الأحد، 6 سبتمبر 2009

لقاء صحيفة بلدنا السورية

«غادا فؤاد السمّان».. عتبة الحرية الأخيرة
المصدر : يزن أتاسي
19/08/2009
«لا أحد يمنحك الحريّة، بل إنّك أنت من تمنح نفسك الحريّة»...
قالتها غادا فؤاد السمّان، تعرّف عن نفسها و مكنوناتها، رافضةً أن تكون أسيرة أيّ شيء، حتى نفسها.
هي هكذا، حرّة، صريحة، واقعية، ومرنة إلى حدّ الذهول فتتقبل الوقائع والحقائق مهما كانت بشعة، وتحتويها، حتى لتحسبها تضمّ هذا العالم بين ذراعيها

مستغربةً هزالته وضآلته وضآلة ما فيه.
سخيّة كالشجرة المثمرة هي.
و ككلّ الأشجار المثمرة، غالباً ما تُرمى بالحجارة.

كم من الوقت احتاجت غادا فؤاد السمّان لتغدو من هي عليه اليوم؟
هذا ما ستتساءل عنه عندما تلقاها حتماً، فقد يخيّل إليك أنّ إنسانة على هذا الكمّ المعرفيّ والخبرة الحياتيّة قد عاشت منذ آلاف السنين.
«أنا أكثر عراقةً من أيّ نسبٍ أو صلة قربى، فأنا أنحدر من سلالة آدم وحواء» تقول بكبرياء عظيم.
حريتها منعتها من الاستمرار في دراسة الأدب الفرنسيّ، فرغم محبتها لهذه اللغة و تقديرها لها، إلا أنها بعد أن زارت فرنسا كعاشقةٍ ستلتقي محبوبها بعد فراق طويل، فوجئت أن الفرنسيين رغم تطورهم و حضارتهم و حريّتهم مازالوا يحملون نزعة المحتلّ في داخلهم، وكدمشقيّة أصيلة سمعت الكثير من القصص من الأهل عن معاناة دمشق وأهل دمشق في فترة الاحتلال الفرنسيّ، وكما تشرّبت هي هذه الحقائق، كان الجيل الجديد في فرنسا قد تشرّب عقلية أجداده المحتلّين يعيشونها بكبرياء وغرور أعمى، فكان قرارها فورياً بوقف دراستها للأدب الفرنسي، فور عودتها إلى سورية.
ومن هنا انتقلت لدراسة العلوم السياسيّة في لبنان، لتستمرّ مجدداً مدّة سنتين وتتوقف عند هذا الحدّ رغم تفوقها، لانشغالها ببيتها وزوجها وعملها في جريدة الديار، والذي استمرّ مدّة أربع سنوات، تحت إدارة «شارل أيوب» في ذلك الحين، تكنّ له كلّ المحبة والاحترام حتى اليوم «فكانت جريدة الديار بمثابة ديار فعليّ بالنسبة لي» تقول السمّان.
وانطلقت غادا فؤاد السمّان من هنا لتدخل عالم الصحافة بشكلٍ فعليّ، تعيش في العاصمة اللبنانية بيروت، منكبّة على ما تكتبه؛ شعراً، نقداً أدبياً وأبحاثاً حتى اليوم...
«غادا» بالألف!

حربٌ شعواء واجهتها «غادا فؤاد السمّان» قبل أن تضيف اسم أبيها إلى اسمها وتُطلق التاء المربوطة في اسمها لتصير ألفاً «تمتد للأعلى بقامة عالية» كما تقول.
هاجمتها العديد من الأقلام تتّهمها باستغلال اسم الأديبة «غادة السمّان» علّها تصيب شيئاً من الشهرة، دون أن ينظر أحدهم نظرة حقيقيّة لما تقدّمه!
إلا أنها وبكلّ بساطة لا تعير اهتماماً لكلّ ذلك، فهي واثقة من نفسها، ولم تكن ولن تكون يوماً بحاجةٍ إلى استعارة أسماءٍ لأشخاص آخرين لتحقق ذاتها، «مسيرتي لا تزال مستمرّة منذ ربع قرنٍ من الزمن، وقد حققت ما حققته بجهدي وتعبي وموهبتي الخاصة» تقول «غادا» مؤكدةً أنّ الأسماء لا تتعدى كونها أسماءً، و تضيف: «لمن راق لهم وجودي أقول شكراً، ولمن لا يتمكنون من استيعاب هذه الحقيقة، أقول إن الفضاء واسع، ولن يتمكن أحدٌ يوماً من مناقشة مواضع النجوم والكواكب والعمل على تغيير أماكنها»... «قد يبدو القمر الذي نعرفه الأبهى والأكثر سطوعاً بين الأقمار في الكون، لكن هذا يعود فقط لحقيقةٍ واحدة بأنّه الأقرب إلى الأرض، بينما يسبح في الفلك البعيد ما هو أكثر سطوعاً وبهاءً، يسمو بعيداً عن الأرض».
«نحن نعيش في أزمنة متهالكة» تقول في سياق حديثها عن كيفية تقبّلها لما تعرّضت له من هجوم، مستغربة كيف تتبجّح بعض النساء بحريتهنّ الإباحية والمنفّرة بينما تعيش أخرياتٌ «متمسكاتٍ بالجمر، وأنا منهنّ، ربما لإيماني بالزمن، إيماني بالكلمة والمعنى، ولإيماني بصدق الإنسان والإنسان نفسه ككلّ».
و ببساطة شديدة تضيف «هذه أنا، كلّ مجدي بأنني ما زلت كما كنت... أحاول، وسأحاول ما تبقى لي من عمر».

«غادا» وحقيقة الموت

«هذا العمر زائل»، و «نحن كلّنا أموات، ولكن تتأخر علينا مراسم الدفن»، حقيقتان لا تغيبان عن غادا فؤاد السمّان، تعيشهما كلّ يوم، تستمدهما من الخبرة والمعرفة والتجربة، فكلّ ما حولها باب للاطلاع و للتعلّم، للسموّ، فتؤمن دون تزمّت بالنصّ القرآنيّ دستوراً إنسانيّاً إلهياً يحفزها ككشافٍ للعتم الذي يحيط بزمننا الذي نعيشه «الضوء الروحيّ هو الأساس»، الحديث الشريف كان باباً آخر للمعرفة، حكمة الآباء والأجداد، الأمثال الشعبيّة، وبالتأكيد التجارب التي تخوضها بكلّ اندفاع، حتى لو كانت ترى خسارتها بأمّ عينها إلا أنها تكمل في التجربة حتى النهاية لترى إلامَ ستفضي، وما ستكون الحصيلة.
«مسافتي العمريّة، مهما طال العمر أو قصر، جدّاً قصيرة».

اختلاف مع «غادا»

قدّمت برنامج «اختلاف مع غادا فؤاد السمّان» والذي بثّته إذاعة صوت بيروت ولبنان الواحد منذ عام 2004 ليسجّل أهم الوقفات والمحطّات مع أهمّ الشخصيات العربيّة.
و رغم النجاح توقف البرنامج مع بداية عام 2009.
« لعبت الإيديولوجية والمؤدلجون في الإذاعة دوراً كبيراً في توقف البرنامج، فرغم الحيل الكثيرة التي لعبتها لأصل بالبرنامج إلى أقصى حدّ من الموضوعيّة والأهميّة، توقف البرنامج في النهاية، تحت ذريعة ضرورة الحصول على مموّل، كون الإذاعة لم تعد قادرة على تحمّل تكاليفه» تفسّر السمّان، وتستدرك «وتمّ إلقاء مهمّة البحث عن تمويل على كاهلي، الأمر الذي رفضته؛ فأنا لست مستعدّة للمساومة بسويّة البرنامج ومحتواه ليلائم ممولاً ما».
وعن فكرة برنامج تلفزيونيّ كان قد تردد أنّ غادا في صدّد التحضير له تقول «إنّ فكرة البرنامج لا تزال قائمة، ولكن، وبكلّ أسف، لم تعد شاشات المحطّات التلفزيونيّة مهتمّة غالباً بتقديم إلا ما يحقّق لها المكاسب، بغضّ النظر عن المحتوى، و إن لم تظهر جهة مؤمنة بفكرة البرنامج كمحتوى وسويّة فلن يكون للبرنامج فرصة للظهور».

«غادا» والنّقد الأدبي

إن التكريس لبعض الشخصيّات الثقافيّة في عالمنا العربي على حساب شخصيّات أخرى لا يثير الاستغراب لدى «غادا»، فالموضوع من وجهة نظرها لعبة مؤسساتية بحتة، عمليّة تسويق مجرّدة، فبينما تعيش العديد من كبار الشخصيّات الثقافيّة في الظلّ دون أن يُسلط الضوء عليها وعلى نتاجاتها الفكريّة، تبقى شخصيّات أخرى محطّ اهتمام الجميع يلقى كلّ ما تقدّمه مديح الجميع و رضاهم دون أن يخضع لدراسات نقديّة حقيقيّة، فيصير إبداعهم واحدة من المسلمات التي لا تقبل أيّ جدلٍ أو نقاش، فتقول «السمّان»: «عقول شعبنا كبيرة و لكنّها تتأثر بالتسويق والشائعة بسهولة».
و ربما تنبع من هنا أهميّة الدراسة التي قدمتها «غادا فؤاد السمّان» في كتاب يحمل عنوان «إسرائيليات بأقلام عربية / الدّس الصهيونيّ»، والذي يناقش العديد من نصوص أدباء الأرض المحتلّة كمحمود درويش و فدوى طوقان، وأعمال لأدباء عرب كأحلام مستغانمي، فتتناولها من وجهة نظرٍ أخرى، وبدراسة و تحليل دقيقين.
و رغم الهجوم عليها من قبل النّقاد الذين اعتبروها تهاجم رموزاً قوميّة، إلا أن السمّان تصرّ على موقفها، فتقول: «لم أغالط محمود درويش كما روّج البعض، بل كان ما كتبته ونشرته سجالاً معه، أنا عاشقة لمحمود درويش، عاشقة مستَفَزة و مستَفِزة»،

«غادا» والشعر

تمتلك لغتها الخاصة ورؤيتها الخاصة للأمور، فلا أفكار أو صور جاهزة، بل تستمتع بتقليب ما يحيط بها، تصنع منه صوراً جميلة في سعيها لفهم الحياة بطريقتها فتجعل من المحيط مكاناً أجمل للفهم، وتصير الحياة أكثر إغراءً بأن تعاش، شعرها هو لعبتها وأسلوب حياتها.
«إذا لم أشعر فجأة بأنّه نبت لي جناحان، لا أعتقد بأنّي سأكون قادرة على الكتابة، فالأجنحة خُلقت للتحليق» تقول «غادا فؤاد السمّان» في الشعور الذي يعتريها عندما تندفع لتمسك بقلمها و تشرع في كتابة الشعر، وتضيف: «إذا لم تتمكن من الارتفاع لتصير أعلى من نفسك، وتصير أعلى من واقعك، أعلى من يومك ومن ما هو حولك ومن زمنك وبيئتك، وأكثر ارتفاعاً وعلوّاً من مجتمعك، فلن تتمكن يوماً من الكتابة.. يجب أن تحلّق».
العفوية، براءة الطفولة، ولحظة الحقيقة هي ما تخلق اللحظة الإبداعية، لحظة الخلق التطهيريّة في رأي «غادا»، لا مكان للمجاملة والخوف والتفكير، ففي اللحظة التي يتدخل فيها العقل بما يلائم الواقع، تمتلئ الصفحات، ولا تمتلئ المشاعر.

الإنسانة «غادا»

ليست شاعرة، أو ناقدة... ليست باحثة ولا صحافيّة ولا إعلاميّة.
رغم كلّ مواهبها، تفضّل أن تُعرف على أنّها إنسانة، فكلّ خبراتها، وكلّ موهبتها كانت بالنسبة لها مسخرةً في خدمة هذه النقطة بالذات، تبحث عن الإنسان في داخلها، وتحرص على أن ينمو ويكبر دون النظر إلى ما قد يكون في محيطها من مغريات أو مكاسب أو انكسارات.
« لا تهمني صفّة الشاعرة، ولا الباحثة ولا الأديبة ولا الفنانة، ما يهمني هو الإنسانة، فكلّ ما سبق يمكن أن يتصف بالكذب والمراوغة، يمكن أن يتّسم بالتواطؤ والخداع، إلا صفة الإنسانيّة. و تضيف: «أكثر ما يهمني أن أكون صادقة مع نفسي أولاً، ومنه ينبع بشكلٍ تلقائيّ صدقي مع الآخرين، فكلّ ما تنجلي عنه صفة الصدق والحقيقة يسقط وتنتهي صلاحيته».

«غادا»

«غادا فؤاد السمّان» إن كان الاسم ثلاثياً، بالتاء المربوطة أو بالألف الممدودة، أو حتى لو تبدّل الاسم ليصير اسماً آخر، فلا فرق، طالما أن من وراء الاسم والفعل والإبداع الإنسانة نفسها، بصدقها وإنسانيتها وثقتها وإحساسها المرهف، بحريّتها التي لا يحدّها إلا السماء.

http://www.baladnaonline.net/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=33281&Itemid=64

ليست هناك تعليقات: