الأحد، 6 سبتمبر 2009

الثورة السورية

غادا فؤاد السمان وأسئلة النار



ثقافة
الأحد 6-9-2009م
ديب علي حسن

أتوق للبوح ككل البكم في هذا العالم أتوق للحرية.. ككل الزواحف المحكومة بالعتمة أتوق للكتابة ككل الخارجين تواً من دورة مكثفة لمحو الأمية.

هكذا تبدأ الشاعرة غادا فؤاد السمان مجموعتها الجديدة والصادرة عن دار فضاءات تحت عنوان شاعري له رمزيته ودلالته (كل الأعالي ظلي)‏

لماذا تتوق إلى البوح وهي الشاعرة.. وهل من أحد يلجم الشعراء حين يريدون البوح..أتراه البكم الذي تشكوه هو تلاشي الصرخة في مهب الصدى فلابد من صرخة وصرخات وربما كان البوح أسلس وأنغم وأبقى أثراً، فالندى يترك في الصيغة على الورد أثراً يعطيها نسغاً لحياة وارفة..‏

أما الحرية .. فهل ثمة حرية في هذا الكون .. كلنا أحرار بمقدار وكلنا مقيدون بمقاديره وعبقرية أياً كان أو لنقل عبقرية هذا المبدع أو ذاك تكمن في أن يبحر ويسبح ويعارك وهو يلج عوامل بحار مجهولة لم أر إبداعاً كتب في ظل السهولة بقي خالداً بل استساغه الناس حيناً وذهب مع دخان سيجارة.‏

غادة السمان ، تتألم وتحزن وتكابر في مجموعتها الجديدة وهي تبتكر أحزاناً جديدة هي أحزاننا وآلامنا، لاتراوغ فيما تريد أن تقوله تذهب إليه معطرة بعبق الأحزان .. تذهب نزقة وما أجمل النزق حين يبدع، تقول السمان:‏

دمشقية وحسبي أنني لست المدينة لست أطلالها لكنني بالتأكيد غيمة عادة تختزل سر المعنى والتباهي وهي تمطر نزقاً لايثمر في كياناتكم المتصحرة أبداً ، المجموعة مشغولة بنزق يزداد ألقاً ورونقاً حين يدخل مساحته الشعور فهي تارة تصب النص الشعري دفقة طويلة لا تتجزأ كما في النصوص الأولى وتارة أخرى تهطل علينا بقصيدة الومضة كما في النصوص الأخيرة ولعل فوران البحر أعطى هذه الومضات بعدها وعمقها:‏

حبيبي..على عجل أخط لك اشتياقي بعد قليل سأكون في لجة البحر بعد قليل سأكون في لجة البحر ربما ابتلعه ربما يبتلعني المهم أن تظل موجه الثائر..‏

وكم نتمنى أن يكون موتها جديداً غير مألوف: ماذا لو أموت قليلاً بعيداً عن هذا الموت المتراكم صلباً فوق جناحين أو رعباً محكماً بعاشق طائش وثلاث قصائد مدوية..؟‏

ولغادا السمان أكثر من سبعة أعمال مطبوعة هي:‏

وهكذا أتكلم أنا.. الترياق.. بعض التفاصيل إسرائيليات بأقلام عربية /كل الأعالي ظلي/ وثمة مجموعة جديدة تحت الطبع هي: آثام مابعد الظهر‏

ومن نص أسئلة النار في المجموعة نقتطف قولها: من أغلق باب الطيش من فض براءة ذاكرتي من قص مخيلتي ..قهر..؟ ويحل الصوت، الصمت، السكين يقطع دابر أسئلتي أرحل لا.. أرحل بل أترنح مثل الطير دمي المسفوح يضم سواقي الجرح وأغني كخريف ضل فصول النار ياقاذف هذا الثلج ياساخط هذا القلب المسكين ..لماذا.. لماذا النبض..؟‏

http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=20886227320090905222836

لقاء صحيفة بلدنا السورية

«غادا فؤاد السمّان».. عتبة الحرية الأخيرة
المصدر : يزن أتاسي
19/08/2009
«لا أحد يمنحك الحريّة، بل إنّك أنت من تمنح نفسك الحريّة»...
قالتها غادا فؤاد السمّان، تعرّف عن نفسها و مكنوناتها، رافضةً أن تكون أسيرة أيّ شيء، حتى نفسها.
هي هكذا، حرّة، صريحة، واقعية، ومرنة إلى حدّ الذهول فتتقبل الوقائع والحقائق مهما كانت بشعة، وتحتويها، حتى لتحسبها تضمّ هذا العالم بين ذراعيها

مستغربةً هزالته وضآلته وضآلة ما فيه.
سخيّة كالشجرة المثمرة هي.
و ككلّ الأشجار المثمرة، غالباً ما تُرمى بالحجارة.

كم من الوقت احتاجت غادا فؤاد السمّان لتغدو من هي عليه اليوم؟
هذا ما ستتساءل عنه عندما تلقاها حتماً، فقد يخيّل إليك أنّ إنسانة على هذا الكمّ المعرفيّ والخبرة الحياتيّة قد عاشت منذ آلاف السنين.
«أنا أكثر عراقةً من أيّ نسبٍ أو صلة قربى، فأنا أنحدر من سلالة آدم وحواء» تقول بكبرياء عظيم.
حريتها منعتها من الاستمرار في دراسة الأدب الفرنسيّ، فرغم محبتها لهذه اللغة و تقديرها لها، إلا أنها بعد أن زارت فرنسا كعاشقةٍ ستلتقي محبوبها بعد فراق طويل، فوجئت أن الفرنسيين رغم تطورهم و حضارتهم و حريّتهم مازالوا يحملون نزعة المحتلّ في داخلهم، وكدمشقيّة أصيلة سمعت الكثير من القصص من الأهل عن معاناة دمشق وأهل دمشق في فترة الاحتلال الفرنسيّ، وكما تشرّبت هي هذه الحقائق، كان الجيل الجديد في فرنسا قد تشرّب عقلية أجداده المحتلّين يعيشونها بكبرياء وغرور أعمى، فكان قرارها فورياً بوقف دراستها للأدب الفرنسي، فور عودتها إلى سورية.
ومن هنا انتقلت لدراسة العلوم السياسيّة في لبنان، لتستمرّ مجدداً مدّة سنتين وتتوقف عند هذا الحدّ رغم تفوقها، لانشغالها ببيتها وزوجها وعملها في جريدة الديار، والذي استمرّ مدّة أربع سنوات، تحت إدارة «شارل أيوب» في ذلك الحين، تكنّ له كلّ المحبة والاحترام حتى اليوم «فكانت جريدة الديار بمثابة ديار فعليّ بالنسبة لي» تقول السمّان.
وانطلقت غادا فؤاد السمّان من هنا لتدخل عالم الصحافة بشكلٍ فعليّ، تعيش في العاصمة اللبنانية بيروت، منكبّة على ما تكتبه؛ شعراً، نقداً أدبياً وأبحاثاً حتى اليوم...
«غادا» بالألف!

حربٌ شعواء واجهتها «غادا فؤاد السمّان» قبل أن تضيف اسم أبيها إلى اسمها وتُطلق التاء المربوطة في اسمها لتصير ألفاً «تمتد للأعلى بقامة عالية» كما تقول.
هاجمتها العديد من الأقلام تتّهمها باستغلال اسم الأديبة «غادة السمّان» علّها تصيب شيئاً من الشهرة، دون أن ينظر أحدهم نظرة حقيقيّة لما تقدّمه!
إلا أنها وبكلّ بساطة لا تعير اهتماماً لكلّ ذلك، فهي واثقة من نفسها، ولم تكن ولن تكون يوماً بحاجةٍ إلى استعارة أسماءٍ لأشخاص آخرين لتحقق ذاتها، «مسيرتي لا تزال مستمرّة منذ ربع قرنٍ من الزمن، وقد حققت ما حققته بجهدي وتعبي وموهبتي الخاصة» تقول «غادا» مؤكدةً أنّ الأسماء لا تتعدى كونها أسماءً، و تضيف: «لمن راق لهم وجودي أقول شكراً، ولمن لا يتمكنون من استيعاب هذه الحقيقة، أقول إن الفضاء واسع، ولن يتمكن أحدٌ يوماً من مناقشة مواضع النجوم والكواكب والعمل على تغيير أماكنها»... «قد يبدو القمر الذي نعرفه الأبهى والأكثر سطوعاً بين الأقمار في الكون، لكن هذا يعود فقط لحقيقةٍ واحدة بأنّه الأقرب إلى الأرض، بينما يسبح في الفلك البعيد ما هو أكثر سطوعاً وبهاءً، يسمو بعيداً عن الأرض».
«نحن نعيش في أزمنة متهالكة» تقول في سياق حديثها عن كيفية تقبّلها لما تعرّضت له من هجوم، مستغربة كيف تتبجّح بعض النساء بحريتهنّ الإباحية والمنفّرة بينما تعيش أخرياتٌ «متمسكاتٍ بالجمر، وأنا منهنّ، ربما لإيماني بالزمن، إيماني بالكلمة والمعنى، ولإيماني بصدق الإنسان والإنسان نفسه ككلّ».
و ببساطة شديدة تضيف «هذه أنا، كلّ مجدي بأنني ما زلت كما كنت... أحاول، وسأحاول ما تبقى لي من عمر».

«غادا» وحقيقة الموت

«هذا العمر زائل»، و «نحن كلّنا أموات، ولكن تتأخر علينا مراسم الدفن»، حقيقتان لا تغيبان عن غادا فؤاد السمّان، تعيشهما كلّ يوم، تستمدهما من الخبرة والمعرفة والتجربة، فكلّ ما حولها باب للاطلاع و للتعلّم، للسموّ، فتؤمن دون تزمّت بالنصّ القرآنيّ دستوراً إنسانيّاً إلهياً يحفزها ككشافٍ للعتم الذي يحيط بزمننا الذي نعيشه «الضوء الروحيّ هو الأساس»، الحديث الشريف كان باباً آخر للمعرفة، حكمة الآباء والأجداد، الأمثال الشعبيّة، وبالتأكيد التجارب التي تخوضها بكلّ اندفاع، حتى لو كانت ترى خسارتها بأمّ عينها إلا أنها تكمل في التجربة حتى النهاية لترى إلامَ ستفضي، وما ستكون الحصيلة.
«مسافتي العمريّة، مهما طال العمر أو قصر، جدّاً قصيرة».

اختلاف مع «غادا»

قدّمت برنامج «اختلاف مع غادا فؤاد السمّان» والذي بثّته إذاعة صوت بيروت ولبنان الواحد منذ عام 2004 ليسجّل أهم الوقفات والمحطّات مع أهمّ الشخصيات العربيّة.
و رغم النجاح توقف البرنامج مع بداية عام 2009.
« لعبت الإيديولوجية والمؤدلجون في الإذاعة دوراً كبيراً في توقف البرنامج، فرغم الحيل الكثيرة التي لعبتها لأصل بالبرنامج إلى أقصى حدّ من الموضوعيّة والأهميّة، توقف البرنامج في النهاية، تحت ذريعة ضرورة الحصول على مموّل، كون الإذاعة لم تعد قادرة على تحمّل تكاليفه» تفسّر السمّان، وتستدرك «وتمّ إلقاء مهمّة البحث عن تمويل على كاهلي، الأمر الذي رفضته؛ فأنا لست مستعدّة للمساومة بسويّة البرنامج ومحتواه ليلائم ممولاً ما».
وعن فكرة برنامج تلفزيونيّ كان قد تردد أنّ غادا في صدّد التحضير له تقول «إنّ فكرة البرنامج لا تزال قائمة، ولكن، وبكلّ أسف، لم تعد شاشات المحطّات التلفزيونيّة مهتمّة غالباً بتقديم إلا ما يحقّق لها المكاسب، بغضّ النظر عن المحتوى، و إن لم تظهر جهة مؤمنة بفكرة البرنامج كمحتوى وسويّة فلن يكون للبرنامج فرصة للظهور».

«غادا» والنّقد الأدبي

إن التكريس لبعض الشخصيّات الثقافيّة في عالمنا العربي على حساب شخصيّات أخرى لا يثير الاستغراب لدى «غادا»، فالموضوع من وجهة نظرها لعبة مؤسساتية بحتة، عمليّة تسويق مجرّدة، فبينما تعيش العديد من كبار الشخصيّات الثقافيّة في الظلّ دون أن يُسلط الضوء عليها وعلى نتاجاتها الفكريّة، تبقى شخصيّات أخرى محطّ اهتمام الجميع يلقى كلّ ما تقدّمه مديح الجميع و رضاهم دون أن يخضع لدراسات نقديّة حقيقيّة، فيصير إبداعهم واحدة من المسلمات التي لا تقبل أيّ جدلٍ أو نقاش، فتقول «السمّان»: «عقول شعبنا كبيرة و لكنّها تتأثر بالتسويق والشائعة بسهولة».
و ربما تنبع من هنا أهميّة الدراسة التي قدمتها «غادا فؤاد السمّان» في كتاب يحمل عنوان «إسرائيليات بأقلام عربية / الدّس الصهيونيّ»، والذي يناقش العديد من نصوص أدباء الأرض المحتلّة كمحمود درويش و فدوى طوقان، وأعمال لأدباء عرب كأحلام مستغانمي، فتتناولها من وجهة نظرٍ أخرى، وبدراسة و تحليل دقيقين.
و رغم الهجوم عليها من قبل النّقاد الذين اعتبروها تهاجم رموزاً قوميّة، إلا أن السمّان تصرّ على موقفها، فتقول: «لم أغالط محمود درويش كما روّج البعض، بل كان ما كتبته ونشرته سجالاً معه، أنا عاشقة لمحمود درويش، عاشقة مستَفَزة و مستَفِزة»،

«غادا» والشعر

تمتلك لغتها الخاصة ورؤيتها الخاصة للأمور، فلا أفكار أو صور جاهزة، بل تستمتع بتقليب ما يحيط بها، تصنع منه صوراً جميلة في سعيها لفهم الحياة بطريقتها فتجعل من المحيط مكاناً أجمل للفهم، وتصير الحياة أكثر إغراءً بأن تعاش، شعرها هو لعبتها وأسلوب حياتها.
«إذا لم أشعر فجأة بأنّه نبت لي جناحان، لا أعتقد بأنّي سأكون قادرة على الكتابة، فالأجنحة خُلقت للتحليق» تقول «غادا فؤاد السمّان» في الشعور الذي يعتريها عندما تندفع لتمسك بقلمها و تشرع في كتابة الشعر، وتضيف: «إذا لم تتمكن من الارتفاع لتصير أعلى من نفسك، وتصير أعلى من واقعك، أعلى من يومك ومن ما هو حولك ومن زمنك وبيئتك، وأكثر ارتفاعاً وعلوّاً من مجتمعك، فلن تتمكن يوماً من الكتابة.. يجب أن تحلّق».
العفوية، براءة الطفولة، ولحظة الحقيقة هي ما تخلق اللحظة الإبداعية، لحظة الخلق التطهيريّة في رأي «غادا»، لا مكان للمجاملة والخوف والتفكير، ففي اللحظة التي يتدخل فيها العقل بما يلائم الواقع، تمتلئ الصفحات، ولا تمتلئ المشاعر.

الإنسانة «غادا»

ليست شاعرة، أو ناقدة... ليست باحثة ولا صحافيّة ولا إعلاميّة.
رغم كلّ مواهبها، تفضّل أن تُعرف على أنّها إنسانة، فكلّ خبراتها، وكلّ موهبتها كانت بالنسبة لها مسخرةً في خدمة هذه النقطة بالذات، تبحث عن الإنسان في داخلها، وتحرص على أن ينمو ويكبر دون النظر إلى ما قد يكون في محيطها من مغريات أو مكاسب أو انكسارات.
« لا تهمني صفّة الشاعرة، ولا الباحثة ولا الأديبة ولا الفنانة، ما يهمني هو الإنسانة، فكلّ ما سبق يمكن أن يتصف بالكذب والمراوغة، يمكن أن يتّسم بالتواطؤ والخداع، إلا صفة الإنسانيّة. و تضيف: «أكثر ما يهمني أن أكون صادقة مع نفسي أولاً، ومنه ينبع بشكلٍ تلقائيّ صدقي مع الآخرين، فكلّ ما تنجلي عنه صفة الصدق والحقيقة يسقط وتنتهي صلاحيته».

«غادا»

«غادا فؤاد السمّان» إن كان الاسم ثلاثياً، بالتاء المربوطة أو بالألف الممدودة، أو حتى لو تبدّل الاسم ليصير اسماً آخر، فلا فرق، طالما أن من وراء الاسم والفعل والإبداع الإنسانة نفسها، بصدقها وإنسانيتها وثقتها وإحساسها المرهف، بحريّتها التي لا يحدّها إلا السماء.

http://www.baladnaonline.net/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=33281&Itemid=64

صحيفة اللواء اللبنانية

الشاعرة غادا فؤاد السمان في مجموعتها <كل الأعالي ظلّي> بين القصيدة والبرقيات والرؤى العنيفة

غلاف المجموعةالشاعرة غادا فؤاد السمان في مجموعتها الرابعة تعود الى صخبها ومشاكساتها اللغوية التعبيرية والمعنوية في خطابها الشعري الذاتي والموضوعي وهي في عنف الخطاب لأن الأنا تتجلى خلال القصائد حتى وهي تكتب عن امها او تكتب عن ابنها وهي تتماهى مع مدينتين في وعي شقي بها يعرف متكأه او مستنده، سواء في دمشق ومعها بردى، او في بيروت المدينة الموقوفة المعلقة، وخصوصياتها، وخصوماتها، حيث ما ينظم قصائد الشاعرة الوحدة والوحشة وشيء من الكوابيس والاحلام، وبرنامج حب ناقص، ومحكوم بالقسوة، لأن لا صوت في قصائدها، يعلو صوتها وهي تستعرض كما شهرزاد، احوالاً ومقامات ومقابسات تكهرب فيها القصيدة التي ربما تتماهى معها، لأنها انثى مثلها، كذلك تتماهى بعض الشيء مع شعر الهايكو لكن ليس في الطبيعة بل في طبيعة النفس والحب والحنين وكأن خطابها الشعري دعوة للحوار مع الآخر وللتواصل لكن ليس للعلاقة والعشق، فهي من المؤكد لا تحب ولادة بنت المستكفي التي تقول أنا والله اصلح للمعالي، وأمشي مشيتي وأتيه تيها، أمكن عاشقي من لثم خدي، وأعطي قبلتي من يشتهيها، ربما هي في البيت الاول، لكنها ليست في الثاني، فهي كتومة في الحب او انها لا تصلح له لا ادري، ربما تجربتها الاجتماعية القاسية، تحيلها الى الوحدة والوحشة الى الصمت والغياب، رغم انها من جانب التقدّم والحداثة وحتى التفكير المتنوّر، لكن حساباتها عسيرة ولا يمكن ان ينجو احد من قلمها خاصة في كتابها الشهير <اسرائيليات بأقلام عربية>·
لكنها في مجموعتها هذه منذ العنوان <كل الاعالي ظلي> الذي نضطر للتعليق عليه، حسب المثل المكتوب يعرف من عنوانه، ثم الاهداء ذكرى هند اميرتان في مملتكي المهجورة، فهي تعترف ان لها مملكة لكنها مهجورة اذن هي ملكة اللا احد، غير ان هذا يتغيّر حين تحاول التخفيف من وقع العنوان والاهداء في نوع من التقديم الشعري، في بداية وتوقها للبوح ثم في همسة التي لها وللشعراء حيث ليست هي المدينة ولا اطلالها لكنها تمطر نزفاً بعد أن تكون قد حددت مكانها وشيئاً مهماً من هويتها، دمشقية، والمشكلة عند الشاعرة هي عدم التكيّف كي لا اقول التمرّد لأنها في قلقها ووجعها الاقوى والاعظم واحزانها المستدامة كما في التنمية المستدامة انها متبلرة متجوهرة، متلألئة، مذهبة ومؤلمة في بعض قصائدها وبرقياتها، وفي بعضها الآخر تتناثر، وتتكاثر وتتكاسر ايضاً كالزجاج بسبب الزلزلة والبركنة اللتين تغليان في داخلها، انها تحاول كهربة ومغنطة القصيدة ببعض سوريالية نادرة ومدهشة، وهي تقع في مزالق قصيدة النثر اي تقع في السرد والجملة العادية التي تشبه الفعل والفاعل والمفعول، رغم انها تعتمد ايقاع الكلام·· ووقعه الضاري، بسبب غضبها الساطع لا ادري على نفسها ومصيرها، واقدارها، وتحوّلاتها وانزياحاتها، او مع احلامها المكسورة، وتراكم كوابيسها واوجاعها كامرأة، يحاصرها العالم في حريتها وانسانيتها فيحرم رغباتها وحبها، بل يحظر حياتها الطبيعية وهكذا في مكان ما من قصائدها تتراكم خسارتها وتصدر عن هذه الخسارات بعنف شعري تسوقه للآخر غير عابئة برأيه، او اوضاعه او استجابته او عدمها··!
قلت ان خطابها الشعري عنفي حتى في الابتهال وخطاب ربها اي الله الذي تحاول الاستعانة به على كوارثها وحروبها السرية، واشتجاراتها مع الآخر، والعالم الذي لا يفهمها والحق يقال، لا احد يفهم احداً بالقوة والعنف لأن الحرب تحدث عن انعدام الحوار السياسي وكذلك في الحب، لا احد يرغم احداً ولا احد ينطر احداً، ان العلاقة الانسانية تقوم على الثقة والتفاهم لا على القسر والعنف، وانا اقرأ بعض قصائد وبرقيات الشعر عند الشاعرة قراءة تأويلية، ربما لمعرفتي التاريخية بها، وعملي معها في جريدة الديار، وأعرف تشاوفاتها وترفعها حتى في الكتابة الصحافية·
وهي التي تصيغ خطاباً شعرياً في دمشق وغموضاتها، وبردى واليأس والانهزام، والجراح النازفة، كذلك تصيغ خطاباً في بيروت، كذلك في مدينة منكوبة وهي تتماهى مع المدينتين في الخصوبة والعقم، وفي الرؤيا الكارثية الجحيمية، وفي بعض مشبهات الرؤى الفردوسية، حيث تترجّح بينهما، حتى لو كانت تنشد الحياة!
لا اريد شرح شعر غادا ولا الاستغراق في تفاصيله، حاولت الوقوع على دلالات فيه وقرائن وأبعاد في الاسلوب والذات الشعرية المتوتبة الجياشة التي تعتكس العالم من البورتريهات لأمها وابنها نام الصغير، ولمدينتها والاهم البورتريه الكبير في مرايا قصائدها جميعاً لنفسها بينما لا نستطيع معرفة بورتريه الرجل - الحبيب؟ المقابل ولا حتى الشاعر، إذ لديها سوء فهم في ذلك وسوء حب· كما قال الشاعر سوء الفهم هو السفاك، والبحر له سورات، سمك يتعشى سمكاً فبماذا يتعشى السماك·
لغادا في قصائدها رائحة الياسمين الدمشقي، وزهور عطر الليل والليلك رغم انها ذكرت الياسمين بنجومه البيضاء وروائحه الا انها انقصت او تفاقرت بالتعبير عنه في تغافره وغزارة نجومه وروائحه وعطوره· وأنا تلهّفت ان تكثر من ذلك لأن اسم امي ياسمين على اية حال اسامحها على ذلك، فهي في قصائدها تنضح وتتناضح عطور الياسمين والكثير من العطور، وهي تتماوج هفهافة شفافة عبر القصائد كرايات ذاهبة للحرب ولا حرب في اي مكان رغم حديثها عنها إنها حرب اللا احد الذي لا تجده وتجعله احداً وثنائياً وثلاثياً وجماعة كي تتخفف من غلواء النرجس الجميل في الواقع، وكي تقع وقعة شعرية سوداء في الحب كي يتفتح اكثر فأكثر، نرجسها ونرجسيتها في الشعر وغيره··!
زهير غانم
< كل الاعالي ظلي - شعر 2009 < غادا فؤاد السمان < منشورات فضاءات - عمان - الأردن <>
اللواء الثقافي - 19 / 8 / 2009

الكفاح العربي

غادا فؤاد السمان: أبحث عن أجنحة
للشاعرة غادا فؤاد السمان وجهة شعرية تواقة الى الغرف من بواطن الحياة، لكل ما هو مخبوء عن الأعين المجردة، او مهجور في عين المكان والزمان. وهي في هذه الوجهة تحاول اصطياد كل ما قد يعطيها ذلك الأثر البالغ في رحلة البحث بالشعر عن القيم السامية. انطلاقاً من هذه القاعدة، كان لديوانها الجديد الرابع، الصادر عن دار «فضاءات» في عمان، تحت عنوان «كل الاعالي ظلي»، هذا التوكيد الشعري الخاص بها. «الكفاح العربي» حاورتها.