الثلاثاء، 3 مارس 2009

مصر العربية.. حاضن وحاضر



غادا فؤاد السمّان ، الثلاثاء 3 آذار 2009


احفظ
اطبع
تعددت الألسن وعلت نبرة الخُطب السياسية وكثرت الافتراءات وتمادى التأجيج، وظلّت مصر العربية صاحبة الدور الأساس الذي احتوى أزمة الصراع بين حماس وإسرائيل التي لم تسفر الحرب بينهما أكثر مما كان يُمكن أن تتيحه الطُرق "الدبلوماسية" التي اقترحتها مصر وما تزال بين حماس وإسرائيل كوسيلة ناجعة لتحصيل حقوق الفلسطينيين وخاصة في "غزة" الخاضعة لسلطة وإرادة حماس بالكامل، فلا أحد يفهم مجّانيّة تلك الحرب التي قامت قيامتها رغم عدم التكافؤ، ولا لمَ ذهب الضحايا بالآلاف، والجرحى بالقوافل التي لم تجد بديلا عن مصر الملجأ والعلاج، ولا لهذا الدمار الشامل الذي ترك آلاف الأسر الفلسطينية بنسائها وشيوخها وأطفالها عرضة لعربدة الشتاء تحت الخيام جنبا إلى جنب مع الأنقاض والخراب والأحزان والضغائن، لتكون المساومات في النهاية للصالح الإسرائيلي، الذي فوّت على فلسطينيي الداخل المزيد من الفرص والحقوق والامتيازات، ومع ذلك لم تتخلّ مصر عن دورها الريادي حيث تبنّت فعاليات "المؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد الفلسطيني لإعادة إعمار غزّة" في شرم الشيخ، وقد حضره رؤساء دول ووزراء خارجية وكبار الشخصيات التي اتّفقت جميعها على مبلغ الـ 5 مليارات دولار لإعادة الإعمار تفرّدت المملكة العربية السعودية وحدها بمليار دولار كاملا لدعم إعادة إعمار غزة، فهل حماس قادرة حقا أن تفرض أيّا من شروطها في قبول هذا الدعم المادي من الدول المانحة وتحديد مصادر هذا المال إن كان نظيفا أو نزيها أو حصيفا، أم لا...؟.
وهنا الطامّة الكبرى عندما تصبح "لعبة" الحرب معادلة بمنتهى الهزلية، حيث تبدأ بتكبير الرأس وتنتهي بتكسيره، ويأتي المال فيما بعد ليمحو آثار الحرب الظاهرة ويكرّس شهامة الدول المانحة بصرف النظر عن تأييدها للخصم أو تحيّزها المُعلن، لتبقى النفوس العربية في انكسار مستمر محكومة أبدًا بطمأنينة مفقودة وريبة سافرة ممنوعة من التداول مع أصحاب القرار العبثيين بلا مُنازع.. لقد آن الأوان لحركات المقاومة أن تتقن فنّ المقاومة الذي يرتكز، أول ما يرتكز، على الاعتراف بقدرات العدو، وقتها فقط ستجيد معنى المواجهة بتقديرٍ كاملٍ وتدبيرٍ عقلاني مُسبق لحيثيات المواجهة وأساليبها وتفاصيلها ونتائجها التي ينبغي أن تضع في الاعتبار الأول والأخير احترام المدنيين والمنشآت المدنية، وتؤسس في جملة ما تؤسس له ساحة حقيقية للمواجهة وجبهة فعلية للنزال، وإلا ستظل الحرب مع إسرائيل محسومة النتائج سلفا، نتائج لا مكان لتدوينها على صفحات الذاكرة أو التاريخ المشرّف للنضال العربي.