الاثنين، 16 فبراير 2009

الذكرى الرابعة للغصّة



أغلق
اطبع

غادا فؤاد السمّان
قبل العام 2005 كان لتاريخ 14 شباط وقع مميّز على ذاكرتي، ليس لأنه عيد الحب وحسب، بل لأنه عيد ميلاد وليدي البكر، الذي أتأهّب فيه بكامل مشاعري وأمومتي، لأزفّ إليه تهنئتي القلبية كلّ عام بحفاوة بالغة، وخاصّة أنّ صغيري استطاع أن يجتاز سنة أخرى تخوّله الاعتداد بشبابه بثقة وزهو، وتمنحني بالمقابل شعورا أكبر بالطمأنينة على أنّ احتياجه من رعايتي التي لم يكتمل نصابها يوما كما أتمنى وأشتهي، لم تعد مطلبا ملحّا يشعرني بالنقص أو بالتقصير.
بعد 14 شباط 2005 تحوّلت المناسبة تحوّلا جذريا عندما تلقيت في الواحدة والربع ظهرا اتصالا هاتفيا من ابني بلهفة عارمة يسألني :"أمي هل أنت بخير؟" كان من الصعب أن أردّ لأتحدّى ذهولي، وقد ارتعدت أوصال بيتي وأوصالي بالكامل لهول الانفجار، والشاشة الصغيرة تنقل بشاعة الإثم الذي ارتكبه القتلة وضاعف صمتي وقتها حيرة ودهشة كيف تمكن هاتفه القادم من دمشق اختراق أزمة الخطوط التي تمّ تعطيلها كليّا في حينه، كان صوته يرتجف وصوتي يختنق بدمعٍ يفيض، والدخان يتصاعد ليس فقط على مشارف المشهد القادم من شرفة بيتي التي ترصد ضبابا ألمّ بامتداد المنطقة، بل تسرّب ذاك الضباب إلى إنساننا الكامن في الأعماق، رافضا كلّ الرفض أن تكون يد الغدر قد انطلقت حقّا بإرادة الشقيقة، أو انطلقت فعلا بتدبير أو مساندة منها، فأي انتماء وقتها سيرتضيه الانتماء، وأي تبرير ستصفح عنه "مواطنيّتي" عندما تمتدّ أصابع الاتّهام لتؤكّد أن القاتل تسلل من هناك، وربما تحضّر وتوضّب وبورك إجرامه من هناك؟ فأيّة طمأنينة وقتها يُمكن أن نعرفها، وأيّة ثقة يُمكن أن نستعيد، جملة الاتّهامات التي بدأت تضرب على أعصاب التلقّي محقّة كانت أم مجحفة، كان لوقعها ألم السياط، مثلما كان للشكّ الذي يشبّ في الأعماق أثر الحريق، ولم يكن أمامي إلا أن أضرب كفّا بكفّ، راجية أكثر من غيري معرفة الحقيقة، وتوالى الانتظار مواكبة لكل التقارير الدولية، وترقّبا لكل التصاريح والبيانات المحليّة، ولا يزال مفهوم الحرية معلّقا حتى انبثاق فجر الحقيقة، وتحديد هويّة القتلة بموضوعية ومنطقية وعقلانية تامّة وهذا الأهم لتحديد هويتنا أو تبديدها لو صدقت الرؤية، وإدراك حقيقتها لا إرباكها في سبيل الإرباك ليس إلا، لن نقبل التجنّي لمجرّد التجنّي، ولن نستسهل التحيّز للتحيّز لا غير، ثمّة فاجعة، وثمّة شهداء، وثمّة من يترصّد الحقيقة ليس في لبنان فحسب بل أجزم أنه في سوريا أيضا، بلد الأباة، والأحرار، وكل مواطن يثمّنُ غاليا معنى الحرية ويحترم كينونته وكيانيّته هو معنيّ بالحقيقة، حقيقة من خطط ودبّر ونفّذ، وحقيقة من دعم وساند وتجرّأ، الشعب السوري يؤيد حكومته تأييدا تاما كما تحبّ قيادته وترضاه، ولكن لو ظهر الحق وزهق الباطل وأقرّت الحقيقة فعلا تورّط من تورّط، فهل حينها سيظلّ التأييد مستمرّا؟كم فاض صبرنا وكم غاض، ولا شيء يضاهي الحقيقة جدارة بكل هذا الصبر والانتظار سوى حقيقة مبنية على المنطق موثّقة بالبرهان ومؤكّدة بالحجة الدامغة، لنلعن القتلة ونعلنهم أينما كانوا وأيّا يكونون.
لن أنسى لهفتك "رفيق الحريري" حين جمعتنا الصدفة وحددت موعدا بيننا كان القاتل السبّاق إليه، ولن أنسى لهفة "سعد" نجلك البار عندما بذل كامل الاكتراث ليرمّم لي حَدَثَا جللا ورد سهوا ذات "نهار".
عذرا رفيق الحريري لم أشارك في ساحة الشهداء تفاديا لحساسيات أصّلتها زمناً رعونة الأشقّاء، ولكن لكَ حرفي وحبي وحريتي وتقديري الكبير.


ليست هناك تعليقات: