّا خطيرا لا يُمكن السكوت عنه، أو أن يعترض على المفاضلات الاستنسابيّة لوظائف الدولة التي تمنح دون قيد أو شرط للوافدين إلى العاصمة في الوقت الذي تشحّ فيها الفرص أمام أبناء العاصمة بشكل جارح ومريب للغاية، حتى الممارسات التي تمّت بحق المعتقلين في سجن صيدنايا هل كانت ستتسع الشوارع والصدور لذويهم ويترك لهم حقّ التعبير عن اعتراضهم شكلا أو مضمونا وإن لمجرّد الاعتراض؟..لا شكّ أن الرئيس الشاب بشار الأسد انغمس في غياهب السياسة الداخلية والخارجية ومعضلاتهما التي أخرجته من الشارع، وأبعدت نبضه عن نبض الناس، وربّما انهماكه في إعداد الرئيس التالي " حافظ جنيور " بعد عمر طويل بمشيئة الله، أتاحت الفرصة للانتهازيين القدامى أن يعودا إلى الساحة ويُواصلوا نشاطهم المشبوه على أكمل وجه.فهل يصلح القول أن العمر ليس كفيلا لاستنهاض التفاؤل دائما، وأنّ الرئيس الذي يدخل باب السلطة لن يتركه على غاربه، بل هو أيضا من حقّه أن يُغلق الباب وينصرف إلى شؤونه وشجونه وطموحاته الشخصية التي تعيقها ربّما طموحات الشعب لو أخذت في التنامي والمزاحمة والإنجاز!!!.تُرى هل باراك أوباما سيزكي مفهوم الشباب، وينجز أكثر مما استطاعه الملك المغربي الشاب "محمد السادس "؟ وأن يحمل تفاؤلا أكبر من الذي حمله الملك الشاب "عبد الله " الذي حلّ محلّ وليّ العهد الأمير "حسن " للمواطن الأردني؟.وهل يُمكن أن يعيد الرئيس الشاب بشار الأسد شرعية حلم وطموح المثقّف الأعزل من امتيازات البعث ورجاله الأشاوس؟. وحده التاريخ يملك عين الراصد، ووحده الذي يدوّن بأمانة أو بغش كل ما يعرفه هو، وكل ما نجهله نحن. ولا يسعني في هذه المناسبة إلا أن أتوجّه بأحرّ التهاني للحكام العرب بفوز "أوباما " الذي يُنتظر منه عربيا ربّما أكثر مما يُنتظر منه غربيا بجميع الجهات، وأتوجّه بتهنئة مماثلة إلى المواطن العربي قبل الأميركي لحسرة مزمنة في أعماقه لأنّ مناسبات كهذه لا تحصل على المدى المنظور أو حتى المُرجأ فجميع أنظمتنا أنظمة مزمنة ومؤبّدة دون منازع، المواطن العربي الذي تابع المشهد بحواسّ مصادرة تماما لصالح الانتخابات الأميركية، وخاصّة أنّ مشهد الاستلام والتسليم مرّ بسلاسة وسلام دون خراب مالطة كالذي شهدناه في العراق، وفلسطين، ولبنان الذي يحبس الأنفاس منذ اللحظة تأهّبا لكوارث الانتخابات القادمة.
www.geocities.com/ghada_sammam
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

ليس الشجب والاستنكار حكرا على ذكور المرحلة


GMT 9:00:00 2008 الخميس 30 أكتوبر
غادا فؤاد السمّان
لم تعد لائحة التجاوزات الإسرائيلية الأميركية المتراكمة أعمالا إرهابية واستفزازيّة وجرائم متعاقبة ومتطاولة على المدنيين الآمنين بفعل الانتهاكات التي ترتكبها بحقّ الدولة السوريّة قابلة للتغاضي، فمن العمق الاستراتيجي للأراضي السورية"دير الزور "، إلى المناطق المحاذية مع دول الجوار "البوكمال "، إلى عمليات التفجير "منطقة التل "، إلى التحليق المُباشر فوق القصر الرئاسي، وصولا إلى الاغتيال على يد الموساد "عماد مغنية "، والسلسلة ربّما لا تزال تتبع.. فمن يعلم أو يجزم أنّ التصريحات التي كان يطلقها السيد "فاروق الشرع " سابقا بشأن الاحتفاظ "بحقّ الرد "،.. والتهديدات التي أطلقها لاحقا السيد "وليد المعلم " المفعمة بالاستياء والمُبطّنة بنيّة الردّ، هي تصريحات أو تهديدات رادعة للغطرسة الإسرائيلية- الأميركيّة فعليّا؟.والسؤال الذي يطرح نفسه وجميعنا يعلم أنّ سوريا بلد مُستهدف استهدافا مُباشرا لا يخفى على أحد، وخاصّة أنه اللاعب الأساسي بملفات المنطقة / لبنان – فلسطين – العراق /، فهل كانت المماطلة في حقّ الردّ هي السبب في تكرار التحرّشات الآثمة المذكورة؟، وهل الدبلوماسيّة في الاستدعاء الأخير من قبل السيد وليد المعلم للقائمة بالأعمال في السفارة الأميركية هي الحلّ الأمثل للمعالجة؟! وهل ما يجري من أحداث صادمة ومُفاجئة في آن، بوسعه أن يؤثّر تأثيرا سلبيا على ثقة الدولة السورية بجهوزيّتها ومراصدها وجيشها النظامي؟! أم أنه يؤثر على ثقة المواطن السوري بدولته وجهوزيّتها ومراصدها وجيشها النظامي؟!بالتأكيد ثمّة سيل جارف من الأسئلة وخاصّة أنّه ليس بوسع أحد أن يتجاهل غيض الأقلام المسلولة للتندّر، والتمحّك، والاستظراف، والنيل من هيبة الدولة السورية عبر الكثير من الصحف والمجلات والمواقع والشاشات، تلك الهيبة التي اكتسبها النظام السوري الصارم بعرق المخبرين، وحبر كتبة التقارير، ورهافة سمع المتنصتين لكل شاردة وواردة على امتداد تضاريس الوطن وخاصّة في العاصمة دمشق، وما من شكّ أنّ هيبة الدولة السورية تندرج تحت بند القداسة إن لم نقل "التنزيل "، ولعلّ تزامن خبر إعلان الأحكام القضائية المُبرمة والصادرة بحق الموقوفين الناشطين سابقا الذين أعلنوا عن "ربيع دمشق " كمشروع للإصلاح والتغيير، والذي لم يلق آذانا صاغية من أحد، ولم يُتْرَك له حقّ التعبير قبل التغيير أمام أحد، والذي تمّ القضاء عليه دون سابق إنذار باستضافة كل الموقّعين على العريضة المذكورة توقيفا عرفيا منذ 2005 دون حكم قضائي معلن حتى تاريخ اليوم 28/11/2008 لإصدار قرار السجن لمدة عامين ونصف لكل أقطاب المعارضة بناء على التهمة الموجّهة لهم والتي تتلخّص بما يلي وحسب المصادر الإعلامية التي ساهمت في نشر الخبر: " 1-المساهمة في إضعاف الشعور الوطني. 2- النيل من هيبة الدولة "، وبذلك القرار تكون الدولة السورية قد استردّت كامل ماء الوجه الذي حاول ثلّة من العابثين هدره وتبذيره وبذله وتبديده بحملة ضلّت طريقها عن الحرية لتجد نفسها في غياهب القضبان محكومة بالخيبة القاضية التي لا تقدّر بزمن أو بعمر.وهكذا يقف المواطن السوري محتبس الأنفاس، تحت نير الرسائل المشفّرة، إذ أنّ أميركا تحرص كل الحرص على إيصال الرسالة الواضحة والصريحة إلى الحكومة السورية شخصيا دون مواربة أو تأجيل بضربة جزاء مُباشرة لتكبيدها جزية قسرية بالأرواح البشرية نظير مواقفها وقراراتها تجاه دول الجوار /العراق – لبنان – فلسطين / وربما العراق يظل بالاعتبار الأول بالنسبة إلى العسكرية الأميركية لأنه من أولوياتها الحالية والتي تعرقل مخططها الأمني، السياسة السورية باحتوائها لخلايا التدريب الأصولية المتعددة الجنسيات والتشكيلات والإيديوجيا والتي تُهدد أمن واستقرار المنطقة ودائما حسب المصادر والتصريحات.في الوقت عينه وتزامننا لم تتقاعس الحكومة السورية عن تسديد رسائل مماثلة إلى الشعب السوري الذي يتمّ إصلاحه وتهذيبه وضبطه وترويضه بإدانة المثقف السوري إدانة مباشرة عند أول مفترق للخيارات، وعند أقرب منعطف للمحاولة، وعند أية نقطةِ تقاطعٍ تتعارض فيها مشيئة النظام أو تُمسّ فيها إرادة الدولة، فمشيئة النظام في المقام الأول، وإرادتها بذات المَنْزِلَة، وهكذا تكتمل دائرة الهيبة الموقّرة برسائل شفهية على مستوى الأنظمة، ووسائل تطبيقية على مستوى الشعوب. فتأديب النظام السوري من قبل الغطرسة الأميركية دائما ساحتها العامة من الشعب، تماما كتأديب الشعب السوري من قبل "هيبة الدولة والنظام" دائما ساحته العامّة من الشعب وإن بشيء من الخصوصية بصفة مثقّف!....طبعا ما يعزي الخاطر أنّ استنكارات عدّة جاءت لتُبلْسم أثر الصدمة، وفي عجقة الشجب والاستنكار من جهاتٍ لم نكن لنتوقّع أي تصريح من قبلها، جعلتنا نتنبّه بل ونفتقد ربّما إلى تصريح الحكومة الإسرائيلية، وخاصّة أنها قد قلبت الأوراق من دولة مواجهة إلى دولة مفاوضة ينتظرها الجميع بشغف مسموح ومصرّح به بعد إعلان حصول انفتاح مستقبلي بين البلدين على بعضهما البعض، وقيام علاقات طبيعية خالية من الشوائب والظنون وسوء النوايا بعد إتلاف الماضي جملة وتفصيلا، والتطلّع إلى المُستقبل بعين حالمة وقلب حنون وصدر حميم ومفتوح.وهنا لا يسعني إلا أن أشجب وأستنكر على غرار الفاعلين جميعا، آملة بإضافتي لتاء التأنيث هذه أن أكسر المخرز في العين الأميركية ومن لفّ لفيفها، وانتهزها فرصة نادرة لمخاطبة السيد وليد المعلم ومن قبله السيد فاروق الشرع ومن قبلهما السيد الدكتور بشار الأسد، إذا كانت قبضة النظام السوري قاصر عن تأديب المعتدين على أمن واستقرار الأراضي السورية، لكنها تمتلك بالمقابل مقوّمات اللباقة الدبلوماسية الكافية للحوار وضبط النفس، فلماذا لا تعتمد الأساليب عينها مع المثقّف السوري، والمقصود هنا المثقّف الذي يغرّد خارج السرب، الذي يجد غالبا أنّ هناك من يتعقّب أنفاسه ويدوّن خفايا روحه ويشفّ تلا فيف ذهنه على ورقة إدانة، فلماذا لا تصبح العلاقة بين المثقّف والمسؤول علاقة احترام وحوار مُتبادل، تُضمن به النتائج الدبلوماسية وإن لم تخل من تهديد أو وعيد مُبطّن، مسبوق بضبط النفس على غرار "الضبوطات " الشائعة والمُتكررة، لا أن يكون عِرضة للمصادرة عند أول جملة استفهامية، تسقط سهوا في مقال هنا أو مقالة هناك، والله والوطن والأمّة وفي مقدّمها هيبة الدولة من وراء القصد.
www.geocities.com/ghada_samman
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

الرقابة.. صراع متواطئ أم قهر للحرية؟


GMT 18:00:00 2008 الخميس 23 أكتوبر
غادا فؤاد السمّان
منذ مدّة طويلة لم نسمع عن مصادرة كتاب أو معارضة صاحبه، فقد توّصلت الحكومات ذات البأس والشدّة في العقد الأخير إلى قهر الإرادات الخارجة عن سياقها، حين عملت على ترويضها بعدة طرق تتلخّص إمّا بالأساليب الودّية وهي الشائعة عموما كاستقطاب "حملة الأقلام " وما أكثرهم هذه الأيام، بعدما أصبحت الكتابة عمل من لا عمل له، مما سهّل الاحتراف الأدبي واستسهال النشر بدون أدنى شعور بالمسؤولية، بل أحيانا صار الأدب بمثابة مهمّة خاصّة تقوم الجهات الرسمية بتكليف الكثير من الأصوات الصغيرة التي يسهل استثمارها على أكمل وجه بقليل من المِنَح ويسير من العطايا لتصبح دسيسة على الوسط الثقافي ورقيبا على مسار أنفاس المثقفين ما إن كانت ذات ميمنة أم ميسرة أم أنها خارج النطاقين المذكورين، أمّا الأصوات المتوسّطة فقد عملت الجهات الرسمية ذاتها على طيّها تحت عباءتها بتكريس بعض مناصب الترضيّة من وزارات ودوائر وألقاب فخرية كمستشار هنا أو مستشار هناك، وما أكثر الاصطلاحات و الأدوار والوظائف والمناصب والمحسوبيّات التي تدّخرها تلك الجهات لتعزيز كيانيّتها بأولئك وهؤلاء، أضف إلى جهودها الدائمة لتوسيع هالاتها هنا وهناك، حتى وإن كانت بلون أسود لا غير، ولمّا كان هناك بعض الأصوات العاليّة جدا والأبيّة بالتأكيد وهي غير قابلة لدخول المزاد فقد شرّعت الزنازين أبوابها للاحتفاء بما تبقّى من هوامش خارجه عن قوانين الدولة الاستتباعيّة القمعية القهرية التي أدخلتها في غياهب التأهيل المُبهم، الذي لا نسمع عن سيرته أو سيرورته شيئا!وفي بعض الأحيان كان الرقيب خير داعم لشهرة الإصدارات الجديدة، وكما يقول المثل: "نيّال من صادرت الرقابة كتابه"، إذ سرعان ما يدخل صاحبه دائرة الضوء بقدرة قادر، ويصير الشغل الشاغل للأوساط الثقافية والصحافية على أوسع نطاق، ولطالما شعرنا باستصغار للمتلقي، وتحجيم ملكاته وإمكاناته الفكرية والثقافية، فكم كتاب تمّت مصادرته بحججّ قانونية واهية تخصّ قانون الكتب والمطبوعات سُرعان ما تبيّن بُهتانها وسطحيّتها وخوائها، مثال كتاب عبده وازن "حدائق الحواس " الذي صادرته الرقابة بداية التسعينات، على أنه كتاب يسيء إلى الأخلاق العامة ويخدش حياء القارىء بشدّة، تبيّن بعد قراءته أنه من أقلّ الكتب مباشرة إن لم نقل أنه من أكثرها عاديّة وتوازن، نظير عشرات الكتب التي سبقتها إباحيّة في التوصيف الحسّي، والمشهدية المُباشرة، والتعرية اللفظية المؤذية ليس في الدلالة فقط بل في الوقع الصادم والصاعق أحيانا.وهكذا تحوّل كتاب حدائق الحواس لعبده وازن وبنات الرياض لرجاء الصانع وآيات شيطانية لسلمان رشدي، والكتاب والقرآن لمحمد شحرور، من الكتب التي استطاعت أن تثير فضول القارىء وتستحثّه على اقتناء الكتاب بالسوق السوداء التي نشطت بترويج الكتاب بأضعاف أضعاف ثمنه الأصلي بعد حصوله على امتياز قرار المنع، وذلك بفضل الرقابة التي تُواكبُ عادةً عملية إصدار الكتاب فتساهم مساهمة فعالة تأتي خلاف المُراد تماما من قانون المصادرة، وذلك لما لها من انعكاس إيجابي يحرّض القارىء على المتابعة والانتباه من باب الفضول إن لم يكن من باب الاهتمام إلى درجة الهوس فيضاعف المبيعات كأي سلعة معلن عنها إعلانا مُتكررا يعمل على تحفيز المُشاهد كالعادة.الاستقراء المنقوص والعاجل أعلاه لم يأت عفو الخاطر، بل هو وليد رسالة موسّعة تلقيتها عبر بريدي من صاحب "دار فضاءات " السيد "جهاد أبو حشيش " الشاعر والناشط حاليا في حقل الكتب والإصدارات نشاطا ملحوظا والدائب على تصدير الكتاب تلو الكتاب بسرعة قياسية هائلة تكاد تنفرد وتتصدّر معظم دور النشر في العالم العربي عموما وفي بيروت عاصمة الكتاب خصوصا والتي بدأت وتيرتها تخبو نسبيا نظرا لعدّة عوامل أهمها عزوف القارىء العربي عن القراءة بسبب الغلاء المعيشي الفادح الذي يُعانيه، أضف إلى انتشار الشاشات الفضائية انتشارا سرطانيا يصعب تفاديه، علاوة على ذلك غلبة العالم الافتراضي المتمثّل بالأنترنيت، على واقعية الكتاب الورقي وقابلية تداوله بين الناشئة والجيل الجديد.دار فضاءات أصدرت مؤخرا مجموعة شعرية بعنوان " رشاقة ظلّ " بعد حصول صاحبها "إسلام سمحان " على موافقة خطيّة من قبل الجهات المعنية والتي صادقت على نشر الكتاب، ولكن ما إن أصبح الكتاب بمتناول القارىء وبعد توزيعه في المكتبات الأردنية جهة النشر، حتى سارع المدّعي العام الأردني إلى إصدار مذكرة توقيف بحق صاحب الإصدار وإلى اتّخاذ بعض الإجراءات القانونية بحق دار فضاءات، كما أنه تمّ فعليا توقيف المُدّعى عليه "إسلام سمحان " بتهمة تحريف النصوص القرآنية، وأرفق أدناه ما وردني من السيد جهاد أبو حشيش صوره عن الضبط الرسمي:
- بناءً على قرار صادر من مدعي عام عمان، جرت يوم الأربعاء 15/ 10/ 2008 مصادرة نسخ ديوان شعر "برشاقة ظل" للشاعر الأردني إسلام سمحان، الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان. وفي معرض تعليق دار فضاءات للنشر والتوزيع على ما حدث تؤكد أن المؤلف إسلام سمحان قد احضر كتاباً رسمياً صادراً عن دائرة المطبوعات والنشر رقم 1/3584 بتاريخ 2/12/2007، ينص على تسجيل كتاب "برشاقة ظل" لدى المكتبة الوطنية. وقد تم إيداع ثلاث نسخ منه لدى المكتبة الوطنية وذلك قبل عرضه للبيع او التوزيع. علما أن التهمة الموجهة إلى دار فضاءات هي تهمة إصدار مطبوعة دون الحصول على موافقة دائرة المطبوعات والنشر، إضافة إلى تهمة مخالفة قانون المطبوعات والنشر. نرفق صورة عن كتاب دائرة المكتبة الوطنية رقم 1/3584 بتاريخ 2/12/2007.
- نسب إلى مدير المطبوعات والنشر نبيل المومني عدم إجازة كتاب برشاقة ظل من قبل دائرة المطبوعات والنشر وأنه حول بعد أخذه الترقيم من المكتبة الوطنية إلى وزارة الأوقاف لإبداء الرأي فيه.وفي تعليقنا على هذا نقول وبناءا على تحويل كتب أخرى سابقة إلى الأوقاف أن كتاب التحويل إلى الأوقاف يخاطب الوزارة طالبا منها إبداء الرأي بمواصلة السير في إعطاء التصنيف أو عدم السير به "أي منعه" وفي حال تم اخذ رقم التصنيف في هذه الحالة يكون الكتاب قد نال موافقة الأوقاف، ويتطلب من المؤلف أو الناشر إيداع ثلاث نسخ لدى دائرة المكتبة الوطنية قبل البيع أو التوزيع.وهو الأمر الذي قامت به الدار فور صدور الكتاب وقد تسلم مركز الإيداع في دائرة المكتبة الوطنية بتاريخ 13/4/2008من السيد إسلام سمحان ثلاث نسخ وأدخلت النسخ بموجب مستند الإدخالات 639786وقد قامت المكتبة الوطنية بعدها بالموافقة للمؤلف على الشراء ومن ثم وافقت لجان الشراء في وزارة الثقافة أيضا على شراء خمسين نسخة من الكتاب.فكيف وبعد مرور الكتاب بكل هذه المحطات والإشادة به في الصحف المحلية والعربية وبذائقته اللغوية كيف لنا أن نفاجأ بأنه كتاب مسيء ويحمل ما ادعاه بعض زملائنا من إساءات.
وكانت صحيفة الغدّ الأردنية السبّاقة لنشر خبر توقيف الشاعر إسلام سمحان بتاريخ 21/10/ 2008 لمدة 15 يوما على ذمّة التحقيق.هذه المرّة إذا الرقابة كانت جادّة أكثر مما ينبغي ولعلّها مفاجأة حقيقيّة أن تكون هذه الإجراءات التعسفية بحق أصحاب الكلمة وخاصّة في المملكة الأردنية الهاشمية بلد الحرية والديمقراطية وكما يتناهى إلينا من سياسة الانفتاح التي يعتمدها الملك عبد الله جنبا إلى جنب مع الملكة رانيا المحبوبة جدا والقريبة من المثقفين والشعب قربا إنسانيا رفيع المستوى نتابعه عن كثب في محطات عدّة، ولا أعلم ما إذا كان قرار التوقيف هو سابقة قضائية تتخذ بحق مؤلّف وصاحب إصدار، طبعا لم تسلم دار فضاءات من الملاحقة القانونية السارية حتى تاريخ تحرير هذا المقال، ولا يسعني في هذا العرض المُقتضب سوى أن أحيل وبما أوتيتُ من أمانة هذا الأمر إلى الرأي العام ليدلي بدلوه على حده، وهنا لا بدّ من التنويه أنني لن أدّعي مَيلي الكامل أو تأييدي للإصدار المذكور "رشاقة ظلّ " ولن أدّعي ضلوعي في الإطلاع المتأنّي اللازم لتصدير رأي يخصّ شرعية نشر النصّ من عدمه، ولكن أعتبر نفسي رافضه لما حصل جملة وتفصيلا بشأن التوقيف تحديدا، فكل الإجراءات بحق الكتاب يُمكن تفهّمها، ولكن توقيف صاحب الإصدار هو عمل يعود بنا إلى عهد الظلمات لهذا أتمنى على المدّعي العام الأردني أن يعيد النظر فورا بشأن التوقيف ولاشكّ أنّ العودة عن حظر الحرية الشخصية ومصادرتها بالتأكيد هو فضيلة.www.geocities.com/ghada_samman
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

التفكير بعمق – تعميقٌ للهوّة


GMT 8:30:00 2008 الجمعة 17 أكتوبر
غادا فؤاد السمّان
أن تكون شيعيّا في لبنان هذا يعني حتما وبالضرورة أنّك ستواظب وبعدد الفروض الخمس، وحسب التوقيت المحلّي لمنطقة الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، على لعن بني أميّة، وشتم الدكتور سمير جعجع، تماما كما تبخس وليد بيك جنبلاط صولاته وجولاته ومستجدّاته وتحولاته الوفاقيّة والخصاميّة على حدّ سواء وفي أيّ اتّجاه كان، وفي غمرة هذا وذاك لا بدّ أن تزدري خبرة الشيخ سعد الحريري السياسية، وتشجب قدرته الاقتصادية القادرة والقديرة، وتستنكر علاقته الوطيدة والمميّزة بالمملكة العربية السعودية التي تبذل الغالي والنفيس لرأب الصدع السياسي وترميم ثغرات العجز المالي لتحافظ على أولوية –الطائف - في القرار السياسي وصدارة الموقف في المشهد العربي والدولي واللبناني بالتأكيد متمثّلة بجهود سفيرها البار عبد العزيز خوجه المُتّهم بالانحياز لفريق دون آخر، والمُنتقَد بجملة أدائه الذي مهما بلغ من الموضوعية والمصداقية سيظلّ في نظر هؤلاء غير ما هو عليه بنظر أولئك، وسيبقى على الدوام بحاجة للنفي والتبرير بيانا تلو البيان في النشرات الإخبارية والتصريحات الصحافية مطلع كل حراك ميداني على الساحة اللبنانية، ولا يقتصر الاستنكار على اللحمة الحريرية وآل بني سعود، بل يطال تقدّم سعد الحريري فريق "14 " آذار، وتربّعه في قلوب الناس دون منازع، على الرغم من كل ما كان وما لم يكن بعد، والعلم عند الله وعند نتائج صناديق الاقتراع التي ستحملها الانتخابات النيابيّة القادمة وما يترتّب حولها من نتائج ووقائع وتخمينات يُعمل لها ألف حساب ويعمل عليها بألف حساب وحساب!.
أمّا أن تكون سنّيا في لبنان فهذا كفيل بأن تحبّ الشيخ سعد الحريري حبّا جمّا، وتؤيد وليد بيك جنبلاط على بياض مرّة وعلى مضض أخرى، وتُبارك الدكتور سمير جعجع قولا وعملا ووجهات نظر واضعا في اعتبارك أنه قد تكبّد وحده ما لم يتكبّده سواه فقد سدد الكثير من ديونه ب11 سنة من القهر والاعتقال وما تبقّى منها، فقد استكمله اعتذارا علنيّا ودعوة حقيقيّة لمصالحة /مسيحيّة – مسيحيّة / هي بالتأكيد إن دلّت على شيء فهي تدّل على حسن نيّة وغيرةٍ حقيقية على وطن يسعى ما بوسعه لانتشاله من أي حقد مبطّن أو ثأر مبيّت أو عدوانية لا تحتاج للكثير لإطلاق العنان لها وقد خبرها الجميع دون استثناء في أكثر من جولة وأكثر من مناسبة وأكثر من مرحلة مفصلية لم تسفر إلا عن دم وندم وأبرياء يواصلون أسئلتهم وعتبهم المُلح والدائم والمستمرّ بنظراتهم المعلّقة على جدران بيروت التي يصعب تلافيها حتى وإن تجاوزها القتلة بتجاوز الشارع أو الزقاق المتفرّع عنه، فنظراتهم المعلّقة بعيدة المدى وشديدة الوطأة والحيوية والحياة فهي تطاردهم بلا هوادة وبلا صفح، لتبشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين.هكذا تقوم قائمة العواطف السياسية في لبنان بلد الحرية والديمقراطية والتناحر الطائفي المتوازن بالنقمة والمتّزن لما بعدها، إذ تظلّ جيّاشةً ضمنا وإن هدأت سريرتها –الإعلامية - واتّخذت طوباويّة مرْحليّة تحكمها ضرورات اللحظة الراهنة لتسجيل الصورة بملامحَ هادئة وابتسامة مُستعارة كي تصير الصورة أجمل بل أكثر إشراقا و "سرّ- ياليّة- ".وأنت ما عليك إلا أن تبصر ولا ترى، وتصغي ولا تفهم، وتتكلم ولا تنطق وتتنفّس كافة –التناقضات - لتواصل اختناقك بإمعان، فأنت مُطالبٌ أن تتابع بشغف أو بقرف لا فرق، وحيث لا أحد يبالي بكِ أو يكترث لكَ، حالك حال المواطن العربي على امتداد الخريطة، ولكنَ بامتياز أكبر هو أنّك في لبنان برسم الموت دائما، تحت طائلة أيّ تفجير إرهابي أو مذهبي في أيّ مناسبة يأخذ –التصعيد - فيها مأخذه دون تردد ودون مواربة؟!المهم في ذلك كلّه أنّ الشقيقين اللبناني – السوري عادا أخيرا إلى رشدهما لمراعاة مسيرة حسن الجوار، وتحسين العلاقات السياسيّة، وتعبيد المسالك الدبلوماسيّة، واستعادة أصول و"فروع " المنفعة المُتبادلة، إن لم يكن على صعيد الشعب، فلا شكّ على صعيد القيادات وهذا الأهم فطالما أنّ القيادات بخير فبالتأكيد أنّ الشعب سيكون بخير، وبمأمن، إذ على الأقل يضمن التهدئة الإعلامية ويدرأ غضب الصواعق القابلة للانفجار بأي شارع وأي شخصيّة تملك صوتا أعلى من أصوات الجوقة السياسية الناشطة على منصّة الأحداث، كما أنّ "حزب الله " بارك الله أتباعه وأنصاره ورسله ومنافقيه لم يقف مكتوف الأيدي بل راح يواصل في غمرة – تقاعده - الوشيك عن المواجهة المحليّة، والمجابهة الإسرائيلية لرد الصاع صاعين باسم القائد "مغنيّة " والتي تتأجّل ربّما لتقليص مسافة الخلافات التفاوضية الإسرائيلية – السورية، ناهيك عن "المماحكات " الدوليّة وأحكامها المبرمة بشأن سلاح حزب الله وبكل ما تستلزمه في المقابل من رفع للوتيرة والنبرة والسلاح لتأديب الشارع اللبناني عند أيّ مفترقٍ أو مفارقة، ولتسجيل حضوره كالعادة جاءت مساهمته الجليلة في تعزيز سبل التفاوض المُشار إليه، عندما وافق على ترميم "الكنيس اليهودي " لأبناء عمومتنا الكرام في منطقة السوديكو- بيروت، فمن يعلم متى ستكون انطلاقة أول قافلة سياحيّة من -تلّ أبيب - إلى دمشق مرورا ببيروت وبالعكس، وخاصّة أنّ الدكتور بشار الأسد قد نوّه في إحدى لقاءاته على قناة الجزيرة مع الإعلامي محمد كريشان لدى سؤاله حول طبيعة العلاقات السورية – الإسرائيلية وقتها أشار السيد الرئيس إلى علاقة طبيعية كالتي تربط باقي الدول بعضها البعض، وربما الدبلوماسية السورية – اللبنانيّة التي تمّ الإعلان عنها، هي جزء من سيناريو المفاوضات الراهنة، فليس من المعقول أن تتوصل سورية وإسرائيل إلى تسوية ويبقى لبنان الحلقة المفقودة في جملة المفاوضات السارية في عموم المنطقة العربية، ومن المُستغرب فعلا أنّ لبنان الذي كان من المتوقّع أن يكون في مقدمة البلدان الساعية للسلام مع إسرائيل، يتأخّر به الدور حتى هذه اللحظة التي لم يجرأ فيها أحد بعد على طرح مسألة المفاوضات -العلنية - مع إسرائيل على غرار غيره من الدول، ومن يعلم ربما يكون مُلحقا ثانويا من ملاحق المفاوضات السورية – الإسرائيلية الراهنة، وربما المصالحات التي نراها حبل على جرار الوقت هي تحضيرات أوّليّة للقفزات النوعية القادمة.هو الوقت إذا بهلوان على منصّة الجميع يراقصهم ككائناتٍ مدرّبة، ويغافلونه بدورهم كالشياطين، ونحن كالبلهاء، نقوم ونقعد، نشاهد ونكتب، نتمنّى ونخيب، ونتكلّم ولا نسكت، ونتعلّم من كبار المرحلة ما فاتنا أن نتعلّمه في جملة قضايانا المصيريّة الباهتة، أنه ما من عداوة وعدو مُطلق، وربما ما من صداقة وصديق أكيد.
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

من الفوضى الأمنية إلى الخطف تحت طائلة العبث مع أمريكا


GMT 18:30:00 2008 الجمعة 10 أكتوبر
غادا فؤاد السمّان
هل لا يزال جمر الخلافات الطائفية والمذهبيّة على الرغم من كل المصالحات التي تتمّ بمشهد فلكوريّ لا يرسم غير القليل من مضامين اللقاءات المتعددة والمُتبدّدة بعلنية مبتورة تماما كما يخفي كافة النوايا التي تتيح للجمر فعلا أن يظلّ كامنا ومتأهّبا للتصعيد في أيّة لحظة صفر تحت الرماد اللبناني، وهل شبح الحرب مفردة لا بدّ منها لتبقى سائدة ومسيطرة على الذهنية العامة حتى تفرض ملامح واقع من المخاوف والتحفظات والهواجس إلى ما لا نهاية؟. ولماذا يكمن الرعب الحقيقي لدى كل موسم انتخابي في بيروت وقد صار قاب قوسين أو أدنى، وأشبه بناب ذئبين أو أكثر، يتناحران على فريسة واحدة هي الشعب دائما والشعب أيضا وأيضا الذي لا حيل له ولا قول، غير تأييد هذا السياسي أو تمجيد ذاك الزعيم، لتظلّ اليقظة الحقيقيّة في خبر كان، ووحده المواطن هو الذي يدفع "دمه " واستقراره وأمْنه بتكلفة عالية وفواتير باهظة لا يجنيها غير الأحزاب التي تُجيد كما كلّ مرّة، المزايدة بالقرابين البشرية على هذه الجهة أو تلك، مقابل حصص وزاريّة أو نيابيّة أو "وجاهيّة " لا تخدم غير أصحابها من السياسيين الذين يتقنون فنّ المتاجرة والاستثمار والمضاربات المصيريّة، وبجميع الأحوال لا يفوز المواطن الذي يرهن دمه وروحه فداء لهذا وذاك بأكثر من الفتات مقابل الثروات الطائلة التي ينعم بها "المتريّسون.. والمتزاعمون "، فهل حقا يتأثّر أصحاب السياسة بالمستجدات الاقتصادية وانهياراتها العالمية؟ وهل يضطّر واحدا من هؤلاء السياسيين إلى شدّ الحزام حول أحشائه في يوم من الأيام، تيمّنا بشعار الرئيس الراحل حافظ الأسد في فترة الثمانينيات الذي أطلقه تجاه الشعب السوري، والذي يتضاعف ويتفاقم تِباعا مع الوقت حتى يومنا هذا، مع العلم أنّ استمراره لم يعد مرهونا بشعار محدد، فمن تلقاء نفسه أصبح المواطن السوري كما المواطن العربي في أكثر الدول العربية التي يلقي المواطن على عاتقه مراعاة النظام الحاكم وأسرته الكريمة على أتمّ وجه بشدّ الحزام المتواصل، ويرتضي الشعب بمعنويات عالية وروح رياضيّة، من أجلها الكثير من التضحية والإخلاص والذلّ، ولا ينسى كل صباح حكمة الاستغناء والترفّع عن الكثير من التفاصيل الحياتية الباذخة والمترفة وحتى العاديّة جدا، ليكتفي بكفاف يومه حامدا شاكرا صامتا مكتوف الأيدي داخل بيضة الوقت ينتظر الفرج مغتبطا لا لضيق ذات يده بل ليُسر الحياة وكرمها مع الأسر الحاكمة كرّم الله تسلسلها، وعزّ مجدها ومجد ورثتها، وبيّض الله وجهها وفالها ونواياها إلى يوم الدين اللهم آملين، فهي لا تستحق الضنك أو التقشّف وإن قليلا، لأنّ المواطن ينوب عنها نيابة تامّة وعلى أكمل حضور وتبنّي، تماما كما تتبنّى هي التفكير عنه والقرار عنه وجمع الثروات الطائلة بالتأكيد عنه، إن لم يكن منه!!!. وهكذا يشهد العالم أجمع بتفرّد المواطن العربي وحده بثقافة الإيثار، وكيف ينعمُ بثناء التضحية، وكيف يفوز عند ربّه بفضيلة الصبر وما أدراك ما الصبر. وهو يتكبّد في الوقت عينه إضافة إلى أزماته الداخلية المزمنة كعاهة مستديمة، كل المستجدات السياسية والاقتصادية سواء الذي يمرّ به النظام العالمي الجديد من تقهقر وتدهور في البورصات التي لم يعرف عنها أو يفرح لفيضها في يوم من الأيام المواطن العربي، في حين أنّ تدهورها المفاجئ أصبح الشغل الشاغل للطفل واليافع والشيخ والرضيع وربّة المنزل ومدبّرة الزيجات المحنّكة، تماما كما هو الحال مع أي رأسمالي عتيد، دخل البورصة بقدميه غير مبالٍ بأحد من هؤلاء جميعا، وهاهو يخرج على ركبتيه زحفا ليستجرّ الجميع إلى بلوائه ويركعهم قبل ركوعه ليمتطي ظهورهم من جديد بعدما انتعل أفكارهم وأعصابهم وأحلامهم وآمالهم دون تمييز، تماما كما هو الحال عند أدنى خلاف سياسي أو أصغر مفترق طرق يعترض المسيرة الحزبيّة لأية فئة من الفئات، تبدأ بشحن المواطن وحقنه بجرعات متواصلة من فيتامين الضغائن والغلّ والحقد والبغضاء، في حين أنّ المصالحات تضمن لهم تحييد المواطن كلّيّا عن موائدهم العامرة وعن دوائر الضوء وعن بذخهم الطاعن في الاستفزاز.يومان من القلق مرّت على المواطن اللبناني وليلتان من الأرق والتخمين الذي وصل حدّ الظنّ مستعرضا كافة الشكوك بذاته وبمن حوله يفتّش أنحاء بيته ذرّة ذرّة عله يكون متّهما أو مشاركا دون وعي بعملية اختطاف الأمريكيان /هولي شميلا – وتايلور لوك /الصحافيان في صحيفة التايمز الأردنية، وقد انتفضت لأجلهما كافة الهمم والصحافة في جميع المنابر والدوائر والسفارات، إلى أن تمّ العثور عليهما في دمشق، وبعدما أسرج القاصي والداني خيل ظنونه ريبةً واحتسابا واحتمالات شتّى، إذ كان من أبرز المخاوف أن تُداهم البيوت وتغلق مفارق الطرقات بالإطارات المشتعلة وتُقلب الحاويات والحارات رأسا على عقب، كما يفعل "الفاتحون " عادة، بحثا عن الصحفيين اللذين أعلن عن اختطافهما، في الوقت الذي لم يستبعد أحد مسألة الاختطاف هذه، فكل رديءٍ محتمل حدوثه في بيروت، التي تستقبل الكارثة تلو الأخرى وتنهض كما يُقال نهضة العنقاء ذاك الطائر الخرافي، الذي يتآكله الجمر من تحت الرماد والذي تخالجنا لأجله الظنون هل حقا سينهض بعد كل هذا الرماد الذي يكسونا تماما؟!.أسأل الكاتبة والمربّية لطيفة الحاج قديح عما حلّ من مواجهات مفعمة بالأحقاد في بيروت وعمّ قد يحلّ تجيب: " لبنان بلد عنده دستور وعنده ميثاق، وهما خشبة الخلاص، وحجر الزاوية الذي يجب أن نعتمد عليهما، ولا شرعية لأي سلطة تخالف ميثاق العيش المشترك. ولا شك أن ما حصل شيء بشع جداً ، ولا يمكن قبوله، وعسى أن يعتبر اللبنانيون مما حصل ، فلا يعودون إلى مثل هذا التقاتل البغيض المرفوض بالمطلق. كما أننا ضد كّم الأفواه، وضد كل ما حدث لوسائل الإعلام، سواء المرئية أم المسموعة. وبرأيي أن هذه الأزمة التي حدثت مؤخرا وكادت تشعل نار الفتنة ، وتفقد اللبنانيين الثقة فيما بينهم ، ليست جديدة . وإنما هي انعكاس لخلافات قديمة متراكمة موجودة بين الأفرقاء. و قراءة النتائج فقط لا تكفي وإنما علينا معرفة أسباب التقاتل وتحليلها والعمل على إزالتها كي لا تتكرر المأساة . وللأسف فإن اللبنانيين حتى الآن غير متفقين على مفهوم المواطنية الصحيحة، حيث لا يوجد في مدارسنا الرسمية،حتى الآن كتاب تاريخ موحد متفق عليه،( على الرغم من مرور سنوات على المنهجية الحديثة للتعليم المعتمدة في لبنان) ونناشد المسؤولين ضرورة إصدار هذا الكتاب بسرعة، على أساس المصير المشترك للمجموع البشري الذي تشكل منه لبنان الحديث. وبهذه المشاركة يكون هناك معنى للهوية والانتماء،ويكون كل فرد من أفراد المجتمع معنيا بالمصير العام للوطن، بعلاقاته الداخلية والخارجية. و بالتالي يكون معنيا بالديمقراطية،.بما هي فعل تعددية، للجماعة الوطنية، ما يسمح لنا بالشروع في مخططات تربوية وعلمية وثقافية تدمج الفكر بالعمل وبواقع البلد، وتخطط لتحقيق رغبات ومطامح الأجيال الناشئة . ومن هنا أهمية تذكير الحكام في خضم تصارعهم على الحصص انه لن يبق حصة لأحد، لو أن غالبية الشعب أصبحت تحت خط الفقر. وأنا لا أصدق أن التقاتل الذي حصل يعود إلى أسباب طائفية أو مذهبية وإنما هو قتال سياسي بامتياز ،ولكنه ألبس لبوس الطائفية، والدليل أن لا فرق من الناحية الفقهية بين السنة والشيعة، فكلا الفريقين يدين بدين واحد وكتاب واحد.عدا عن ان الشعب اللبناني يتعايش مع بعضه البعض وهناك الكثير من حالات المصاهرة بين سني وشيعي، وأيضا بين مسلم ومسيحي. وباعتقادي أن المقاومة هي رأ س الحربة في هذا الموضوع ليس فقط بالنسبة إلى لبنان بل إلى جميع الدول العربية ".ثمّ أسأل الكاتب والباحث حسن عجمي ذات السؤال فيجيب بمرارة واضحة :" نحن سوبّر متخلفون، فبينما الغرب دخل عصر السوبر حداثة، نفتتح نحن عصر السوبر تخلّف وبهذا نحن مبدعون! لم يسبقنا شعب من شعوب العالم لدخول عالم السوبر تخلّف بإصرار، اليوم السوبر تخلّف هو إنجازنا الوحيد، والفرق شاسع بين التخلف والسوبر تخلف، فالشعب المتخلف هو الذي لا ينتج ما هو مفيد للبشرية والعالم، بينما الشعب السوبر متخلّف وهذا حالنا يطوّر التخلّف من خلال استخدام العلم من أجل التجهيل، وهذا ما نقوم به بالضبط، فمدارسنا وجامعاتنا ووسائل إعلامنا مراتع عامّة لتطوير التخلّف، تستعمل العلم وتكنلوجياته، من أجل نشر الجهل والاقتتال الطائفي والمذهبي وزرع الأحقاد،نحن سوبر متخلفون لأننا نرفض العلم والمنطق، فبدلا من أن تخرّج جامعاتنا مبدعين وعلماء، تخرّج إرهابيين وعنصريين وطائفيين يتصارعون على حكم مملكة السوبّر تخلّف، ومن مظاهر تخلفنا أننا محددون في أدقّ التفاصيل، فمعتقداتنا ورغباتنا وتصرفاتنا محدّدة سلفا، ولذا أصبحنا مجرد آلات في قبضة الطغاة، وما حروبنا الأهلية المتكررة إلا تجليات السوبر تخلّف والسوبر إرهاب الذي لا يقتل الجسد وحسب بل هو يجاهد ليقتل إنسانية الإنسان ".أقرأ في كتاب /الباحث خليل أحمد خليل /نقد التضليل العقلي الصادر في بيروت عن {المؤسسة العربية للدراسات والنشر} حيث يقول: "من الخطأ أن تسعى أي جماعة دينية، سنيّة أو شيعيّة، إلى استنساخ النموذج اللبناني المقاوم، بوصفه أنموذجا دينيّا بحتا، وتوظيفه في غير موضعه أي في الخلاف على السلطة، أو الرغبة في قلب الدولة (كتجربة العراق المأساويّة، مثلا ). فمعركة التوحيد الوطني ضد الاحتلال هي غير معركة التوحيد المذهبي أو الديني ضد سلطة الدولة، وفي الحالين يتجلّى العقل التآمري، ضد التوحيد الوطني، وهنا تنشط مخابرات الدول العظمى وأموالها جاهزة للتدخل في كل مجال، تستطيع اختراقه وتحريكه، ثم توظيفه، لفرض الحروب المحلية، الأهلية، الطائفية أو المذهبية، أينما تسنى لها ( تحريض السنّة ضد الحاكم الشيعي، وتحريض الشيعة ضد الحاكم السني ). ".
www,geocities.com/ghada_samman
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

السياسةُ وَفِقْه المعنى وفاقة المبنى


GMT 12:00:00 2008 الإثنين 29 سبتمبر
غادا فؤاد السمّان
"المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف " هل ينطبق هذا الحديث الشريف على أصحاب الدولة، وممتهني السلطة، وصنّاع القرار، وهم يمارسون، تقواهم في بناء الوطن الذي يليق بالأسرة المتحكّمة، ويعززون استقراره لمرضاة أمزجتهم بقبضة من حديد القمع؟ يحتكرون القوّة لضمان هيبتهم، يبطشون كما يحلو لهم البطش لاستكمال المشهد، ورسم ملامح المرحلة القادمة، كما الحاضرة، كما الآفلة بحبر حالكٍ معتّقٍ في ظلمٍ دامسٍ وظلام بهيم!.
يقول تعالى: {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران: آية 139‏ ولاشكّ أنّ الحكّام العرب قد أصبحوا من المتعالين إن لم يكونوا "الأعلون " فهم المؤمنون جدا، بقناعاتهم، وأنفسهم، وإرادتهم، ومَلُكاتهم، وإمكاناتهم، وصلاحياتهم، وشؤونهم، ومصالحهم، وأهدافهم، وغاياتهم، ورغباتهم، ونزواتهم الملحّة، ولو لم يكن لديهم الإيمان الكامل بما تيسّر لهم من نفوذٍ أنّ الأرض ومن عليها، مِلْكَ يمينهم وطوع بنانهم ورهن إشارتهم وتحت أمرهم وإِمْرتهم، فهل كان بوسعهم أن يستمروا لعقودٍ من الزمن لا تنتهي ولا تلين ولا تستكين، يستعبدون فيها الناس بعدما عجزت أمّهاتهم عن ولادتهم أحراراً؟. وأيّة حريّة يُمكن أن تضاهي إرادة الفئة القليلة التي غلبتِ الفئة الكثيرة بإذن المال والسطوة والجور والجبروت والقهر والطغيان، إنّها القوّة مفهوم يعلو ولا يُعلى عليه، ويغلب ولا غالب له، مبرر باسم الحقّ، وشائع حسب الأولوية والفهلوية والمحسوبية والعربدة المزمنة.
السيادة إذاً قوّة والعاملون بها ثلّة من الأقوياء، فهل هم الأخيار الذين اصطفاهم الله دون سواهم من الرعيّة البسطاء ليبسطوا نفوذهم عليهم بلا تردد، ويواصلون فوقيّتهم بلا هوادة؟ وهل بوسع الضعيف الذي لا حول له ولا قوّة، عندما تشير كل الأصابع الذاتيّة الضمنية إلى ضعفه، أن يوجّه عنايته للقويّ ويواجه الصلْف بالسؤال؟ وأيّ سؤال يصلح للردع، عندما يتمادى مالك الإجابة في غطرسته، وغيّه، وغروره؟
يقول تعالى أيضا: {وكلا فضّلنا عن العالمين }"سورة الأنعام: آية 86هكذا يتعرّفون كتاب الله يجتزئون منه دستورهم إلى الطغيان، ليبررّوا لأفعالهم ما لا يُبرر، و ينتحلوا المعنى الذي يريدون، ويصطفوا الكلام الذي يشاءون، يؤوّلون حسب ظنونهم الآثمة كافة الـتأويل، ويفسرون التفسير بعد التفسير كما يزعمون ويدّعون. فهل وحدهم حقّا أصحاب السيادة والسعادة والمعالي هم الذين قد توارثوا ظهور الرعية ليمتطوها بسلام، ويدخلوا على متنها إلى أمجادهم آمنين مظفّرين، مكللين بالغنائم والثروات من خير البلاد والعباد دون حسيبٍ أو رقيبٍ؟أمّ أنّ عِمْلَةَ الضمائر المستورة والمُلتبسة مزدوجة الوجه ومتعددة التسويق، فليس الحاكم وحده ربّ المصير الذي يقدّره ويقرّه للقطيع، بل هناك الزعامة الرديفة، والزعامة الحليفة، والزعامة الخصم، التي يبتدعها الدُهاة ويُساق إليها الأتباع سَوْق النِعاج بحواسٍّ مبتورة، ووعيٍ مخصيّ، وإرادة عقيم.وهكذا يتلاشى البصيص رويدا رويدا، ويتضاءل الحلم حتى الغياب، وتضيق مساحة التعبير حدّ الاختناق، حين تتساوى السعادة بالعبوديّة، والكرامة بالتبعية، والكبرياء بالعدم.هل صار إنساننا على وشك الانهيار، أم أنّ الانهيار قد تمّت عمليته بنجاح جرف معه صحونا ويقظتنا وفطنتنا وبديهيّتنا التي لم ندرك معه في أيّ درك صرنا، وإلى أين سيكون المآل.هل نواصل تخبّطنا كالناقة العمشاء بعشوائيّة باهظة، نكمم أبصارنا وأفواهنا بإحكام، لا نعلم كيف ننهض منه لننتفض على بلوانا، ونخرج عن قانون مشيئة الترويض في هذا السيرك الذي طالت فيه مدّة العرض المملّ للمُتسيّدين، واستعراض القوّة التي لا تُقهر إلا بإيعاز خارجيّ وقرار دولي يقهر السلطة بالمتسلطين، ويحدّ صلاحية المُسْتَصْلَحين بأمر آجلٍ مرّة عاجلٍ أخرى من المُسْتَصْلِحين. فهل مالك الأمر هو مالك الأمر الذي نجلّ جلاله ونرضى خصاله بصفته باعث القوّة الواحد الأحد الرشيد الصمد، أم أنّ الأرصدة جمعاء قد جُيّرت إلى أولياء النعمة الممولين الواعظين المسوغين مرّة ليظلّوا الممانعين مراتٍ ومرّات؟!.هل تجدي الكلمة نفعا ووقعا في زمنّ الأميّة والجهل والحياد والإسفاف والجهاد الخاوي من كُنْه الجهاد؟قطعا ثمّة صوت مضمر للكلمة، وقطعا لا يسمعه إلا من كان حيّا، وقطعا يلزمني أن أصدّق أننا لا زلنا أحياءً بين الأحياء.
www.geocities.com/ghada_sammangaidoushka@yahoo.com
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

الثقافة في زمن اللامبالاة

GMT 9:45:00 2008 الإثنين 22 سبتمبر

غادا فؤاد السمّان



--------------------------------------------------------------------------------


"قرأت لكَ مقال كذا وكذا... "، تسود هذه العبارة منفردةً ومكرّسةً وموجزة وسط النخبة والعامّة في لبنان، وربما في أوساط نخبوية وشعبيّة في عموم العوالم الأخرى، حيث يتبادلها المثقفون عادة كأن يقولها واحد لآخر دون تردد، ودون تفاصيل، ولطالما مرّت على مسامعي تلك العبارة من هذا ومن ذاك لدى تواجدي الورقي، وهي تمرّ مرورا عاديّا كتحصيل حاصل اعتدّتُ عليه، أو كتعليق لا بدّ منه نظرا لشيوع ظاهرة مطالعة الصحف بين الخاصّة والعامة كواجب صباحي لا بدّ منه في بيروت، وهذا أمر مشهود في لبنان ككلّ بين الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، ربما لوفرة الحدث على مدار الساعة وبما يستتّبعه من تصعيد مقلق مفتوح دائما على كافة الاحتمالات، وربما أيضا لتمكّن الصحافة اللبنانيّة من قول كلمتها بجرأة كاملة تتآكل تِباعا بحكم الاغتيالات المُدبّرة كالتي تمّت بحق "جبران تويني وسمير قصير " لإخماد صوت الجرأة وتقليص صداه، وقهر الحرية التي لم يكن يحدّها الرقيب المُتعارف عليه وهو يتربّع فوق أنف الصحافي وأنف المتلقّي في المجتمعات العربية الأخرى التي تعلّمت العزوف عن متابعة صحافتها المحليّة، نظرا لتكريس الممل والفائت وتمجيد النظام والسلطة لا غير، وبذلك تفتقد بقية المجتمعات العربية الاهتمام الواسع بمسألة الصحافة، التي تقتصر فيه قراءتها على رجل البيت فقط، وليس بالضرورة كل رجل، ربّما لأن الصحف المتداولة أقل جرأة في طرح الآراء ووجهات النظر أضف إلى ذلك تغييب الحَدَث وتمييع آنيّة حدوثه.
ولم أكن أتوقّع أن التواجد في إيلاف يُمكن أن يتيح فرصة مضاعفة للانتشار تفوق الحضور الورقي بشكل لافت جدّا، حيث زاد منسوب تلقّي تلك العبارة فما من قاصٍ أو دان أصادفه أو أهاتفه أو أتواصل معه إلا ويخبرني أنه قد قرأ لي في إيلاف وكثيرون بالمقابل أيضا يؤكدون متابعتهم اليومية لإيلاف كموقع سبّاق لنشر الخبر وفي نفس الوقت يتعمّدون تعمّدا مكشوفا كتَجاوز ذكر أيّة مصادفة لأية مقالة منشورة تمّ التعثّر بها ذات تصفّح وثمّة احتمال صادق بعدم الوصول إلى كتّاب اليوم بحكّم تقدّم الكثير من الأبواب التي تستقبل زائر إيلاف وتشغله عن المتابعة وهذا أمر لا ينطبق على الجميع فالقاصد يعرف أنّى يتّجه وكيف يواصل التغلغل والمسير عبر جريدة الجرائد، وفي جميع الأحوال بدأت تلك العبارة الباهتة "قرأت مقالك " تلفتني سواء كنت المعنية بها، أم كان غيري هو المقصود يقولها القائل ويصاب بالسكتة النقديّة، فلا إضافة ولا تعليق ولا اكتراث ولا تأويل ولا هم يحزنون، وكفى الله المسلمين شرّ القتال، فمن الواضح أننا بلغنا زمن اللامُبالاة الثقافية بجدارة، إذ لم يعد هناك مَنْ يحمل على عاتقه مسألة نقد النص نقدا شفهيا بقصد مساجلة صاحبه، أو مقاربة الوارد داخل السياق، كما كان شائعا في زمن مضى، لعبت فيه المادة الثقافية على اختلاف أجناسها، وعلى تنوّع كَتَبَتِها، دورا حيويّا في تمتين الصلات الإنسانية الطبيعية أولا، والعلاقات الفكرية والروابط الروحية بين المثقفين، إذ ظلّت المادة الثقافية قبل النشر وبعده عِرْضَةً للتناول والتداول والتدقيق والتأمّل والتمحيص والتشاور، كفكرة فاعلة ومؤثّرة وكفيلة في تحريك ساكن أيّا يكن.
أقرأ كتاب "كارل لوفت – من هيجل إلى نيتشه " بجزأيه الأول والثاني، ثمّة تكثيف وحشد هائل للأفكار والنظريات والفلاسفة، ولكن الأهم من هذا وذاك هو طبيعة العلاقة الفكرية القائمة على مستوى النظرية والتطبيق بين متنوري القرن التاسع عشر، بكل ما يعتريها من حساسيات وتآلف ورقي وإسفاف كان يتمّ بين الجميع بوضوحٍ وعلنيةٍ لا تعرف المواربة أو التلفيق، فقد استطاع ماركس أن يطوّر نظريات هيجل بمناقشتها مناقشة تامة ويسقط عليها نظريات اجتماعية واقتصادية أنتجت فكرا وبعدا جديدا مستمرّا في المضمون رغم انهيار الشكل، كذلك هيجل استطاع أن يمارس حيويّته الروحية العالية على نظريات "كانت " بسجالٍ مفتوح كان يرتضيه "كانت " مرّة ويتذمّر منه أخرى، وهكذا كان للديالكتيك دورا هامّا في تطوير المعرفة، وتقدّم المجتمع، وتنوير المثقّف، وقد استمرّ هذا المذهب الجدلي واضحا وفعّالا حتى منتصف القرن العشرين، حيث كانت الروابط الفكرية ميزة المثقّف العربي، الذي أوجد له مساحة كبيرة للتغيير والإصلاح، كدور ثوري حقيقي، تحرر بموجبه المجتمع من ظلم الطبقة الحاكمة وغطرسة الانتدابات والاحتلال المتعاقب، وقاد مجتمعه إلى الاستقلال الفعلي والفكري والعمل البنّاء، وكل ذلك ما كان ليتمّ لولا العلاقات الفكرية الجديّة، والروحية الحميمة، المبنية على الصداقات الصادقة والهادفة لبناء الإنسان أولا والمجتمع الذي يليق به بالتأكيد، وهكذا شاعت ثنائية العلاقات الثقافية، وثلاثيّها، ورباعياتها، وخماسياتها، حتى بلغت مرحلة الشللية في يومنا هذا، وربما تختلف طبيعة العلاقة الشللية أهدافا ومشاريع ونظريات وتطبيقا عن نظيرها من العلاقات الثقافية السابقة، ففي حين كانت العلاقة الجدلية مبنيّة على رغبة حقيقية لإرواء الغليل الفكري والذهني والروحي والوجداني والمعرفي لتحقيق المعادل الوجودي للإنسان الباحث عن الحق والفضيلة والحقيقة والله والمطلق والمبدأ والقيمة والمعنى لهذا كلّه، بينه وبين من يتشارك وإياه شريعة التفكير والتأمّل والوعي، بينما المثقّف في يومنا الراهن دخل طوعا غربال التحيّز والتطرّف والتعصّب الأعمى ليختار وجهته هربا من الاستقلالية والتفرّد، ليقينه التام بالعجز المطلق عن تحقيق مصالح وغايات شخصية وهو مفرد، فآثر الانضواء تحت صيغة الجمع، اسما ناقصا أو زائدا أو حتى معتلّ، وبذلك فقد المثقّف فاعلية التأثير ككيان مستقلّ، إلى أداة كبوق أو تابع كموظّف منتمٍ إلى القبيلة الثقافية لتكريس مفهوم الشلليّة، أو منتمٍ إلى السلطة كمتكسّب. ورويدا رويدا اضمّحلت إمكانية الحوار الثقافي البنّاء، وتلاشت حماسة المشتغلين فيه، وسادت البطالة الفكرية التي ترتّب عليها تعطيلا روحيّا بالغ الحساسيّة، بدا فيه المثقّف أشبه بكيانٍ أجوف، غائبا عن الحضور وإن حضر، وضبابيّ الفعل وإن فَعَلْ.
فما الذي يدفع بالمثقّف الذي لا يزال يملك وإن الحدّ الأدنى من الرؤية أو ما يشبه الموقف ليعبّر عن وجهة نظر عالقة في قعر حلقه ترسّبت نتيجة قراءة مستفيضة لموضوع بعينه، أن يبتكر لنفسه لقبا طريفا أحيانا ساذجا أخرى أو اسما مستعارا كقناعٍ لا بدّ منه، ليقول ما يودّ قوله بمباشرة ممتازة لا يعيبها سوى المراوغة التي تعيق احترام وجهة نظرا قائلها وأخذها بعين الاعتبار لأنها صادرة عن مجهول، وفي حال كان معلوما انعدم النطق لديه وغاب في اللامبالاة، لعجزه التام عن المواجهة عبر أقصر الطرق. ولعلّه بفعل تراكم الأقنعة، ونشوب الحواجز بين المثقفين، وارتفاع منسوب المحسوبيات الثقافية التي غرق الجميع في طوفاناتها ومستنقعاتها الراكدة تحت طبقة كتيمة من المصالح والأطماع والطموحات التي لا تنتهي.
كيف إذا يمكن أن يستعيد المثقّف عفويته وتلقائيته وقدرته على المُباشرة والتعبير دون أن يُتّهم بالعته والسفه والمبالغة والجنون؟
لا بدّ من استرجاع "السؤال " أداة المثقف الأولى، ولابدّ من تحرر المثقّف من قيود السلطة والقبيلة والشللية لتكتمل دورة الإرادة الحيّة، لابدّ من التواصل الهادف، وليس المُستهدف من التواصل، لابد من تقبّل فكرة الحوار أولا، والحوار دائما، والحوار حتى الهزيع الأخير من المعنى، وليس الحوار لمجرّد الحوار، بل الحوار من منطلق الضرورة الماسّة للحوار، وما فشل مسلسل الحوارات السياسية المنعقدة جلسة إثر جلسة، إلا انعكاسا لتقاعس الحوار الثقافي وتقهقره وتردّيه، لابدّ أيضا من تمرّد المثقّف على خبث السياسي، ليستردّ بوصلة الضوء الكاشف للحق والعدالة والخير والجمال، معززّا بالغير وبالتغيير.
www.geocities.com/ghada_samman
gaidoushka@yahoo.com

أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه