الجمعة، 6 فبراير 2009

يا ليل "السَبُّ" متى غده؟



يا ليل "السَبُّ" متى غده؟
غادا فؤاد السمّان
ليل "الجزيرة" ليس كأيّ ليل آخر من "ليالي الأنس" لـ"أسمهان " مثلا، أو ليلة "جورج جرداق" التي صادرتها كوكب الشرق "أم كلثوم" وأعلنتها للخلود نيابةً عنه "هذه ليلتي"، أو "ليلة عمر" من ليالي الشاعر الأمير "بدر بن عبد المحسن " التي غناها "عبد الربّ إدريس " وتناقلها من بعده معظم الفنانون بأداءٍ مُتفاوت لستُ بصدد التقييم الفنّي له الآن، بل هو ليلٌ كثيفٌ، ثقيلٌ، مريعٌ، ومفجعٌ، على مدارِ رصدٍ متواصلٍ لعددِ القذائف.. قذيفة.. قذيفة، وعدد الصواريخ.. صاروخًا.. صاروخا، وعدد الشهداء.. شهيدًا.. شهيدة، وعدد الجرحى.. ممزّقا.. ممزّقة، وعدد المنكوبين.. مشرّدا.. وتائهة، وعدد الأبنية المنهارة.. كيانًا.. كيانا، وعدد النازحين، والغاضبين، والصارخين، والمؤيدين، والشاكين، والباكين، والشاتمين، واللاعنين، والجاهدين، والمجاهدين، والمفعمين، والحماسيين، من يومنا هذا إلى يوم الدين. وللحماسيين جمهورهم المؤيّد على بياض وعلى انتخابات وعلى مناصب وعلى شيكات وعلى مصالح إقليمية وعداوات أخويّة وفئوية وعقائديّة و"فتحاوية" وأحقاد مزمنة وغضاضات، "على أونا على دوي.."، لا على "رِجْلِ السيد" كما حصل في حرب "تموز" على لبنان مع "أشرف الناس"، ففي غزّة غابت الألقاب والتصنيفات وتكدّست الصور تلو الصور، صور الخراب وصور الصراخ ودائما الكلمة ذاتها التي تهوي كسوطٍ لا يملك إلا تلك الجَلْدة الحاسمة الجديرة بتكويم المشاهد أرضا بالصرخة القاضية "وينكم يا عرب"، فتفتح أضلاعك وتبحث، وتفتح مسامك وتبحث، وتفتح ملامحك وتبحث، وتفتح جدرانك وتبحث، ولا تجد غير التهييج والتأجيج والعجيج والضجيج، وبعدها لا أحد...الغريب أنّ القادة المقاومين الأشاوس الذين ينبتون على هوامش الأوطان دون مقدّمات ودون اعتراضٍ من ملّاك تلك الأوطان وسادتها وساستها الأفذاذ، يغضبون جيدا عندما ننعت خطواتهم "بالمغامرة" ولا يقنعون أنّ الحرب التي لا تعرف التكافؤ لا ينبغي أن تُخاض، فالحرب ليست بتطبيق نظرية لا قاعدة نهائية لها، وليست خطّة ناجعة لا بأس من تجربتها.أذكر ذات مرة أن اجتاح بيت إحدى الصديقات جرذٌ غادر، صادف زيارتي زمن الاجتياح، طبعا كان من المستحيل السكوت عن ذاك الاجتياح، حرصا على مكانة الزوج وهيئته وصورته تجاه الزوجة والأولاد وتجاهي كزائرة يمكن أن تخرج بانطباع يصعب التنازل عنه، وبدأت رحى المعركة أكثر من ثلاث ساعات متواصلة، بدأت بالأحذية واستمرت بكافة أدوات المطبخ وانتهت بعدة طلقات من جفت صيد بوسع /الفشكة/ الواحدة منه أن تبعثر كل ما تلتحم به، عندما تفقدّنا ما بعد معركة الجرذ، تبيّن أن خرابا فادحا قد أصاب أثاث البيت وجدرانه وثقة الجميع بحنكة الرجل الأشجع والأنسب وقدرته على اتخاذ الإجراء والقرار والبادرة.الغريب أنّ حماس تُكرّس مبدأ رخص الكائن العربي، تتحدث عن 4 قتلى إسرائيليين، وتتغاضى عن النسبة التي تتضاعف بالآلاف في غزّة.الغريب أيضا أن حماس قد بدأت بحربٍ مسنّنةٍ على عدة جبهات معا، فكما كانت القذائف تُرسل على المدى القصير لإسرائيل، كان بالمقابل قذائف لغوية ولفظية معبّأة باللعنات إلى الشطر الآخر من فلسطين اعتبارا من محمود عباس، وانتهاء بالشطر الآخر من مصر والرئيس حسني مبارك، إلى أن استوفت حماس كل ذخائرها اللفظية تجاه الطرفين، وبعدما عَضّت على أصابعها المُقاوِمة غصّةً وحسرةً وندما، بانصياعها لإيران التي تحرّض خارج أسوارها لتعرّض أبناء الأوطان التي تنوي تغيير خارطتها لا أبناءها هي، وتكتفي بالحناجر فوق المنابر بعيدا عن ساحات الوغى، وهكذا كان نظراؤها الكرام، حيث اكتفوا بخوض المعارك و"الردّ المناسب" حول السفارة المصرية، وهتاف الشعب المطيع بالروح وبالدم، لتبقى مزادات الروح والدم الفعلية مفتوحة على مصراعيها الفلسطيني – اللبناني، لا أكثر ولا أقل.

ليست هناك تعليقات: