السبت، 7 فبراير 2009

الأحرف والأرقام



2009/02/06
زمان جديد

الأحرف والأرقام المحرّفة

غادا فؤاد السمّان


من الثوابت التي لا جدال عليها أو لا جدال فيها، هو ثمانية وعشرون حرفا أبجديا عربيا، والتي تشكلّت منها لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، والتي اتّفق عليها الفقهاء، وائتلف معها البلغاء، وتأصّل فيها البيان، وساد سحر المعني وجاذبيّة المبني، بهندسة الجملة العربية المفيدة، وفق دلالات وسياقات وجماليات معرفية مختلفة، منها ما يقوم علي الموضوعية، ومنها علي المبالغة، ومنها علي الخيال، ومنها علي التقرير، ومنها علي الادهاش، لهذا تقوم الأبجدية بسلسلة متكاملة من الوظائف التي تُغطي المساحة الأعم من ذائقة العامّة، تماما كما تُغطي بذات القدر وربما أكثر ذائقة النخبة.ولا يخفي علي أحد أهمية تجديد اللغة في الـتأليف والتركيب اللفظي، المتواكب طردا مع سيرورة الذهنية وتشكيلاتها الحيّة وتشعّبها العصري، وتداخلها المكاني من حيث البيئة وأدواتها التي تمتد عادة الي عمق "النصّ " أيّا كانت طبيعته، ناهيك عن العناصر الآنية والتاريخية معا التي تسبغ علي النصّ كذلك صِبغة لا تخل من ملامح واضحة يصعب تجاهلها كما يصعب تلافيها عموما.ولست في هذا العرض المُقتضب جدا بصدد تقديم دراسة عن فلسفة اللغة ووظائفها التعددية، بل يكفي الاشارة الي خطورة تبديد الأحرف الأبجدية بحجّة التجديد، والتي انتشرت بفعل التكنولوجيا الحديثة، فمثلا لغة المحادثة في الروابط والوصلات والنوافذ والمواقع الالكترونية، بدأت تشتقّ من الأعداد والأرقام شكلا مختلفا تماما عن شكل الأبجديّة العربية والغربية لصنع لغتها الحداثويّة وفق مفهوم الجيل الجديد، لتصبح الكلمات مشفّرة بطريقة جديدة تعتمد علي الاختزال والرسم، وكأنّ اللغة قد عادت الي سابق عهدها الي العصر الحجري الذي كان يعتمد الشكل لتركيب الكلمة، فلم تعد اللغة العربية لغة التداول العصري الشائع بين مختلف أدوات العصر من الهواتف الجوّالة التي تتيح التراسل عبرها كما يتمّ عن طريق البريد الالكتروني وال"مسنجرات " نوافذ المُحادثة، فلا العربية ظلت علي حالها ولا اللغة الغربية احتفظت بخصوصيتها مثلا: "mar7aba kif 7alak" وهذه جملة مكتوبة باللهجة العربية بأحرف غربية، صارت أكثر من متداولة لدرجة أنّ الأغاني التي تتصدّر الشاشات باصداراتها المحمومة تباعا أصبحت تُكتب بهذه الطريقة، اذا هذا النوع من الكتابة لم ينحصر ضمن الخصوصيات الشخصية بل تعداها الي مستوي الشاشة الصغيرة، وهي المجال الأكثر حيوية للتلقين البصري كوسيلة اضافية متاحة علي مدار الساعة، وهنا مكمن الخطر علي لغتنا الجميلة، كذلك علي ثقافة وتعليم الجيل الجديد، الذي ابتكر لغة لا تخدم العلم أو المعرفة بأي شكل من الأشكال، فهذه لغة لا مرجعية موثّقة لها، ولا يُمكن لها أن تنمي ذهن الطفل أو اليافع أو حتي الشاب في أي مجال من المجالات العلمية أو المعرفية أو الثقافية، بل يُمكن أن تدخله الي ما وراء الزمن فلا يطول بذلك منه هامشاً أو متناً؟ والسؤال الأهم علي من تقع مسؤولية تدهور الثوابث في زمننا المتحوّل بشراسة نحو الهاوية؟


http://www.azzaman.com/index.asp?fname=2009\02\02-06\597.htm&storytitle=
Azzaman International Newspaper - Issue 3212 - Date 7/2/2009جريدة (الزمان) الدولية - العدد 3212 - التاريخ 7/2/2009AZP20


ليست هناك تعليقات: