السبت، 7 فبراير 2009

على هوامش أجندة الأعياد




على هوامش أجندة الأعياد
غادا فؤاد السمّان
المدافع الثقيلة التي انطلقت مبّكرا قبيل سهرة رأس السنة الجديدة للعام 2009 لم تكن احتفاءً وبهجةً بقدوم العام الجديد، بل كانت لإبادةِ الأطفال والنساء والشيوخ والعجّز والمساكن الشعبية وحتى سواها في غزّة، وكلمة "إبادة " لم تحضر على صفحة القول هنا حضور المتبصّر العارف، بل هي كلمة مقتبسة من خطاب السيد "إسماعيل هنية " ثالث أيام الحرب على غزّة، فقد قرر نيابة عن إرادة مليون ونصف مواطن في غزّة أن الحرب مستمرة حتى ولو أبادوا غزة وكل من فيها، ولا بدّ من السؤال لمن وعمّن يُصلح أن تكون هناك مقاومة إذا؟، فما نفع المقاومة إن لم تكن للمواطن ولأمنه واستقراره وحقوقه وكرامته؟ هل هكذا تسنّ التنظيمات الإسلامية قوانين الموت وفق لوائح عشوائية يقع عليها الحدّ دون ذنبٍ ودون أن يُترك لها الخيار، بل ليكتب على ذويها الحزن القاتل والدموع التي تزلزل بوجعٍ ملامح الرجال، وكأنّ قدر المواطن العربي وخاصّة الفلسطيني واللبناني الحزن حتى في غمرة الأعياد والأفراح العابرة، وطبعًا إسرائيل في خدمة الطموحات المفتوحة على الموت دائما، وعلى جميع المواطنين الكرام تقبّل هذه القناعة في البلدين الشقيين لبنان وفلسطين، فيما المعزّون الكرام عند الشقيقة الأقرب سوريا، جاهزون لكل ما يلزم من شجب واستنكار ومظاهرات تسدّ الشاشة والشوارع بالخطب الرنانة والشعارات، ناهيك عن الحشد الإعلامي لنفض الآراء الباهتة من سُباتها الطويل، وتسجيل اللعنات وتسديدها لأميركا وإسرائيل وكل مواطن يأبى الموت فهو خائن وعميل وملعون..
القتال في منطقتنا "المهيضة" يبدأ بشرارة صغيرة لفتيل لا يتعدى حجم إصبع كفيل بإشاعة جحيم بحاله، وحماس حريصة على تصدير المشهد على أنها ضحية وصاحبة حق في آن، فهل هي على هذه الشاكلة دوما؟ فلنعد للذاكرة القريبة جدا ونستعرض بعضا من ممارساتها النبيلة على أرض الواقع، هل هي تتسم بالنبل فعلا كما نودّ أن نوقن به ونقنع؟ وهذا فصل من سيناريو حديث كانت إرادة الله وإرادة العقلاء فيه هي الغالبة، ولنستعرض معا حتى وإن كان الوقت بالنسبة لكثيرين غير مناسب لفتح جعبة الذاكرة، لكن السكوت هنا لا يقلّ ضراوة عن السكوت هناك وخاصّة أن العنف لن يولّد سوى نظيره، من مخيم "الميّة وميّة " الواقع شرق صيدا من جنوب العاصمة اللبنانية بيروت، كانت قد انطلقت أول أيام عيد الأضحى المنصرم مدافع ثقيلة، سبقتها عيارات نارية متفرقة تجمّع على أثرها عناصر حماس لمواجهة شرسة مع عناصر فتح، لا لتحرير القدس وقتها، ولا لفكّ الحصار عن غزّة، ولا لطرد العابثين في أساسات الأقصى، بل لمواجهةٍ إضافيةٍ خارجةٍ عن جغرافية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والواقعة ضمن جغرافية محمومة أصلا على أرض لبنانية متعددة الطوائف والمذاهب والإيديولوجيا والانتماءات ولها ما يكفيها من الخضّات وفيها ما يؤرّقها من الضغوط الداعمة لانفجار الوضع بإصبع ديناميت أو مجرّد مكالمة مشفّرة لخطة جاهزة عند أي منعطف سياسي وتحرّك خارجي، والمؤسف أنّ حماس التي تواصل هفواتها تِباعا داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها دون أن تُدرك بعد، أنها لم تعد تُمارس سلطتها وسلوكياتها النضالية من خلف الكواليس أو فوق الأسطح أو في عرض الخنادق، بل أصبحت المُستهدفة كلّيا من قِبَل عدسات المصورين ومجهر الإعلام الراصد والمُحلل لطبيعة الخلاف الدامي الذي تنتهجه حماس نهجا خارجا عن منطق الإسلام الذي "تتوثّق" به، لتتيح السؤال عمّا إذا كانت حماس تُمارس تأجيج الوضع للصالح الفلسطيني – الفلسطيني فعلا؟. أم أنّها تُجيَّر العائد إلى لائحة الفواتير السياسية الباهظة التي تستثمرها الدول الراعية للخلاف، والفاعلة في زعزعة الوِفاق الوطني في لبنان وفلسطين والعراق عن طريق أدواتها الداخلية المرتبطة بها بخيوط متينة تتقاطع ومصالحها الذاتية مع مصالح الأحزاب والحكومات المناهضة "للمحكمة الدولية" الوشيكة، تقاطعا وثيقا مع الجهات المستاءة بالتأكيد من الرخاء السياحي الذي تنعم به بيروت هذه الأيام، وقد تزامنت فيها الأعياد لدى مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية على حدّ سواء، ممّا أعطى وفرة بأعداد الوافدين إلى لبنان لينعم ببحبوحة اقتصادية تأخرت لأكثر من ثلاثة أعوام على التوالي، بحكم الشلل الذي أصاب الأمن والاستقرار بعد توقيف عضلة الاقتصاد القلبية لمدينة بيروت عمدا عن النبض والحيوية تماما للفترة المذكورة.
الأدهى بالنسبة لهذه الجهات المعنية هو عودة الأمن والاستقرار الذي يؤرّق كينونتها وصيرورتها وسياساتها المزمنة والمُستمرة، ولم يقتصر اندلاع فتيل الشغب في مخيم المية ومية جنوب العاصمة اللبنانية بل كان ثمّة فتيل مماثل في أكثر من منطقة استهلكت جهود القوّة الأمنية وساومت الجيش اللبناني على إجازاته المشروعة، ليفرض طوقا أمنيا رادعا لكل "السلوكيات" المغرضة من هنا وهناك، والتي أصبحت مكشوفة كليا أمام الرأي العام كما هي لا تخفى على الجهاز الأمني قطعا، بحكم أنها صارت تأتي من باب الإعداد والتخطيط المدروس والممنهج لتأجيج الوضع وتأزيمه كلما آل الوضع إلى الهدوء النسبي أو إلى ما يشبه الاستقرار.وللحديث بقية.. تكمّلها الأعياد اللاحقة والأعداد الطاعنة بالشهداء والدم والدمار المُريع.
كاتبة سوريّة


ليست هناك تعليقات: