الأحد، 6 سبتمبر 2009

صحيفة اللواء اللبنانية

الشاعرة غادا فؤاد السمان في مجموعتها <كل الأعالي ظلّي> بين القصيدة والبرقيات والرؤى العنيفة

غلاف المجموعةالشاعرة غادا فؤاد السمان في مجموعتها الرابعة تعود الى صخبها ومشاكساتها اللغوية التعبيرية والمعنوية في خطابها الشعري الذاتي والموضوعي وهي في عنف الخطاب لأن الأنا تتجلى خلال القصائد حتى وهي تكتب عن امها او تكتب عن ابنها وهي تتماهى مع مدينتين في وعي شقي بها يعرف متكأه او مستنده، سواء في دمشق ومعها بردى، او في بيروت المدينة الموقوفة المعلقة، وخصوصياتها، وخصوماتها، حيث ما ينظم قصائد الشاعرة الوحدة والوحشة وشيء من الكوابيس والاحلام، وبرنامج حب ناقص، ومحكوم بالقسوة، لأن لا صوت في قصائدها، يعلو صوتها وهي تستعرض كما شهرزاد، احوالاً ومقامات ومقابسات تكهرب فيها القصيدة التي ربما تتماهى معها، لأنها انثى مثلها، كذلك تتماهى بعض الشيء مع شعر الهايكو لكن ليس في الطبيعة بل في طبيعة النفس والحب والحنين وكأن خطابها الشعري دعوة للحوار مع الآخر وللتواصل لكن ليس للعلاقة والعشق، فهي من المؤكد لا تحب ولادة بنت المستكفي التي تقول أنا والله اصلح للمعالي، وأمشي مشيتي وأتيه تيها، أمكن عاشقي من لثم خدي، وأعطي قبلتي من يشتهيها، ربما هي في البيت الاول، لكنها ليست في الثاني، فهي كتومة في الحب او انها لا تصلح له لا ادري، ربما تجربتها الاجتماعية القاسية، تحيلها الى الوحدة والوحشة الى الصمت والغياب، رغم انها من جانب التقدّم والحداثة وحتى التفكير المتنوّر، لكن حساباتها عسيرة ولا يمكن ان ينجو احد من قلمها خاصة في كتابها الشهير <اسرائيليات بأقلام عربية>·
لكنها في مجموعتها هذه منذ العنوان <كل الاعالي ظلي> الذي نضطر للتعليق عليه، حسب المثل المكتوب يعرف من عنوانه، ثم الاهداء ذكرى هند اميرتان في مملتكي المهجورة، فهي تعترف ان لها مملكة لكنها مهجورة اذن هي ملكة اللا احد، غير ان هذا يتغيّر حين تحاول التخفيف من وقع العنوان والاهداء في نوع من التقديم الشعري، في بداية وتوقها للبوح ثم في همسة التي لها وللشعراء حيث ليست هي المدينة ولا اطلالها لكنها تمطر نزفاً بعد أن تكون قد حددت مكانها وشيئاً مهماً من هويتها، دمشقية، والمشكلة عند الشاعرة هي عدم التكيّف كي لا اقول التمرّد لأنها في قلقها ووجعها الاقوى والاعظم واحزانها المستدامة كما في التنمية المستدامة انها متبلرة متجوهرة، متلألئة، مذهبة ومؤلمة في بعض قصائدها وبرقياتها، وفي بعضها الآخر تتناثر، وتتكاثر وتتكاسر ايضاً كالزجاج بسبب الزلزلة والبركنة اللتين تغليان في داخلها، انها تحاول كهربة ومغنطة القصيدة ببعض سوريالية نادرة ومدهشة، وهي تقع في مزالق قصيدة النثر اي تقع في السرد والجملة العادية التي تشبه الفعل والفاعل والمفعول، رغم انها تعتمد ايقاع الكلام·· ووقعه الضاري، بسبب غضبها الساطع لا ادري على نفسها ومصيرها، واقدارها، وتحوّلاتها وانزياحاتها، او مع احلامها المكسورة، وتراكم كوابيسها واوجاعها كامرأة، يحاصرها العالم في حريتها وانسانيتها فيحرم رغباتها وحبها، بل يحظر حياتها الطبيعية وهكذا في مكان ما من قصائدها تتراكم خسارتها وتصدر عن هذه الخسارات بعنف شعري تسوقه للآخر غير عابئة برأيه، او اوضاعه او استجابته او عدمها··!
قلت ان خطابها الشعري عنفي حتى في الابتهال وخطاب ربها اي الله الذي تحاول الاستعانة به على كوارثها وحروبها السرية، واشتجاراتها مع الآخر، والعالم الذي لا يفهمها والحق يقال، لا احد يفهم احداً بالقوة والعنف لأن الحرب تحدث عن انعدام الحوار السياسي وكذلك في الحب، لا احد يرغم احداً ولا احد ينطر احداً، ان العلاقة الانسانية تقوم على الثقة والتفاهم لا على القسر والعنف، وانا اقرأ بعض قصائد وبرقيات الشعر عند الشاعرة قراءة تأويلية، ربما لمعرفتي التاريخية بها، وعملي معها في جريدة الديار، وأعرف تشاوفاتها وترفعها حتى في الكتابة الصحافية·
وهي التي تصيغ خطاباً شعرياً في دمشق وغموضاتها، وبردى واليأس والانهزام، والجراح النازفة، كذلك تصيغ خطاباً في بيروت، كذلك في مدينة منكوبة وهي تتماهى مع المدينتين في الخصوبة والعقم، وفي الرؤيا الكارثية الجحيمية، وفي بعض مشبهات الرؤى الفردوسية، حيث تترجّح بينهما، حتى لو كانت تنشد الحياة!
لا اريد شرح شعر غادا ولا الاستغراق في تفاصيله، حاولت الوقوع على دلالات فيه وقرائن وأبعاد في الاسلوب والذات الشعرية المتوتبة الجياشة التي تعتكس العالم من البورتريهات لأمها وابنها نام الصغير، ولمدينتها والاهم البورتريه الكبير في مرايا قصائدها جميعاً لنفسها بينما لا نستطيع معرفة بورتريه الرجل - الحبيب؟ المقابل ولا حتى الشاعر، إذ لديها سوء فهم في ذلك وسوء حب· كما قال الشاعر سوء الفهم هو السفاك، والبحر له سورات، سمك يتعشى سمكاً فبماذا يتعشى السماك·
لغادا في قصائدها رائحة الياسمين الدمشقي، وزهور عطر الليل والليلك رغم انها ذكرت الياسمين بنجومه البيضاء وروائحه الا انها انقصت او تفاقرت بالتعبير عنه في تغافره وغزارة نجومه وروائحه وعطوره· وأنا تلهّفت ان تكثر من ذلك لأن اسم امي ياسمين على اية حال اسامحها على ذلك، فهي في قصائدها تنضح وتتناضح عطور الياسمين والكثير من العطور، وهي تتماوج هفهافة شفافة عبر القصائد كرايات ذاهبة للحرب ولا حرب في اي مكان رغم حديثها عنها إنها حرب اللا احد الذي لا تجده وتجعله احداً وثنائياً وثلاثياً وجماعة كي تتخفف من غلواء النرجس الجميل في الواقع، وكي تقع وقعة شعرية سوداء في الحب كي يتفتح اكثر فأكثر، نرجسها ونرجسيتها في الشعر وغيره··!
زهير غانم
< كل الاعالي ظلي - شعر 2009 < غادا فؤاد السمان < منشورات فضاءات - عمان - الأردن <>
اللواء الثقافي - 19 / 8 / 2009

ليست هناك تعليقات: